مع سقوط نظام
الأسد في
سوريا، ارتفعت وتيرة شعارات القلق العربي والغربي
على سوريا، على أسوار كلا الطرفين، وخارجهما استعر ضخ إعلامي ونشاط دبلوماسي دؤوب
لاستقطاب واحتواء المنجز السوري بالتحرر من الطاغية السوري. التركيز على
الهوية الدينية لمن حرر المدن السورية ووصل إلى دمشق (هيئة تحرير الشام) غلب عليه
طابع الحذر والتحذير من المستقبل الذي ينتظر البلاد المنهكة من عقود الاستبداد
والظلم الذي كشفته مقابر وزنازين النظام البائد، ومشاهد حطام المدن وأريافها،
ومعطيات السنوات الـ14 من عمر مقارعة السوريين لنظام دموي انتهت بهروب النظام وانهيار
بنيته الأمنية والعسكرية.
شكّل تعدد الرسائل الموجهة لسوريا وقادتها الجدد للمرحلة الانتقالية، أساسا
لجس نبض المشرفين على هندسة وصياغة المستقبل السوري، وبنيان الدولة وهويتها، وترتبت
مع هذه الرسائل والإشارات العربية والغربية على رأسها الولايات المتحدة؛ أولويات
ما هو قادم من حيث تنظيم الداخل والعملية السياسية التي تخص السوريين؛ والتي يكمن
في مقامها الأول التوحد الذي يتبعه تقدم وتنمية للمساواة بقية الأمم، وهذه مطالب
السوريين، وليست إشارات ركوب موجة انتصارهم على طاغيتهم ومحاولة احتواء تضحياتهم،
سوى إشارة دل عليها كم الضخ والتشويه الذي أعقب سقوط نظام الطاغية السوري في وسائل
إعلام عربية سرعان ما انقلبت على عقبها.
أولويات ما هو قادم من حيث تنظيم الداخل والعملية السياسية التي تخص السوريين؛ والتي يكمن في مقامها الأول التوحد الذي يتبعه تقدم وتنمية للمساواة بقية الأمم، وهذه مطالب السوريين، وليست إشارات ركوب موجة انتصارهم على طاغيتهم ومحاولة احتواء تضحياتهم، سوى إشارة دل عليها كم الضخ والتشويه الذي أعقب سقوط نظام الطاغية السوري في وسائل إعلام عربية سرعان ما انقلبت على عقبها
والشعارات السورية التي تحقق بندها الرئيس بالتحرر من الأسدية كانت المدخل
والضامن الأول لمستقبل سوريا، لذا تقتضي أشكالا مختلفة للتعاطي مع ملفها الداخلي
المتشعب والمثقل بتركة الخراب الأسدي للمجتمع والدولة، والتعاطي مع ملفات عربية وإقليمية
ودولية مختلفة؛ من الصراع والتصارع على التركة السورية باستحضار القلق الذي كان
عنوان النفاق الذي اشتكى منه السوريون وتركهم فريسة لعداد الموت والحطام لأكثر من
عقدٍ.
يعود تداول مفهوم القلق على وحدة سوريا، وعلى مكوناتها وأقلياتها وشكل
الحكم، والخوف على حقوق النساء، ومشاركة بقية مكونات المجتمع في صياغة مستقبل
بلدهم، في وقت يتجاهل فيه الأمريكي والغربي والبعض العربي جرائم إبادة شعب فلسطين
وقتل الأطفال والنساء وتدمير المستشفيات، وبالتعاطي بنفس العقلية التي تبيح للمجرم
الصهيوني ارتكاب كل جرائم الحرب وضد الإنسانية في غزة. ولأن إنجاز الهدف السوري
تحقق بفارق زمني مكلف فقد أدى لبعث القلق من تحول النموذج السوري في محيطه العربي
لنموذج مختلف عما يعتقده النظام الرسمي العربي بأنه انتصر بثورته المضادة، وجعل من
تحقيق شعار مكافحة الإرهاب والإسلاموفوبيا والتطرف عنوانا عريضا يمتد من المنطقة
العربية إلى عواصم القلق الدولي، فإن وضع كف شر التحريض على مستقبل سوريا بدون
جلادها هو الضمان الثاني لتأسيس حل يضمن تبديد كل بواعث القلق التي تعني معظمها
ابتعادا عن جوهر دعم ومساندة تطلعات السوريين في المواطنة والحرية والكرامة.
