نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا لمدير مركز كارنيغي في موسكو، ديمتري ترينين، يقول فيه إن التأثير الروسي لن يتوقف عند سوريا فقط.
ويقول ترينين في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "الكثيرين في الغرب تعاملوا مع عودة روسيا إلى المسرح الدولي بمثابة المفاجأة، وبكونها مفاجأة ليست جيدة، فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي تم شطبه بصفته قوة إقليمية، وتم النظر إلى روسيا بأنها محطة وقود تقدم نفسها على أنها دولة".
ويشير الكاتب إلى أن "روسيا لا تزال بعد سنوات مصممة رغم العقوبات الدولية بسبب أوكرانيا، وانتصرت بشكل عملي في سوريا، وهي اليوم تأمر وتنهى في ذلك البلد، ورفع النصر من مكانتها في الشرق الأوسط، ودعم مزاعم موسكو بأن تكون قوة عظمى مرة أخرى".
ويقول ترينين إن "من لديهم خبرة في الوقت الحالي عليهم التعود على الوضع حتى لو لم يرتاحوا إليه، فروسيا ليست دولة عظمى ولكنها تبرز بصفتها لاعبة مهمة مستقلة، وستكون لها أدوار مهمة في أماكن متعددة من العالم وفي الأوقات المقبلة، وبالنسبة للروس فإن هذا أمر طبيعي، ففي التسعينيات من القرن الماضي عندما رأى العالم أن روسيا قد انتهت، لم يصدق قادتها، بل إنهم نظروا لانسحاب الاتحاد السوفييتي من المسرح الدولي باعتباره فترة مؤقتة، وهو أمر عانى منه الروس سابقا، واستطاعوا التغلب عليه، وكان السؤال هو عن الشكل الذي ستتخذه العودة الروسية إلى المسرح الدولي".
ويلفت الكاتب إلى أن "موسكو شعرت بالخيبة من محاولات الدخول في المجتمع الأطلسي- الأوروبي في بداية القرن الحالي، وفشلت في إقناع الولايات المتحدة في التعامل معها على قدم المساواة، الأمر الذي لم يثر إعجاب واشنطن، مثلما تم تجاهل رغبتها باحترام مصالحها القومية، خاصة أثناء عمليات توسيع العضوية في حلف الناتو".
ويفيد ترينين بأنه "منذ بداية عام 2010 بدأ الكرملين برسم خط يقف على خط التضاد للسياسات الغربية السابقة، ومع التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا عام 2014 انتهت مرحلة ما بعد الحرب الباردة التي شهدت سيادة غربية".
ويبين الكاتب أن "ضم شبه جزيرة القرم، ودعم الانفصاليين في دونباس، شرق أوكرانيا، لم يقد إلى عودة روسية لغزو أوروبا الشرقية كما توقع البعض في الغرب، لكنه أبعد أوكرانيا وبقية الجمهوريات السوفييتية السابقة عن محالات الغرب توسيع الناتو، ولهذا كان التدخل في أوكرانيا بمثابة محاولة لبناء (حاجز أمني)، وكان بالضرورة عملا دفاعيا".
ويجد ترينين أن "هذا على خلاف التدخل الروسي في سوريا عام 2015، الذي كان مقامرة محفوفة بالمخاطر للمشاركة في تشكيل النتائج الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وهي المنطقة الصعبة للقوى الخارجية، التي خرج منها الاتحاد السوفييتي بعد حرب الخليج الأولى، ومنذ ذلك الوقت فإن نتائج العملية العسكرية والدبلوماسية لم تربك النقاد للعملية فقط، لكنها تجاوزت توقعات فلاديمير بوتين نفسه".
ويقول الكاتب إن "الإنجازات الروسية في الشرق الأوسط تذهب أبعد من النجاح في سوريا، وقد انتفعت موسكو من شبه التحالفات المرنة مع تركيا وإيران، وترتيبات أسعار النفط مع السعودية، والعلاقات المتجددة مع مصر، وهي لاعبة لديها تأثيرات مهمة في ليبيا، وهي القوة التي يتطلع الكثير من اللبنانيين إليها للمساعدة والحفاظ على وحدة بلدهم، وربما أدت دورا للوساطة الأمنية بين إيران ودول الخليج، وهذا كله في وقت احتفظت فيه بعلاقات حميمة مع إسرائيل".
