قضايا وآراء

حصار قطر.. دوافع ومبررات المشاركة في "خليجي 24"

1300x600

كشفت صحيفة عكاظ السعودية يوم أمس الاربعاء الموافق لـ 13 من تشرين ثاني (نوفمبر) الحالي موافقة الاتحاد السعودي لكرة القدم مشاركة منتخب بلاده في البطولة الخليجية الـ 24 التي تستضيفها قطر بين (24 تشرين الثاني / نوفمبر الحالي، و6 كانون أول / ديسمبر المقبل)؛ إعلان تبع موافقة اتحاد كرة القدم في كل من البحرين والإمارات العربية المتحدة المشاركة في ذات البطولة الخليجية الـ 24 لتنضم إلى منتخبات سلطنة عمان والكويت في الدوحة.

 

خطوة لا تخلو من الأبعاد السياسية

الخبر ليس عاديا، إذ سبقه إعلان الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله المستشار السابق لولي العهد الإماراتي محمد بن زايد عن انفراجة مهمة في الأزمة الخليجية سيعلن عنها قريبا عبر تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي تويتر؛ الحدث بذلك اتخذ مسارا سياسيا واضحا تجاوزت فيه دول الحصار (الرياض والمنامة وابو ظبي ) قيود الحصار بعد مرور أكثر من عامين على المقاطعة التي أعلن عنها في 5 حزيران (يونيو) من العام 2017 .

مشاركة المنتخبات الثلاث إجراء من الممكن أن يقود لرفع الحظر على التنقل جوا وبحرا وبرا بين البلدان الخليجية الثلاث (السعودية والإمارات والبحرين) مع دولة قطر؛ إجراء يحمل أبعادا اقتصادية واجتماعية وسياسية تجاوزت الاشتراطات الصارمة التي قدمتها دول الرباعية (مصر والبحرين والسعودية والإمارات العربية) قبل عامين من الآن لاستئناف العلاقة مع الدوحة ورفع الحظر عنها.

 

المشاركة في بطولة (خليجي 24) تبدو كخطوة إجرائية أولية في كسر الحصار وتطبيع العلاقات الخليجية خطوة تهدد بشكل غير مباشر النواة الصلبة لرباعية الحصار؛


استجابة الاتحادات الرياضية في البلدان الخليجية الثلاث لدعوة الاتحاد القطري تجاوزت كافة المعيقات السياسية علما بأن العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي لم تنقطع بالمطلق، إذ بقيت قطر تشارك في كافة اللجان الخليجية وخصوصا الأمنية وتحضر الجلسات المعقودة في عواصم دول الحصار؛ فضلا عن تلقي الدوحة ممثلة بالشيخ تميم آل ثاني دعوات على مستوى رفيع في 5 كانون أول (ديسمبر) من العام 2018 لحضور القمة الخليجية في الرياض اعتذر عن حضورها الأمير تميم وأوفد من ينوب عنه في 9 كانون أول (ديسمبر)؛ تبعها دعوة رسمية ثانية من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز للشيخ تميم بن حمد لحضور قمم مكة الثلاث الطارئة لـ (جامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية والدول الإسلامية في مكة المكرمة في 30 أيار / مايو الماضي).

الدعوات التي تلقاها الشيخ تميم من العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز ومشاركة الوفود القطرية الأمنية في أعمال اللجان المشتركة لمجلس التعاون الخليجي لم تكسر الجمود بين دول الرباعية في (المنامة وأبو ظبي والرياض والقاهرة) وقطر ذلك أنها لم تترافق مع إجراءات واسعة لكسر المقاطعة والحصار المفروض على الدوحة؛ في حين أن مشاركة منتخبات السعودية والإمارات العربية والبحرين تمثل كسرا عمليا للحصار والمقاطعة وخطوة متقدمة؛ طالما تحدث عنه نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله وبشر به.

