كشف قاض
مصري سابق عن انتهاك جديد وصارخ
من سلسلة انتهاكات طالت
القضاء في مصر منذ الانقلاب العسكري، بحق أحد كبار رجال القضاء
المصريين الذين شاركوا في إعداد قانون لـ"مناهضة التعذيب" بالبلاد.
وقال المستشار محمد سليمان لـ"عربي21":
"في سابقة هي الأولى بتاريخ القضاء المصري، قرر مجلس القضاء الأعلى في مصر برئاسة
المستشار عبد الله عصر، استبعاد نائب رئيس محكمة النقض المستشار عاصم عبد الجبار، من تشكيل المجلس في العام القادم".
وأوضح أن "المستشار عاصم عبد الجبار، كان من المقرر أن يحل عليه الدور
لعضوية مجلس القضاء الأعلى بالعام 2021، ضمن 7 أعضاء، ويحق له وفقا للقانون عضوية المجلس
باعتباره واحدا من أقدم اثنين من نواب رئيس محكمة النقض".
وحول السبب في استبعاد المستشار عبد الجبار،
أكد القاضي سليمان، أنه "من رموز (تيار استقلال القضاء) في عهد حسني مبارك، وكان
محالا إلى مجلس الصلاحية لمشاركته في إعداد قانون لمناهضة التعذيب في مصر، في عهد رئيس
الانقلاب عبدالفتاح
السيسي، بالعام 2015، وقضي ببراءته منذ حوالي عام، ومن ثم عاد إلى
عمله".
وأضاف سليمان أن المستشار عاصم عبد الجبار،
فوجئ بالقرار، مؤكدا أن "ذلك الاستبعاد يأتي بلا سبب قانوني، وبلا ولاية قانونية
لمجلس القضاء الأعلى لإصدار مثل تلك القرارات؛ ولا سيما أنه استبعاد من تشكيل مجلس
قادم وليس المجلس الحالي"، حسب قوله.
وقال؛ إن "المستشار المستبعد معلوم
عنه النزاهة والاستقلال، وعدم الخشية من الجهر بالحق، وهو علم من أعلام القضاء الحر،
ولذلك كان استبعاده بلا سند قانوني".
وأوضح سليمان أن القانون "لم يمنح
هذه السلطة لمجلس القضاء الأعلى، كما أن مجلس القضاء الحالي سيتغير تشكيله بالعام القادم،
ومن ثم لا ولاية له على تشكيل المجلس القادم".
وأكد أنه "من العار أن يصدر قرار كهذا
من قضاة ينتسبون لمجلس القضاء الأعلى"، مشيرا إلى أن "ما يحدث هو تردٍّ خطير
في أروقة القضاء، وسط صمت مهين من القضاة وناديهم".
وتساءل سليمان: "ما هو رد القضاة وناديهم لو حدثت تلك الانتهاكات بعهد الرئيس مرسي؟"، مضيفا أنه "من الإجابة
ستدرك مقدار الانهيار الذي أحدثه الانقلاب في منظومة العدالة، والذي يزداد يوما بعد
يوم".
"فاق قضاء مبارك المنبطح"
أحد قضاة مصر الذين علقوا على القضية شريطة
عدم ذكر اسمه أعرب في حديثه لـ"عربي21"، عن أسفه الشديد أنه "منذ الانقلاب
على شرعية الرئيس الشهيد محمد مرسي، تبددت الآمال كافة التي كنا نحلم بها كقضاة".
وأوضح أنهم كانوا يحلمون بأن يكون لديهم
"سلطة قضائية حرة تتمتع بالاستقلال التام عن السلطة التنفيذية"، مضيفا:
"ولكن اليوم أصبحنا نتباكى على ما حققه القضاء من استقلال منقوص وسمعة حسنة بعهد
الرئيس الأسبق حسني مبارك".
وأشار إلى أن "الوضع الذي كان عليه
القضاء حينما أطلقت نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية المستشارة نهى الزيني صرختها في
الانتخابات التشريعية لمصر 2005، وجملتها الشهيرة (القضاء المنبطح)؛ لا يقارن بالتدني
الذي أصبح عليه القضاء الآن".
ويرى القاضي المصري أن "هذا التدني
يتجلى في التعديل التشريعي المتعلق بكيفية اختيار رؤساء الهيئات القضائية؛ وما نراه
الآن من استبعاد شخص بعينه من تشكيل مجلس القضاء الأعلى".
وختم بقوله: "سواء جاء هذا الاستبعاد
متفقا مع صحيح القانون أو دون سند من القانون؛ فما هو إلا نتيجة لما وصل إليه القضاء
المصري من تغول وتسلط السلطة التنفيذية على شؤونه كافة".
ولم يتسن لـ"عربي21" التواصل
مع المستشار عاصم عبد الجبار، لتأكيد الواقعة أو نفيها، والتعليق عليها، فيما نفى المحامي
الحقوقي نجاد البرعي، صاحب مشروع قانون مكافحة التعذيب مع المستشار عبدالجبار، علمه
باستبعاد الأخير من عمله، حتى الآن.
ومطلع العام 2015، تقدم مجلس القضاء الأعلى
ببلاغ للنيابة العامة يتهم فيه القاضيين عاصم عبد الجبار نائب رئيس محكمة النقض، وهشام
رؤوف الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة بالاشتغال بالسياسة؛ لإعدادهما مشروع قانون عن
"مكافحة التعذيب" بالتعاون مع مركز حقوقي.
وقبل عام، في 29 حزيران/ يونيو 2019، قرر
مجلس التأديب والصلاحية، رفض دعوى إحالة القاضيين للصلاحية، في اتهامهما بالتعاون مع
المحامي الحقوقي نجاد البرعي في إعداد مشروع قانون "مكافحة التعذيب في السجون".
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2019، أيد مجلس
التأديب الأعلى لرجال القضاء برئاسة المستشار عبد الله عصر رئيس محكمة النقض ورئيس
مجلس القضاء الأعلى، حكم مجلس التأديب الاستئنافي، بأحقية المستشارين هشام رؤوف، وعاصم
عبدالجبار، في العودة لعملها.
وفي تموز/ يوليو 2019، أدى المستشار عبد
الله عصر، اليمين كرئيس لمحكمة النقض ورئيسا لمجلس القضاء الأعلى، إثر تعيين السيسي
له وفقا للتعديلات الدستورية، في قرار أثار الجدل كون ترتيبه الخامس بين أقدم نواب
رئيس المحكمة، متجاوزا أربعة مستشارين أقدم منه.
ومنحت التعديلات
الدستورية، السيسي، سلطة اختيار رؤساء الهيئات والجهات القضائية، حيث أصبح من حقه،
تعيين رؤساء الجهات القضائية بتغيير المادة (١٨٥)، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية بتغيير
المادة (١٩٣)، وحق تعيين النائب العام بتغيير المادة (١٨٩)، وتقليص دور مجلس الدولة
في مراجعة القوانين بتغيير المادة (١٩٠).