قضايا وآراء

أنقرة والقاهرة مسيرة التنافس والتعاون

1300x600

أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وجود إمكانيات وفرص تعاون كبيرة بين بلاده ومصر في منطقة واسعة بدءًا من شرق المتوسط وحتى ليبيا، تصريحات؛ أدلى بها أردوغان، مساء الثلاثاء الموافق 1 حزيران (يونيو) الحالي، خلال لقاء مع عدد من الصحفيين على شاشة التلفزيون الرسمي التركي.

جهود كسر الجليد بين القاهرة وأنقرة تعاظمت بعد أن وصلت حملة الجنرال المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس إلى طريق مسدودا رغم الدعم الكبير الذي تلقاه من باريس وأبوظبي وإلى حد ما من القاهرة التي لم تخفِ تحفظها على الحملة التي أطلقها اللواء المتقاعد منذ لحظتها الأولى باعتبارها مغامرة خطرة ستتحمل تبعات فشلها القاهرة دون غيرها بسبب التماس الجغرافي المباشر مع الصراع الدائر في ليبيا.

فشل الجنرال حفتر دفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للتدخل بوضع خطوط حمر أمام تقدم قوات حكومة الوفاق التي بدأت بملاحقة قوات الجنرال المتقهقرة في سرت والجفرة؛ وبدعم تركي واضح؛ ليتبع ذلك الاتصال الأول الأكثر فاعلية بين أجهزة الاستخبارات التركية والمصرية لمنع تدهور الموقف في ليبيا نحو مواجهة تركية مصرية؛ ما أفضى إلى اتفاق وقف إطلاق النار مطلقا عملية سياسية برعاية أممية؛ فالتوافق التركي المصري أفضى إلى وقف تام للمعارك في ليبيا وأطلق عملية سياسية طالما تعطلت بتأثير من القوى الإقليمية والدولية المتنافسة.

كسر الجليد الذي تحقق في ليبيا نتيجة التواصل الاستخباري التركي المصري تم تعزيزه بموقف القاهرة  من ترسيم الحدود البحرية المصرية الذي أخذ بعين الاعتبار الحقوق المائية التركية في المنطقة الاقتصادية الخاصة شرق المتوسط؛ إذ مثل  نقطة تحول أساسية في الموقف التركي من القيادة المصرية على لسان وزير الدفاع خلوصي أكار تارة ووزير الخارجية تشاويش أوغلو تارة أخرى؛ فالخطوة المصرية حملت رسائل إيجابية نحو أنقرة وعكست في ذات الوقت استياء مصريا كبيرا من قبرص واليونان والكيان الإسرائيلي بعد إقصاء القاهرة من مشروع نقل الغار إلى أوروبا متجاوزا مصر ومصالحها الحيوية شرق المتوسط.

 

تركيا في ذروة الاشتباك مع الإدارة الأمريكية بدت أكثر انفتاحا للمصالحة مع القاهرة؛ والأكثر انخراطا في إطلاق تصريحات للتقارب مع مصر خصوصا بعد إعلان حزب العدالة الحاكم تشكيل لجنة الصداقة التركية المصرية مقابل فتور وعدم وضوح الموقف على الجانب المصري الذي ترقب مسار تطور العلاقات التركية على الجانب السعودي والإماراتي؛

 



خطوات التقارب المصري التركي لم تتوقف بل تسارعت عقب فوز الرئيس الديمقراطي جو بايدن بمنصب الرئاسة في أمريكا؛ فحملته الانتخابية لم تخل من إشارات سلبية لكل من القاهرة وأنقرة؛ فامتنع عن التواصل مع قيادة البلدين لأكثر من 100 يوم تخللها الإعلان عن إجرءات وتحركات داخل الكونغرس الأمريكي وخارجه تستهدف البلدين كان أكثرها جدلية إمكانية مراجعة حزم المساعدات المقدمة لمصر وربطها بملف حقوق الإنسان.

أنقرة من جهتها تعرضت لهجوم واسع من قبل الطبقة السياسية في البيت الأبيض بسبب موقفها من عمليات التنقيب في البحر الأسود والمتوسط وإدخالها منظومة أس 400 الروسية للدفاع الجوي إلى منظومتها الدفاعية؛ لتتوج الحملة باعتراف أمريكي بالإبادة الأرمنية عشية انتهاء الحرب في قرة باغ واستعادة أذربيجان لأراضيها المحتلة بمساعدة تركية.

تركيا في ذروة الاشتباك مع الإدارة الأمريكية بدت أكثر انفتاحا للمصالحة مع القاهرة؛ والأكثر انخراطا في إطلاق تصريحات للتقارب مع مصر خصوصا بعد إعلان حزب العدالة الحاكم تشكيل لجنة الصداقة التركية المصرية مقابل فتور وعدم وضوح الموقف على الجانب المصري الذي ترقب مسار تطور العلاقات التركية على الجانب السعودي والإماراتي؛ والأهم من ذلك انشغال القاهرة في ملف سد النهضة الإثيوبي؛ إلا أن الإشارة الأقوى التي جاءت من تركيا في ذروة المواجهة بين المقاومة الفلسطينية وجيش الكيان الإسرائيلي في قطاع غزة بامتناع تركيا عن مزاحمة مصر في ملف وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي على عكس ما حدث في العام 2014؛ رسالة التقطتها القاهرة باعتبارها أسهمت إلى حد كبير في تعزيز مكانة مصر الإقليمية كقوة جيوسياسية مؤثرة وفاعلة؛ ترجمتها لاحقا إلى تصريحات على لسان الرئيس التركي طيب رجب أردوغان يوم الثلاثاء الفائت.

ختاما.. تصريحات أردوغان جاءت كترجمة سياسية لخطوات التقارب المصرية التركية خلال العامين الفائتين؛ تصريحات نقلت مصر وتركيا من مسار التنافس والتصارع في المتوسط والعالم العربي إلى مسار التعاون الذي بدأ بوقف القتال والمواجهة في ليبيا وخفض التصعيد شرق المتوسط؛ ومن المتوقع أن تمتد آثاره إلى سائر الملفات التي تتقاطع فيها مصالح البلدين، في الملف الفلسطيني وملف سد النهضة والملف السوري والعراقي إلى جانب ملف الغاز والنفط شرق المتوسط.

  hazem ayyad
@hma36