الضربة التي تلقاها محور الاستبداد العربي في سوريا، وضعت خياراته ورهاناته
في مأزق شديد بعد هروب الأسد، ووضعت كل مخاوفه المبنية على احتمال ووهم ضياع سوريا
والسوريين تحت بند النفاق، لأن السوريين فقدوا مليون قتيل ومئات آلاف المفقودين في
زنازين الطاغية الذي دمر معظم مدنهم وأريافها. وهي مخاوف يصعب تبريرها من نفس
الزاوية التي كانت متراسا تتلطى فيها كل مواقف الخذلان والنفاق طيلة سنوات
الثورة
السورية، وهذا يرمي بقفاز التحدي بوجه النظام العربي مجددا.
وبكلمات أخرى كانت غاية التطبيع العربي مع النظام الأسدي البائد دفعه
للابتعاد عن طهران وقد سقط ومشروعها في سوريا، والمشروع السوري الوليد يحتاج اليوم
لرنين هواتف عربية نحو دمشق وهرولة لمد يد العون له وتشجيعه ودعمه، وليس العمل
للحد من تأثير الضربة التي من المفترض أن تحدث صحوة من داخل النسق العربي الحريص
على وحدة وسيادة وعروبة سوريا، أما القلق على دستور وانتخابات ومشاركة كل مكونات
المجتمع السوري من أنظمة تمارس القمع لأي عملية ديمقراطية ولأي تعددية سياسية
وتحكمها أنظمة عسكرية وانقلابية وتنتهج منهج الديكتاتور الفار، فهذا يسمى هذيان ما
بعد الضربة.
المسار السوري القادم لا يقل صعوبة عن المسار الذي عبره للتخلص من المجرم، ولا يوجد أمامنا مثال أفضل من الخسارة العربية التي راهنت على الطاغية الهارب، والخطوات التاريخية التي يشهدها مسرح العلاقة مع القادة السوريين الجدد
التقاط اللحظة التاريخية عربيا في سوريا، هو ما يبدد المخاوف
من البوصلة التي أعاد السوريون إمساكها بتوجيهها نحو الداخل السوري، ولأن التاريخ
يجري حسب قوانينه، لا حسب تمنيات البعض وأوهامه، فيجب أن تكون الرافعة عربية في
سوريا، لا روسية ولا تركية أو إيرانية أو إسرائيلية أو أمريكية، أما أن تكون
الاستراتيجية العربية قائمة على منظور الأمن والخوف من التغيير بذرائع "الإرهاب"
وغيره، فهذه أسلوب ولعبة الطاغية العربي التي أثبتت فشلها وانهيارها، والتي تأخذ
مجريات التاريخ نحو قوانينه التي حكمت على المستبد والقاتل والديكتاتور بنهايات
قاسية، وهي التي ستحكم أيضا على نهايات المحتل بنفس الأحكام.
فالمسار السوري القادم لا يقل صعوبة عن المسار الذي عبره للتخلص من المجرم،
ولا يوجد أمامنا مثال أفضل من الخسارة العربية التي راهنت على الطاغية الهارب،
والخطوات التاريخية التي يشهدها مسرح العلاقة مع القادة السوريين الجدد. ونظرا
للآثار الفادحة التي تركها إجرام الأسد على كل نواحي الحياة والمجتمع والسياسة والاقتصاد
في سوريا، فإن البوصلة السورية ودرجة تحولها في استراتيجيات عربية ستبقى مؤشرا على
طبيعة تحالفات جديدة في المنطقة العربية لن تبقى بعيدة عن هكذا صراع، لهذا برز
الخوف من البوصلة السورية التي صح مؤشرها بقدرته على التغيير واستعداده لبناء
سوريا بدون الأسد ووظيفته، وغاب الخوف عليها خصوصا أن أطماع الاحتلال الإسرائيلي
وبقية المحتلين وأجنداتهم على الأرض هي التي تؤرق السوري وليس أبناء جلدته؛ ضحايا
الأسدية المحطمة.
x.com/nizar_sahli