قضايا وآراء

إعادة تموضع الفشل الإسرائيلي من غزة إلى جنوب لبنان

"المواجهة مع إيران قد تشغل الاحتلال عن المعركة الدائرة في جبهة جنوب لبنان وقطاع غزة"- الأناضول
كشفت تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي قال فيها للصحفيين: "لن يكون هناك شيء اليوم الخميس"، أن الاتصالات والمداولات بين واشنطن وقادة الاحتلال الإسرائيلي، كثيفة ومتواصلة لتحديد طبيعة الرد الإسرائيلي على ضربة إيران الصاروخية مساء الثلاثاء الفائت، وهي ضربة خلطت الأوراق السياسية والعسكرية لكل من أمريكا والكيان الإسرائيلي في الإقليم والساحة الدولية.

المداولات بين واشنطن وقادة الكيان، شارك فيها كبار القادة العسكريين، وعلى رأسهم رئيس أركان الجيش الأمريكي تشارلز براون، الذي اتصل برئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هاليفي، الأربعاء، لمناقشة الرد الإسرائيلي المتوقع الذي تعهد نتيناهو به سريعا، علما أن الرد الإسرائيلي لن يكون بعيدا عن التنسيق والتخطيط المشترك بين أمريكا والكيان المحتل.

ورغم نفي وزارة الدفاع الأمريكية إمكانية مشاركتها بالعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران، وتأكيد نائبة الرئيس الأمريكي ومرشحة الحزب الديموقراطي للرئاسة كامالا هاريس، أن الولايات المتحدة لن ترسل قوات للمشاركة في القتال في المنطقة، فإن بايدن منخرط في حوار مع نتيناهو حول إمكانية استهداف المنشآت النفطية الإيرانية وتداعيات ذلك على المنطقة، بعد أن أكدت طهران أن ردها لن يتأخر، وسيشمل استهداف بنى تحتية إسرائيلية وأخرى نفطية في المنطقة.

الرد الإسرائيلي يخضع لعملية تقييم وتمحيص مستمرة، خشية أن يفضي إلى توسع المواجهة نحو ردود متواصلة ومتبادلة بين الكيان الإسرائيلي وجمهورية إيران الإسلامية، مهيئا المنطقة لحرب إقليمية أوسع، الأمر الذي تحاول واشنطن تجنبه حتى اللحظة، في حين أن الكيان الإسرائيلي زادت شكوكه بإمكانية التعامل مع تداعياته دون تعاون أمريكي.

في الأحوال كافة، فإن الرد الإسرائيلي يخضع لعملية تقييم وتمحيص مستمرة، خشية أن يفضي إلى توسع المواجهة نحو ردود متواصلة ومتبادلة بين الكيان الإسرائيلي وجمهورية إيران الإسلامية، مهيئا المنطقة لحرب إقليمية أوسع، الأمر الذي تحاول واشنطن تجنبه حتى اللحظة، في حين أن الكيان الإسرائيلي زادت شكوكه بإمكانية التعامل مع تداعياته دون تعاون أمريكي، سواء كنت ضربة قوية أو ضعيفة لإيران، خصوصا أن الضربة الإيرانية تزامنت مع تورط جيش الاحتلال في مواجهة برية دامية مع المقاومة اللبنانية، بقيادة حزب الله في جنوب لبنان.

