مات محمد حسني مبارك بدون أي ألقاب سوى لقب رئيس سابق، حماه هذا اللقب من المحاكمة العادلة في الدنيا، بقضاة أخرجوه من معظم القضايا كما تخرج الشعرة من العجين كما يقول المثل المصري، لكنه ذهب إلى عدالة السماء التي لن ينفعه فيها قاضٍ فاسد، ولن يحامي عنه محامٍ يتلاعب بالأدلة، بل سيقف الظالم والمظلوم وجها لوجه أمام قاضي الأرض والسماء: الله، سبحانه وتعالى.
فعمليا بدأت محاكمة مبارك بعد وفاته، المحاكمة العادلة الناجزة، التي سيشهد عليه فيها كل أعضائه، بكل ما فعل.
الجدل لم يمت
مات مبارك، ولم يمت الجدل حوله، بين من يترحم عليه، وبين من يلعنه، ولو وقف الأمر عند الصمت على من شهدوا على فساد الرجل، لهان الأمر، لكن المصيبة أن بعض من خرجوا يطالبون برحيله، نسوا الدماء المعلقة في رقابه، والخراب الكبير الذي حل بمصر، وقد كان أساسا في حدوثه، ولذا أحببت فقط أن أبين الجانب الديني الشرعي من مبارك.
وبداية فإن تحديد مصير العباد أمر موكول إلى الله عز وجل، ونحن هنا لا نتكلم عن مصائر الناس من حيث الجنة والنار، فمفاتيح الجنة والنار ليست ملكا لأحد، ولا توجد وكالة عن الله بين الناس بها لأحد. ولكننا نتكلم عن مظالم الإنسان، هل تمحى بوفاته؟ وهل دعوات الناس له تغفرها له؟
مظالم مبارك التي بينه وبين ربه، هي داخلة في باب عفو الله عز وجل، أو عقوبته عليها، أما مظالم العباد فهي يقينا لا تغفر إلا بمغفرة أصحابها، ومبارك في رقبته مظالم لأفراد، ومظالم لأمة، مظالم خاصة، وعامة، وهذه المظالم لا بد من توبة مبارك منها، أو أي ظالم، ومن شروط التوبة في حقوق العباد: رد المظالم إلى أهلها، فهل رد مبارك مظلمة واحدة من المظالم التي حدثت في عهده؟ سواء لفرد أو لأمة؟
نحن هنا لا نتكلم عن مصائر الناس من حيث الجنة والنار، فمفاتيح الجنة والنار ليست ملكا لأحد، ولا توجد وكالة عن الله بين الناس بها لأحد. ولكننا نتكلم عن مظالم الإنسان، هل تمحى بوفاته؟ وهل دعوات الناس له تغفرها له؟
مظالم الأفراد
إن الشهيد لو مات، وكان في رقبته مظلمة أو دين، يؤخره الدَّيْن عن دخول الجنة وأجر الشهادة، فقد قام صلى الله عليه وسلم في الصحابة واعظا فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله، والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل فقال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف قلت؟ قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر، إلا الدَّيْن فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك. فهذا عن دين شخص، فما بالنا بالديون التي للناس عنده، والديون التي أثقل كاهل الشعب المصري بها.
إن الشهيد لو مات، وكان في رقبته مظلمة أو دين، يؤخره الدَّيْن عن دخول الجنة وأجر الشهادة،