بعد أن رفض الحليف الافتراضي للولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو في الباسفيك والمحيط الهندي استخدام المجال الجوي الهندي والقواعد العسكرية لشن هجمات وعمليات استطلاع داخل الأراضي الأفغانية خشية انتهاك سيادة الهند وتعريض أمنها للخطر؛ كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن "الولايات المتحدة طلبت من خصمها في موسكو استخدام القواعد العسكرية الروسية في آسيا الوسطى لمراقبة تهديد (الإرهاب) الأفغاني.
الطلب الأمريكي نوقش أثناء اللقاء المخصص لتقليص خطر وقوع الحوادث العسكرية بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الإتحادية؛ وجمع كل من رئيس هيئة الأركان العامة الروسية "فاليري غيراسيموف"، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية" مارك ميلي" في مقر الحكومة الفنلندية بمدينة فانتا على بعد 40 كلم شمالي العاصمة هلسنكي؛ يوم الأربعاء الموافق لـ 22 من أيلول (سبتمبر) الحالي.
رئيس هيئة الأركان الأمريكية الجنرال مارك نيلي لا زال مقتنعا بأن حركة طالبان جماعة إرهابية مرتبطة بشكل أو آخر بتنظيم القاعدة؛ ما يجعل من الطلعات الجوية والنشاط الاستخباري ضرورة ملحة يتطلب التواصل مع الروس؛ ليتحول اجتماع فنلندا المخصص من مناقشة مخاطر الحوادث العسكرية بين موسكو وواشنطن لفرصة استثنائية لمناقشة التعاون والشراكة مع روسيا في أفغانستان وسوريا.
موسكو تبدي قدرا عاليا من المرونة في التعامل مع الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن ومع حركة طالبان في الآن ذاته؛ لدرجة دفعت ذبيح الله مجاهد نائب وزير الثقافة والإعلام في الحكومة الأفغانية لتوجيه دعوة لروسيا لتطوير العلاقات التجارية والاستثمار في أفغاستان؛ قابله في اليوم ذاته إصدار الحكومة الأفغانية المؤقتة التي شكلتها حركة طالبان بيانا شديد اللهجة يدين الانتهاكات الأمريكية للأجواء الأفغانية بطائرات دون طيار.
أفغانستان دخلت في المظلة السياسية والأمنية الروسية لتتعاظم معها منظمة شنغهاي للتعاون ومعاهدة الأمن الجماعي للدول المستقلة عن الاتحاد السوفييتي السابق؛ منصات تدار من خلالها الملفات الإقليمية مظلة اتسعت لتشمل إيران وباكستان وتركيا في الآن ذاته متفوقة على الناتو والتحالف الباسفيكي الهندي.
المظلة الروسية اتسعت بشكل كبير خلال العامين الفائتين؛ وأفغانستان لا تعد الاستثناء إذ تمكنت روسيا من تحويلها إلى ساحة للمساومة بين القوى الاقتصادية الكبرى بكين وواشنطن بل والقوى الإقلميية؛ إذ سبق ذلك بعام كامل (الاتفاق الأذري الأرمني) لوقف القتال في (ناغورني كارباخ) سيرت بموجبه روسيا قواتها على الحدود في الإقليم للإشراف على وقف الأعمال القتالية وتنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار.
المظلة الأمنية والسياسية الروسية حقيقة واقعة في سوريا وأفغانستان؛ وهي تعكس الفشل والعجز الأمريكي في التعامل مع خصومها وحلفائها؛ مظلة لا يمكن للولايات المتحدة أن تتجنب ظلالها؛ الأمر الذي يضع الساسة والعسكريين في البيت الأبيض والبنتاغون في حرج شديد؛
القوقاز تحول من مساحة حاول الناتو والولايات المتحدة الأمريكية التمدد فيها إلى ساحة تدير فيها موسكو مساومات معقدة بين تركيا وشركائها في بروكسيل وطهران؛ تطور سجل لصالح روسيا كنجاح مزدوج احتوت من خلاله خطرا محدقا مثله رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينبان بعد أن جاءت به ثورة ملونة إلى رئاسة وزراء أرمينيا بحسب الرؤية الروسية.
روسيا استعادت نفوذها في (يرفان) عاصمة أرمينيا دون أن تطلق رصاصة واحدة بعد أن تمكنت القوات الأذرية من سحق القوات الأرمنية في إقليم (قرة باغ) لتشرف على اتفاق لم تغب عنه تركيا التي باتت شريكا لروسيا في العديد من الملفات التي عجز الناتو والولايات المتحدة عن إدارتها ومراعاة مصالح الحليف التركي فيها أو حتى الأرمني والأذري.
روسيا اليوم تعد اللاعب الأهم في سوريا بسبب حضورها العسكري وفاعليتها السياسية سواء الأرض أو في أروقة مجلس الأمن أو على طاولة المفاوضات عبر منصة أستانا (مدينة نور سلطانوف عاصمة كازخستان)؛ وفيينا وجنيف؛ وسوتشي التي تحولت إلى المكان المفضل للقاء بوتين نظيره التركي رجب طيب أردوغان والإيراني روحاني من قبل وإبراهيم رئيسي مستقبلا؛ لمناقشة الملف السوري وتطوير العلاقات الروسية التركية بما فيها توريد الدفعة الثانية من منظومة أس 400 الروسية التي لا زالت الولايات المتحدة ودول حلف الناتو تعارضها باعتبارها صفقة تجمع الحليف التركي بالخصم الروسي.
المظلة الأمنية والسياسية الروسية حقيقة واقعة في سوريا وأفغانستان؛ وهي تعكس الفشل والعجز الأمريكي في التعامل مع خصومها وحلفائها؛ مظلة لا يمكن للولايات المتحدة أن تتجنب ظلالها؛ الأمر الذي يضع الساسة والعسكريين في البيت الأبيض والبنتاغون في حرج شديد؛ فروسيا لن تقدم خدماتها بالمجان ودون أثمان مقبوضة في سوريا وأوكرانيا والدائرة القطبية الشمالية.
ختاما .. هل يتطور الحوار الأمريكي ـ الروسي في فنلندا من جهة لتجنب الحوادث العسكرية إلى اتفاق لتقاسم مناطق النفوذ وتبادل المصالح الأمنية والسياسية؟ سؤال بمقدار ما يحرج أمريكا أمام حلفائها الأوروبيين فإنه يحرج روسيا أمام الصين وشركائها الإقليميين؛ فالمظلة الروسية والأمريكية لا قيمة لها بدون تعاون الشركاء الإقليميين والدوليين.
hazem ayyad
@hma36
قراءة في المقاربة الإسرائيلية للانسحاب الأمريكي من أفغانستان
قراءة في المشهد الأفغاني المتعدد الأوجه والأبعاد
إسرائيل.. هل يتحول الاهتمام الأمريكي بعد الانسحاب من أفغانستان؟