ليس الذي أقر بهذه الحقيقة مقاوما فلسطينيا من "حماس" المجاهدة وليس حتى من رام الله والسلطة وليس أيضا من مواطني 48 الذين بقوا منذ ذلك التاريخ على أرضهم المحتلة، بل قائل هذه الحقيقة هو كاتب افتتاحية صحيفة (هاأرتس) الإسرائيلية اليسارية مع نشر صور 61 طفلا شهيدا تحت القصف الإسرائيلي مع عنوان في الصفحة الأولى (هؤلاء كانوا أطفالا يلعبون وقتلهم طيرانكم يا أهل إسرائيل)، فأعادت الصحيفة نشر الصور التي سبق أن نشرتها (نيويورك تايمز) الأمريكية وصدرت بها صفحتها الأولى.
أما المفاجأة الثانية فإن القائل لهذه الحقيقة هو أشهر المفكرين والإعلاميين الأمريكيين (توماس فريدمان) المتخصص في الشرق الأوسط والفائز بجائزة (بوليتزر) الإعلامية وكاتب افتتاحيات (نيويورك تايمز)، وهو الذي تدخل في البرنامج التلفزيوني الأشهر في (سي إن إن) الذي يعده ويقدمه المفكر السياسي الأمريكي المسلم من أصول هندية (فريد زكريا صاحب 10 مؤلفات حول التحالف الحضاري).. وفي البرنامج قال فريدمان: إن إسرائيل بسبب تهور اليمين العنصري خسرت الحرب السياسية والإعلامية وتشوهت صورتها في أغلب محطات الرأي العام الأمريكي والعالمي.
أما القائلون الأهم لهذه الحقيقة فهم الـ 80 ضابطا إسرائيليا متقاعدا الذين وقعوا على بيان خطير يدين تهور نتنياهو وأخذه قرار الحرب على غزة بعد الإستفزازات التي أذن بها أو على الأقل سمح بها في إخلاء منازل حي الشيخ جراح وإسكان المستوطنين فيها.. ثم بإحكام غلق المسجد الأقصى أيام عيد الفطر الإسلامي، وهو ما جر الجيش الإسرائيلي حسب رأي الضباط الموقعين على البيان إلى عمليات عسكرية غير مخططة ولا غاية لها سوى كسب الإنتخابات الجارية وهو عمل مناف لمصالح إسرائيل في هذا الوقت الذي تسعى خلالة الإدارة الأمريكية الى حل القضية!
هؤلاء المتكلمون عن هزيمة إسرائيل تختلف أهدافهم بالطبع ولكن تلتقي حول الإقرار بالحقيقة!.
قال فريدمان: إن إسرائيل بسبب تهور اليمين العنصري خسرت الحرب السياسية والإعلامية وتشوهت صورتها في أغلب محطات الرأي العام الأمريكي والعالمي.
هؤلاء الرجال هم الأقدر على تحليل السياسات الإسرائلية بكل تجرد وموضوعية وقد اعترفت الصحف الإسرائيلية أن مواقفهم أحدثت زلزالا في الرأي العام الإسرائيلي ثم في الرأي العام الأمريكي المصدوم بصور أشلاء الأطفال الفلسطينيين من أبناء غزة يسحبهم جنود الحماية المدنية وأولياؤهم من تحت الأنقاض!
وأعود للسيدين توماس فريدمان وفريد زكريا.. هذان الرجلان كان لي في أواخر التسعينيات ومطلع الألفية الثالثة حظ اللقاء بهما في المؤتمرات الأولى حول حوار الحضارات التي بادرت دولة قطر العزيزة إلى عقدها في الدوحة في فندق شيراتون بحضور أكبر أعلام أمريكا وأوروبا واليابان والعالم العربي.. وأذكر النقاشات الثرية والمنعشة التي كنت شخصيا أنظمها على هامش المؤتمرات بين فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي وهذين المختصين الأمريكيين في شؤون الشرق الأوسط ومنزلة الإسلام والملف الفلسطيني وأيضا مع زميلي في الجامعة الفرنسية أشهر المختصين في الحركات الإسلامية (جيل كيبيل) صاحب الـ 20 كتابا حول الإسلام السياسي!
(جيل كيبيل) أقر هو الأخر في مداخلاته العديدة في القنوات الفرنسية وخاصة (قناة بي أف أم) هذه الأيام بمناسبة الجرائم الإرهابية التي استهدفت رجال ونساء شرطة فرنسيين، أقر بأن الحرب التي شنها نتنياهو لأسباب انتخابية كانت وبالا على صورة الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق! التي تروج لها إسرائيل منذ سبعين عاما وتزيد!
ولكن نتنياهو كأنما اتهم قبة الحديد المضادة للصواريخ بالهشاشة والضعف ويطالب الإدارة الأمريكية أن تمنحه بسرعة مليار دولار لتجديدها، حيث قال السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام: إن إسرائيل ستطلب مليار دولار من الولايات المتحدة لتجديد نظام القبة الحديدية للدفاع الصاروخي والإمدادات العسكرية الأخرى بعد الحرب الأخيرة التي استمرت 11 يومًا على قطاع غزة بعد أن التقى جراهام العضو البارز في مجلس الشيوخ الأمريكي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع بيني غانتس أثناء قيامه بجولة في إسرائيل..
وقال جراهام في مؤتمر صحفي: "سيكون هناك طلب بمليار دولار للبنتاغون هذا الأسبوع من وزير الدفاع الإسرائيلي لتجديد نظام القبة الحديدية لأن هذه القبة الأمريكية لم تكن في مستوى التصدي لصواريخ حماس والجهاد وكتائب القسام"!
العالم أقر اليوم أن كنس نتنياهو من الحكم بعد 12 عاما من إرهاب الدولة هو انتصار وأن حماقة نتنياهو بالتهديد بالتضحية بالحليف الأمريكي هو انتصار، وأن ابتعاد بايدن عن مخطط نتنياهو في معالجة الملف النووي الإيراني هو انتصار! ثم إن اعتراف السيد (بوغدانوف) هذه الأيام في موسكو بأن القيادة القطرية كان لها الدور الحاسم في إنهاء العدوان على غزة والقدس هو انتصار للدبلوماسية القطرية المناصرة للحق الفلسطيني وللقانون الدولي بلا تردد!
رابحون وخاسرون في معركة سيف القدس
فلسطين الأبية في مواجهة غطرسة الصهاينة ونكبة الأنظمة العربية