 

مخاوف مصرية


خطوة زاد من أهميتها اللقاء المفاجئ للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد يوم أمس الإربعاء 13 تشرين ثاني (نوفمبر) الحالي في أبو ظبي؛ فالزيارة عكست قلقا مصريا ذلك أنها تبعت الإعلان عن مشاركة المنتخبات الرياضية بمعزل عن أي دور مصري محتمل؛ فتهاوي المقاطعة والحصار المفروض على قطر بمعزل عن مصر وقيادتها السياسية يثير قلقا متوقعا في القاهرة التي باتت تواجه ضغوطا كبيرة في وادي النيل مع أثيوبيا وفي شرق المتوسط وغربه سواء مع تركيا أو في ليبيا وتعاني من صعوبة في بناء التحالفات والحفاظ عليها مع قبرص واليونان، فبعد المشاركة في مناورات ميدوزا 9 مع اليونان وقبرص ومصر عادت اليونان للمشاركة بمناورات مماثلة مع تركيا وبرعاية الناتو وبقيادة غرفة عمليات تدار من الأراضي التركية.

القلق المصري من الممكن أن يبدو مشروعا إن وجد من مسار يتجاوزها ويتجاوز مصالحه المباشرة؛ غير أن الأسئلة المتدفقة حول امكانية تجاوز دول الحصار ودولة قطر للأزمة السياسية العميقة والكبيرة فيما بينها بعد مرور عامين على الحصار أصعب من أن يتم الإجابة عنها أو تجازها بمشاركة في حدث رياضي عابر؛ خصوصا وأن نقاط التماس والمواجهة بين الدوحة ودول الحصار لازالت مشتعلة وساخنة في عدد من الملفات والبؤر الساخنة في العالم العربي؛ كملف العلاقة القطرية التركية والموقف من الربيع العربي والثورة المصرية والليبية .

ورغم أن المشاركة في بطولة (خليجي 24) تبدو كخطوة إجرائية أولية في كسر الحصار وتطبيع العلاقات الخليجية خطوة تهدد بشكل غير مباشر النواة الصلبة لرباعية الحصار؛ إلا أنها تتساوق مع الميول والدوافع السعودية لتخفيض التوتر في منطقة الخليج والانفتاح على دول الجوار الخليجي إذ تزامنت مع زيارة وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان لمسقط ولقائه السلطان قابوس بعد توتر غير معلن بين الجارتين.

 

خطوة تزامنت مع رغبة سعودية في الوصول إلى حل سياسي في اليمن ودفع الفرقاء داخل تحالف الشرعية لتوقيع اتفاق في الرياض ضم المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة الشرعية بقيادة الرئيس عبد ربه هادي منصور؛ مترافق مع تبادل الرسائل مع طهران والرغبة في خفض التوتر في الخليج العربي استعدادا لمرحلة طويلة من الفراغ التي ستترافق مع انطلاق الحملات الانتخابية في أمريكا .

حقائق تمتزج بخطوات اقتصادية سعودية مهمة وحاسمة تهدف لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي بطرح أسهم شركة أرامكو في السوق السعودي المحلي كمقدمة لطرحها في الأسواق الدولية؛ خطوة تحتاج من السعودية بيئة سياسية وأمنية هادئة لا يمكن تحقيقها بدون خفض التوتر بين الدول الخليجية وترميم البيت الخليجي المهشم .

ختاما: رغم أهمية الخطوة المتبعة من دول الحصار الخليجية إلا أن الأسئلة حول دوافع المملكة العربية السعودية وانسجامها مع مصالح أبو ظبي والقاهرة تبقى حاضرة؛ والأهم جدية الخطوة ومدى نجاحها وملاءمتها لتجاوز أزمة الحصار؛ فهل تنجح الإجراءات المتبعة لتخفيف التوتر مع قطر وتفكيك الحصار أم إنها ستبقى محاولات إجرائية محدودة التأثير زمانيا ومكانيا بشكل لا ينعكس على مستقبل الحصار وتفككه ليتحول إلى مجرد مسار جديد لإدارة الأزمة في ظل بيئة محلية سعودية وإقليمية متغيرة وفي ظل هواجس مصرية واشتراطات مقيدة ومعترضة على الاندفاعة السعودية المتخيلة؟