ويعتقد ترينين أن "الدور الروسي في الشرق الأوسط مثال صريح على مشهد السياسة الخارجية الروسية، ولن يكون هناك استثناء في الغد، فروسيا وبالتوازي مع الولايات المتحدة حاولت البحث عن طرق لتسوية الحرب في أفغانستان، وهذا يعني المناورة بين كابول وحركة طالبان، باكستان والهند والصين والولايات المتحدة، وفي الشهر الماضي استضاف بوتين 43 زعيم دولة أفريقية في منتجع سوتشي على البحر الأسود، وكانت هذه أول قمة روسية مع القارة الأفريقية التي تقدم فيها روسيا نفسها بالشريك الأمني".
ويشير الكاتب إلى أنه "يمكن فحص مصداقية هذا الزعم عن الدور الروسي ليس من خلال التدخل في سوريا فقط، لكن أيضا من خلال الدعم السياسي الروسي للرئيس نيكولاس مادورو الذي لا يزال في السلطة رغم رفض 50 دولة لزعامته، وفي الوقت ذاته أعادت كوبا، التي تتعرض لضغوط من الولايات المتحدة، تقوية علاقاتها مع روسيا، وبدا هذا من خلال زيارة رئيس الوزراء ديمتري ميدفيدف إلى كوبا، وزيارة الرئيس الكوبي ميغول دياز كارنيل إلى موسكو، وتحاول موسكو التواصل مع الدول التي تحكمها أنظمة يسارية".
ويقول ترينين: "لو كان سجل الشرق الأوسط دليلا فإن السياسة الخارجية النشطة لا تتعلق بالنظام العالمي ومكان روسيا فيه، فقد زحف الاتحاد السوفييتي حول العالم، وأنفق أموالا ضخمة على قضايا أيديولوجية، وتعلمت الفيدرالية الروسية من دروس الماضي، فعندما تتدخل في العالم فإن هذا يكون من أجل مصلحة، حاجز أمني كما في أوكرانيا، أو تعزيز المكانة كما في سوريا، أو البحث عن المال في المناطق الأخرى".
ويفيد الكاتب بأن "روسيا لا توجد لديها خطة عظيمة، لكن هناك انتهاز الفرص، وكل واحدة من هذه الفرص تقوم على الميزات الممنوحة، ولا تقوم روسيا بفرض أي نموذج طبقته في دولة على أخرى، وهنا المحذور، فروسيا تتصرف بطريقة أكبر من حجمها، فسياستها الخارجية ليست مدعومة بقوة اقتصادية مساوية، وليست لديها القوة التكنولوجية التي كانت في السابق، أما نخبتها الحاكمة فهي مشغولة بملاحقة المال ليكون لديها الوقت للتفكير في المصالح القومية".
ويؤكد ترينين أن "السياسة الخارجية الروسية لها ملامحها من الفشل والهزائم، فاختيار موسكو التعامل مع الإنترنت سلاحا للتأثير على السياسة المحلية في الدول الأخرى، أدى إلى اتهامات من دول شريكة، مثل فرنسا وألمانيا، وفشل في خدمة أهداف روسيا، وبالنسبة للتدخل في الانتخابات فإن من الأفضل أن تتجنب روسيا التلصص على سياسة دولة أخرى، ليس لأن الرجل المهذب لا يتصرف بهذه الطريقة، لكن لأن لا ثمرة مرجوة من ذلك، بل هناك خسارة".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "هذا كله لا يعني أن روسيا لن يكون لها تأثير، بل هي هنا لتبقى، وعلى الآخرين القبول بها وتعلم كيفية التعامل معها، لكن دون توقعات أو خوف، وفي عالم تسيطر عليه المنافسة الأمريكية الصينية فإنه يمكن للاعبين الآخرين، مثل روسيا، القيام بدور مهم لمنع المواجهة بين القطبين".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
FT: هذه قصة استثمارات أقارب بشار الأسد في موسكو
نيويورك تايمز: هل يتحول الديمقراطيون لمحافظين جدد؟
إغناطيوس: لهذا تستحق روسيا نصرها في الشرق الأوسط