يؤكد التوجه المتشكك ما تتداوله الصحافة العبرية على لسان المحللين العسكريين، حيث تحذر من أن المواجهة مع إيران قد تشغل الاحتلال عن المعركة الدائرة في جبهة جنوب لبنان وقطاع غزة، ويظهر ذلك جليا في مقال رون بن يشاي المنشور في صحيفة يديعوت أحرنوت بعنوان: "على إسرائيل أن ترفع مستوى الإيذاء في ردّها على إيران"، قال فيه: "من مصلحة إسرائيل الآن إغلاق الجبهة الإيرانية، كي تستطيع التركيز على الجبهات الأُخرى التي تعمل فيها، خصوصا لبنان"، مضيفا القول؛ "إن الهجوم على المنشآت النووية أو القيام بهجوم قوي ضد صناعة الوقود الإيرانية، كما تحدّث عنه تقرير وول ستريت جورنال، يمكن أن يؤدي إلى رد إيراني سيرتد علينا وعلى واشنطن، ولا مصلحة لنا في الانشغال بهذه الجبهة التي تبعد أكثر من 2000 كيلومتر عن إسرائيل، وتتطلب موارد وتخطيطا كبيرا جدا".

الرد الإسرائيلي على إيران محل جدل وتشكك داخل الكيان الإسرائيلي، ورغم ذلك، يراد له أن يكون سريعا ومحدودا وقاسيا لتجنب رد إيراني واسع ومدمر على الجبهة الداخلية، التي اضطربت بعد توالي ضربات حزب الله لجيش الاحتلال في الجنوب اللبناني، والتي حصدت العشرات من جنوده خلال الساعات 48 الأولى من المواجهة البرية، التي تبجح بها رئيس الأركان هاليفي، ولا زال يفعل ذلك حتى اللحظة.

التموضع الإسرائيلي بالانتقال من جبهة قطاع غزة الجنوبية إلى جبهة جنوب لبنان الشمالية لم يكن مثاليا، وهو مليء بالثغرات والعيوب التي اتسعت وأكدت الفشل الاستراتيجي الذي حذر منه وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستين في بداية العملية البرية على قطاع غزة، فزمام المبادرة التي امتلكها الاحتلال في عملية أجهزة الاتصال والاغتيالات التي طالت الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، لم تدم طويلا.

التموضع الإسرائيلي بالانتقال من جبهة قطاع غزة الجنوبية إلى جبهة جنوب لبنان الشمالية لم يكن مثاليا، وهو مليء بالثغرات والعيوب التي اتسعت وأكدت الفشل الاستراتيجي الذي حذر منه وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستين في بداية العملية البرية على قطاع غزة، فزمام المبادرة التي امتلكها الاحتلال في عملية أجهزة الاتصال والاغتيالات التي طالت الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، لم تدم طويلا.

استهداف لواء يافا وحيفا وأم الرشراس والمستوطنات في الضفة الغربية، بالتزامن مع ضربات من اليمن والعراق وسوريا، وتلقي خسائر كبيرة وثقيلة في جبهة جنوب لبنان البرية وجبهة قطاع غزة العتيقة، دفعت قادة الاحتلال وأمريكا للحديث عن رد متوازن على إيران، وتقليص لمدة العملية البرية إلى أسابيع قليلة، وبعد أن كان قد وعد قائدُ المنطقة الشمالية المتبجح الجنرال أوري غوردين المستوطنين بإنشاء منطقة عازلة؛ انتهى به الأمر للبحث عن مخرج يستبق الغرق الكبير في كمائن المقاومة اللبنانية وصواريخها، التي ستجعل من وعوده مجرد فشل آخر يسجل في صفحة الجيش والحكومة؛ كونها ستجعل من النزوح عملية مستعصية لفقدان المناطق الآمنة الصالحة لذلك، بفعل الصواريخ الإيرانية واليمنية والعراقية، والأهم اللبنانية التي حولت صفد وعكا ونهاريا إلى كريات شمونة جديدة.

ختاما.. التموضع الجديد للاحتلال في لبنان، قاده إلى مواجهة أوسع مع إيران ومحور المقاومة، ووضعه على حافة حرب صواريخ فتاكة تنقل ثقل المواجهة إلى جبهة الكيان الداخلية ومركزها، بدل أن تنقلها إلى لبنان وإيران، كما كان يحلم ويتوقع نتنياهو ومن معه من قادة الجيش.

x.com/hma36