فيما بدا وكأنه
خطوة إلى الوراء، خرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على قناة الجزيرة ليقول إن الأخبار
التي نقلت أنه يدعم الرسوم المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم "مضللة
ومقتطعة من سياقها"، مؤكدا أنه "يتفهم مشاعر المسلمين إزاء هذه الرسوم".
وهدف ماكرون من اللقاء المتلفز إلى "إزالة سوء الفهم، والتأكيد على أن
فرنسا بلد حريص على حرية المعتقد، وعلى ما يسمى غالبا العلمانية"، وفق تعبيره.
وفيما لم يقدم
ماكرون اعتذارا واضحا تجاه دعمه نشر الرسوم المسيئة للإسلام على نحو واسع في
فرنسا، والتي أثارت موجة غضب في العالم الإسلامي وأطلقت حملات واسعة لمقاطعة البضائع
الفرنسية، عاد ماكرون للقول إن تصريحاته بُنيت على "سوء فهم وكثير من
التلاعب"، مرجعا أن كلامه يندرج في إطار "الدفاع عن حرية التعبير".
وتحت غطاء الحرية، طالب ماكرون "بتفهم
موقفه"، مضيفا: "دوري أن أهدئ الأمور، ولكن أيضا أن أحمي هذه الحقوق التي هي ملك
للشعب الفرنسي، هناك فارق هام يجب على كل المسلمين الذين صُدِموا أن يفهموه".
ومؤكدا أنه سيدافع عن الحرية في بلاده،
قال: "هذا
لا يعني أني أدعم شخصيا كل ما يقال وكل ما يفكر به وكل ما يرسم..".
وكان ماكرون قد قال مطلع تشرين أول/أكتوبر إن "الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان بالعالم"، وعلى باريس التصدي لما وصفها بـ"الانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار الجمهورية الفرنسية".
وبعد قتل معلم فرنسي في 16 تشرين أول/أكتوبر كان قد عرض رسوما مسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم على تلامذته، تعهد ماكرون بدعم نشر الرسوم المسيئة في فرنسا. الأمر الذي تسبب بموجة غضب في العالم الإسلامي، وإطلاق حملات لمقاطعة البضائع الفرنسية.
"دبلوماسية جوفاء"
وتعقيبا على تصريحات ماكرون، طالعت
"عربي21" آراء محللين سياسيين حول ما إن كانت تحتوي على دلالات بتراجع
القيادة الفرنسية عن موقفها من الإساءة للإسلام ورموزه تحت وطأة الأزمة مع العالم الإسلامي، وما هي توقعاتهم
تجاه استمرار حملة الإدانة والمقاطعة للبضائع الفرنسية؟ وهل تنم التصريحات عن تغيير محتمل في
سياسة فرنسا الداخلية تجاه المسلمين؟
من جانبه، يرى المختص في الشأن الأوروبي،
حسام شاكر، أن تصريحات ماكرون لا تعبر عن أي تراجع من جانب الإدارة الفرنسية، بل
تعبر عن "إدراكها لحجم الأزمة واتساعها مع العالم الإسلامي والمسلمين في كل
مكان".
اقرأ أيضا: لم يعتذر.. ماكرون: أتفهم مشاعر المسلمين
وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح شاكر
أن "العالم الإسلامي لم يسمع من ماكرون اعتذارا واضحا عن موقفه أو تراجعا جوهريا،
ولم يعبر عن أي نبذ لمضامين الازدراء وحملات الإساءة والتطاول على الإسلام في
وسائل الإعلام الفرنسية".
واعتبر تصريحات ماكرون "تعبيرات فضفاضة جدا عن تفهمه لمشاعر
المسلمين"، مستدلا بأن ماكرون لم يعبر حتى بتعبيرات مشابهة لتلك التي أطلقها
رئيس الوزراء الدنماركي لارس راسموسن بعد أزمة الرسوم حينما بدأ بامتصاص الموقف،
وتدارك الخطأ الذي بدر منه بداية الأزمة وقال بوضوح إنه يعتذر عن أي إساءة قد يشعر
بها المسلمون نتيجة الرسوم الدنماركية.
وأردف شاكر: "ماكرون لم يذهب إلى هذا
المستوى، بل قال إنه يتفهم مشاعر المسلمين، وهذا التعبير فيه قدر ما من
الدبلوماسية الجوفاء التي لا تعبر عن موقف محدد من جانبه".
