لا يمكن النظر إلى الموقف الأوروبي من الأزمة السياسية في تونس من خلال تصريحات مسؤولي الاتحاد الأوروبي وبيانات حكوماته الرسمية فقط؛ إذ لا بد من الحفر عميقا في العلاقة التي تربط تونس بالقارة الأوروبية خصوصا الاتحاد الأوروبي وأقطابه المتوسطية فرنسا وإيطاليا دون تجاهل ألمانيا التي لم تتخلف عن الدعوة للالتزام بالدستور والديمقراطية والالتفات لمكافحة وباء كورونا في الآن ذاته.
الاتحاد الأوروبي لا يقف بعيدا عن الأزمة من الناحية السياسية والجغرافية المادية البحتة؛ فأوروبا الشريك التجاري الأول لتونس؛ إذ إن 63% من حجم التجارة الخارجية مع دول الاتحاد الأوروبي الذي تربطه تونس العديد من الاتفاقات كان آخرها اتفاقية الفلاحة الحرة للمنتجات الزارعية قبل ما يقارب العاميين وهي اتفاقية تكشف حجم التأثير وميزان القوة في العلاقة بين الطرفيين.
فميزان القوة يظهر بوضوح عند النظر إلى الصادرات التونسية فـ 74% من صادرات تونس لأوروبا وهي تشغل 3000 شركة تونسية مقابل 55% وإردات تونسية من القارة الأوروبية؛ أهمية تحويلات التونسيين المهاجرين من القارة الأوروبية إلى الوطن الأم تونس.
القارة الأوروبية تعد المستثمر الأكبر في الاقتصاد التونسي بنسبة تعادل 49% من حجم الاستثمارات؛ حقائق أساسية تجعل من الاتحاد الأوروبي أحد أكثر القوى والأطراف الفاعلة والمؤثرة في رسم ملامح السياسة الخارجية التونسية وإلى حد كبير الداخلية؛ سواء من ناحية اقتصادية أو سياسية لتعدد الاتفاقات والشراكات مع دوله.
فتونس تلقت وخلال السنوات الخمس الأولى التي تبعت الإطاحة بالرئيس السابق بن علي ما يقارب الـ 3 مليار يورو مساعدات من الاتحاد الأوروبي؛ كما تلقت ما يقارب الـملياري يورو قروض؛ ولا زالت تتلقى حصة كبيرة من هذه المساعدات؛ إذ خصص الاتحاد لها هذا العام 600 مليون يورو تلقت منها في النصف الأول من هذا العام 300 مليون يورو.
يتوقع أن يرتفع حجم المنح الأوروبية لمساعدتها على تخطي أزمة كورونا والأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تسببت بانكماش اقتصادي قارب الـ 8% رافعا معه معدل البطالة إلى نسب مقلقة في صفوف الشباب التونسي الباحث عن الهجرة والاغتراب.
الحقائق الاقتصادية المشار إليها تعكس القرب الجغرافي؛ فالاتحاد الأوروبي ودوله المتوسطية الأكثر تأثيرا في واقع تونس وتأثرا في الآن ذاته؛ خصوصا بعد ارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية إلى القارة الأوروبية إذ باتت جزءا مهما من سياسية الاتحاد الأمنية والسياسية والاجتماعية لمكافحة الهجرة غير المشروعة التي تدفع إيطاليا أثمانا باهظة نتيجتها.
هجرة هددت وحدة واستقرار الاتحاد الأوروبي إلى حد عطل اتفاق شنغن الخاص بحرية التنقل بين دول الاتحاد مدة من الزمن؛ كما أشعل صراعا معلنا بين فرنسا وإيطاليا حول السياسية الفرنسية في القارة الإفريقية والشمال الإفريقي تجلت في البحر المتوسط وليبيا وامتدت إلى مالي وغيرها من دول الساحل والصحراء.
القارة الأوروبية تعد المستثمر الأكبر في الاقتصاد التونسي بنسبة تعادل 49% من حجم الاستثمارات؛ حقائق أساسية تجعل من الاتحاد الأوروبي أحد أكثر القوى والأطراف الفاعلة والمؤثرة في رسم ملامح السياسة الخارجية التونسية وإلى حد كبير الداخلية؛ سواء من ناحية اقتصادية أو سياسية لتعدد الاتفاقات والشراكات مع دوله.
