الغزو الروسي لأوكرانيا.. أين رواية الإرهاب و"الإسلاموفوبيا"؟

لكل حرب ذريعة ورواية، يتم تسخيرها وإعدادها مع جحافل الجيوش الغازية، ولا يقل سلاح الذريعة التي تستند إليها الأنظمة الاستعمارية، أو تلك التي تنطوي تحت مظلتها في الأنظمة المستبدة التي تتخذ من هذه الذرائع الغطاء لممارسة الغزو والاحتلال المباشر، أو ممارسة البطش والقهر والاستبداد على المجتمعات المستعمرة والمحكومة بهذه الأدوات لتعطيل الحياة السياسية ومصادرة الحريات وقمع الديمقراطية ومنع استقلال الشعوب.

يقدم النموذج الاستعماري الروسي درساً مهماً اليوم في غزو أوكرانيا، ولتفكيك الذرائع التي استخدمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها من الغربيين ضد العالم العربي، يأتي التقليد الروسي الحرفي لسلوك طريق العدوان المباشر الذي شقته موسكو منذ زمن مع دول الاتحاد السوفييتي المفكك من جورجيا وأوكرانيا ويوغوسلافيا، إلى الاحتلال الروسي المباشر لسوريا في العام 2015 وما خلفه من جرائم حرب وضد الإنسانية ودمار واسع لدعم الديكتاتور السوري، معطوفاً على ذرائع مختلفة اليوم في أوكرانيا عن سابقاتها الأمريكية والغربية التي كانت معززة دائما منذ غزو أفغانستان والعراق وسوريا بالعبارة الشهيرة لـ "محاربة الإرهاب والتطرف" ونشر الخوف في بروباغاندا "الإرهاب الإسلامي" الذي عزز صعود التيارات العنصرية والمتطرفة في الغرب والولايات المتحدة منذ هجمات 11 أيلول في أمريكا، وما تلا ذلك من أعمال إرهابية غذت بشكل أو بآخر هذه التيارات بسياسات أكثر عنصرية وتطرفا، وشكلت مظلة قوية لأنظمة القمع العربي في التحالف الناشئ بينها لتقديم الذرائع لممارسة الإرهاب على المجتمعات العربية وقيادة الثورات المضادة بدعم روسي مباشر لأنظمة القمع العربي.

ينشغل العالم اليوم بالغزو الروسي لأوكرانيا في أخبار تخلو تماماً من محاربة الإرهاب ومقاومة الجماعات الجهادية والتطرف الإسلامي، النبرة الروسية العالية في ذريعة "شلة المدمنين" في كييف، وإسقاط النازيين الجدد، لا تلقى إجماعا دوليا حولها، لأن العالم المنافق اعتاد على ترويج ذريعة جاهزة في بروباغندا الإسلاموفوبيا والإرهاب، ويُدرك اليوم أكثر من أي يوم مضى أن الخطر الحقيقي الذي يهدد الأمن والسلم الدوليين، يقع في جوهر الأنظمة الاستعمارية ومن يدور في رُكبها من الأنظمة المستبدة وفي الطموح المشترك لإعادة أمجاد إمبراطوريات قائمة على وظيفة الأنظمة المُستعمرة.

لا نجد في "دعم وإسناد" فاشية بوتين في أوكرانيا، إلا ثلاثة أو أربعة أصوات تقدمهم الديكتاتور السوري في وصف عملية قصف المدن الأوكرانية وتحشيد موسكو لقوتها الباطشة على أنها "تصحيح للتاريخ" الذي لفظ دور الأسد عند الخط الأصفر الذي أوقفه عنده فلاديمير بوتين في قاعدة حميميم، مع ثلة من مواقف بعض أيتام موسكو

فقدان الأحزاب العنصرية في الغرب وتيار اليمين المتطرف، لرواية تغذي أفكاره وبرامجه وجمهوره بمادة قوية كمحاربة الإسلاموفوبيا بعد غزو أوكرانيا، مع إعجاب سابق بغطرسة فلاديمير بوتين في سوريا وآسيا الوسطى وأوكرانيا، يجد نفسه من دون سلاح مع سقوط حالة الإعجاب بنشر الذعر والهلع القائم على تهديد فعلي ومباشر للسلم الدولي مع تمدد القوة الروسية شرقاً حتى حدود بولندا، إذن الخطر الوجودي على المجتمعات والأمم والقوميات والإثنيات، يأتي فقط من الممارسة الاستعمارية المباشرة ومن العدوان والاحتلال، ومن نظم الاستبداد التي تجد في حرية الشعوب وتقرير مصيرها خطراً يهدد كل الذرائع التي كانت سلاحها ضد الشعوب.

فلا نجد في "دعم وإسناد" فاشية بوتين في أوكرانيا، إلا ثلاثة أو أربعة أصوات تقدمهم الديكتاتور السوري في وصف عملية قصف المدن الأوكرانية وتحشيد موسكو لقوتها الباطشة على أنها "تصحيح للتاريخ" الذي لفظ دور الأسد عند الخط الأصفر الذي أوقفه عنده فلاديمير بوتين في قاعدة حميميم، مع ثلة من مواقف بعض أيتام موسكو مما يسمى أحزاب اليسار العربي وقوى الممانعة التي تحلم بعضلات موسكو المستعادة على الأشلاء الجورجية والسورية والأوكرانية، بأنها ستكون مستعرة في حناجرها مجدداً لمحاججة جوهر وجودها لمواجهة تحديات مقاومة الاحتلال والاستعمار والامبريالية بقيادة الرفيق بوتين.

بالتأكيد، هناك دروس غربية ودولية خلفها الغزو الروسي لأوكرانيا، ولإعادة ترتيب العالم مجدداً وفق المصالح القائمة على تقوية التحالف وتعزيز الأمن وبناء المصالح المشتركة، لكن المواقف العربية في كل مفصل تاريخي تبقى منتظرة أو مهللة لعضلات غيرها في السلاح والاقتصاد، لتضيع مجدداً فرصها في الاستثمار السليم للقوة الذاتية التي تشكل الديمقراطية والحرية عمادها القوي لبناء نظام عربي متعاون في برامج الاقتصاد والتنمية كدروع حماية قصوى.

أخيراً، في هذه الحدود، وعلى ضوء التحولات المستمرة التي يشهدها العالم العربي المحاصر بعسف داخلي وخارجي، يبدو اليوم سؤال أين رواية محاربة "الإرهاب والإسلاموفوبيا" زائفاً، لأن الجوهري غير قائم على هذا السؤال، بل يقوم في مجال آخر يمس طبيعة العلاقة القائمة بين الاستبداد والقوة من جهة وبين المصالح الاستعمارية التي تجمع الإثنين معاً، وهي ستبقى بعيدة كل البعد عن رؤية الإنسان القادر على معرفة التاريخ والعلم والحاضر لتجعله حراً طليقاً من تصنيفات نمطية تلصقه بـ "الإرهاب" المرتبط بنضاله لنيل الحرية من الاستبداد والتحرر من الاحتلال، خصوصاً الإرهاب اليومي والحقيقي يتوالد يومياً في السياسة والاقتصاد والثقافة في أنظمة واحتلالات وإمبراطوريات بائدة تقتات يومياً من الموت والدمار.