وعن الأسباب التي تمنع ماكرون من تقديم
موقف محدد من الرسوم المسيئة، أوضح المختص في الشأن الأوروبي أن "حسابات ماكرون السياسية الداخلية تمنعه من
ذلك"، مضيفا: "عموم المزاج العام داخل فرنسا يحكم سلوك الرؤساء بشكل
يمنعهم من إبداء الاحترام الكافي للإسلام والعالم الإسلامي حتى في ظل أزمة عمليا
تلاحق فرنسا حول العالم".
وتابع: "حاول ماكرون بكثير من التذاكي
تسويق وجه مختلف للمضامين ذاتها التي جاء بها من قبل، ومطلوب من باريس إذا أرادت
أن تحتوي هذه الأزمة أن تقوم بجهود ليس على مستوى العلاقات العامة وتحسين السمعة، لكن
على صعيد المضامين الحقيقية، وهي غير مستعدة لهذه الخطوة بعد".
وحول توقعاته لتأثير هذه التصريحات على السياسة
الداخلية لفرنسا، يرى شاكر أن ما قاله ماكرون "لا يعبر عن أي تحول على مستوى
السياسة الداخلية، ففرنسا في حالة استمرار على نهج يقوم على مزيد من المطاردة
الثقافية لكل ما يتعلق بالشأن الإسلامي في المجتمع، وهذا النهج تجاوز الرئيس إلى
الحكومة إلى المزاج العام السياسي والثقافة السياسية".
واستدرك بالقول: "لكن الأزمة مع
العالم الإسلامي لم تكن متوقعة في باريس، وأظهرت بوضوح تأثير سوء التصرف والتقدير
على مسارات الأمور".
"ينبغي الاعتذار"
أما الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي فيرى أن
"كلام ماكرون فيه قدر من التراجع سواء في حديثه عن الإسلام أنه ديانة تمر
بأزمة أو تبنيه بشكل أو بآخر للرسومات المتطاولة على النبي صلى الله عليه
وسلم".
لكن هذا التراجع "لم يكن صريحا
ومباشرا ولا يعد كافيا"، وفق حديث عرابي لـ"عربي21"، بل "هناك
محاولة لاحتواء الأزمة وامتصاص غضب العرب والمسلمين، هو تراجع مبطن وموارب ومغلف
بنوع من الكبر والتعالي حتى هذه اللحظة".
وقال: "ماكرون أنكر تصريحات قالها
بلسانه وحاول إعادة تأويلها، بينما كان ينبغي أن يعتذر بوضوح".
اقرأ أيضا: نشطاء يسخرون من خطاب ماكرون المتراجع حول الرسوم المسيئة
ويعتقد المحلل السياسي أنه "لا ينبغي أن يترتب على
كلام ماكرون أي تهدئة من قبل العالم الإسلامي، لأن
كلامه لم يكن كافيا بل كان فيه تضليل ومغالطة واستغفال"، مضيفا: "التهدئة
تكون عندما يعتذر ماكرون وهو المفتاح الحقيقي لأي تهدئة، وإن كان الاعتذار غير كاف
فيما يتعلق بالجماهير العربية والإسلامية، إذ يجب صياغة قوانين تحارب ما يسمى
الإسلاموفوبيا وإثارة الكراهية ضد الإسلام والمسلمين".
وحول إمكانية أن يطرأ تغيير في سياسة فرنسا
الداخلية تجاه المسلمين، استبعد عرابي حدوث ذلك في الوقت القريب.
وقال
عرابي: "لن يكون هناك تغيير في السياسة الداخلية لماكرون، في ظل صعود اليمين
الفرنسي لحد كبير ونمط الثقافة الفرنسي الذي لا يستوعب التعددية الثقافية، لن يتيح
في وقت قريب تغييرات جدية في السياسة الفرنسية تجاه المظاهر الإسلامية في فرنسا
على وجه الخصوص، لا سيما مع الحالة العربية على المستوى الرسمي والتي تعتبر غير
كافية، فضلا عن أن بعض الدول العربية في المراحل الأولى من الأزمة بدت متواطئة مع
ماكرون".
وختم بالقول: "الأمر مرهون باستمرار هذه
الحملة وألا تكون فورة تنتهي وتبرد سريعا. في حال استمرت الحملة العربية
والإسلامية ضد السياسات الفرنسية أعتقد أن هذا في المدى المتوسط من شأنه أن يدفع القيادة
الفرنسية لتغيير سياستها وخطابها فيما يتعلق بالإسلام".
نشطاء يسخرون من خطاب ماكرون المتراجع حول الرسوم المسيئة
الكشف عن فحوى الاتصال الأخير لمهاجم نيس المفترض مع عائلته
ما خلفيات دعم الإمارات لفرنسا في تصعيدها ضد المسلمين؟