القوى الإقليمية الوازنة المعنية باستقرار الجار الجنوبي رغم تصريحات مسؤولي الاتحاد وعلى رأسهم رئيس البرلمان الأوروبي، ديفيد ساسولي التي دعا فيها جميع الأطراف في تونس إلى حل خلافاتها بالحوار؛ لم تعكس كامل الحقيقة في أوروبا؛ فرغم التوافق على استئناف الحياة الديمقراطية وحفظ حقوق الإنسان ؛ إلا أن المواقف الأوروبية قابلة للتطور إلى اشتباك كبير بين فرنسا وإيطاليا مستقبلا كما حدث بين القطبين الأوروبيين في حوض المتوسط في ليبيا في ذروة المواجهة المسلحة التي قادها اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس.
التباين إن لم يكن ظاهرا حتى اللحظة إلا أن له مبرراته للإنفجار مستقبلا؛ ففرنسا لا زالت مسكونة بالإرث الاستعماري البائس؛ لها تفضيلات محددة في تونس تجاه المشهد السياسي الداخلي لاتخلو من نزعة إقصائية؛ في حين أن إيطاليا ومن ورائها ألمانيا تبدو أكثر حذرا لأسباب جيوسياسية تتعلق بالهجرة وإمكانية تفاقم الأزمة الإنسانية على شكل موجات هجرة كبيرة نحو القارة الأوروبية؛ التي تعد تونس أحد بواباتها المهمة لقربها من الشواطئ والجزر الإيطالية.
حقائق جيوسياسية تفسر دعوات ألمانيا لضرورة توحيد القوى السياسية التونسية لمواجهة الوباء وتنافس إيطاليا وفرنسا على إرسال صهاريج الأوكسجين إلى تونس منعا من تفاقم الأزمة الإنسانية؛ أو تدهور الأوضاع الاقتصادية نحو فوضى كان أحد إرهاصاتها الأزمة التي تصدرها رئيس الجمهورية قيس سعيد مدخلا البلاد في نفق أزمة سيكون له عواقب خطيرة في حال امتدت أشهر وسنوات.
الواقع الجيوسياسي التونسي والجوار الأوروبي يعتبر أحد أهم المحددات التي ترسم مسار الأزمة التونسية إلا أنه ليس الوحيد؛ فهناك جوارها الجغرافي العربي في الجزائر وليبيا والممتد إلى منطقة شديدة الاضطراب في الساحل والصحراء حيث أطلت روسيا والصين بنفوذها هناك وفشلت فرنسا وأوروبا في منعه ووقفه.
تونس في ضوء هذه المحددات ستبقى محط اهتمام القوى الدولية وعلى رأسها أمريكا كأحد أهم الداعمين لقواتها العسكرية والأمنية، فـ 70% من قيمة المساعدات والمنح الأمريكية توجه إلى القطاع الأمني والعسكري التونسي؛ الأمر الذي انعكس على شكل رغبة أمريكية بنقل قيادة قوات الأفريكوم إليها؛ فتونس ظهير للنشاط الأمريكي في الإقليم للتصدي للإرهاب وللنفوذ الروسي والصيني المتصاعد في شمال إفريقيا والساحل.
نفوذ حذر منه قائد قوات الأمريكية في إفريقيا الجنرال ستيفن تاونسند، بعد أن هدد بنشر مزيد من القوات الأمريكية في المنطقة للتصدي للنفوذ الروسي الصاعد ومن ضمنها تونس؛ فروسيا تبحث عن فرصة للنفاذ إلى تونس أسوة بليبيا وإفريقيا الوسطى ومالي تتبعها الصين في ذلك .
ختاما.. الأزمة في تونس لا يمكن النظر إليها بمعزل عن الخلافات الأوروبية وطموحات بعض الدول العربية المشرقية المتهورة؛ ومخاوف الجار الجزائري والمغربي؛ خلافات تهدد بمزيد من الفوضى والتصارع في القارة الإفريقية خصوصا في منطقة الساحل والصحراء وحوض المتوسط الغربي؛ فوضى أطلقت هواجس أمريكا لمعالجة الأزمات في المنطقة واحتوائها بما يمنع من الذهاب إلى المجهول والفوضى والفراغ الذي فشلت أوروبا وفرنسا في ملئه أكثر من مرة.
فوضى جلبت روسيا إلى مالي وأفريقيا الوسطى؛ كما جلبت قبل ذلك بسنوات إيران إلى اليمن عندما أطيح بأنصار الثورة لتملأ إيران والحوثيون الفراغ على حين غرة.
hazem ayyad
@hma36
ضياع بوصلة العرب بين الجغرافيا والتاريخ
تونس وانقلاب قيس سعيد على الثورة
التجاذب بين أحكام الدستور وضرورات السياسة في تونس