يتأكد ركود المجتمع الدولي، في تطوره المعاق في دورة الصمت عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في
سوريا وحول أسئلة عمرها 11 عاماً، من دون إضافة نوعية إلى الإجابات القديمة إن لم يكن يتقهقر عنها، كلما كشف السوريون عن حجم الجرائم التي يرتكبها نظام
الأسد ضدهم، ولذلك تظل أسئلة
المجازر في سوريا أكثر خنقاً واختناقاً من الزمن الذي عرفت فيه البشرية في عصرها الحديث مذابح مماثلة ضمن الإبادة الجماعية الشبيهة بغيرها على الجغرافية والأجساد السورية المنطلقة من الموروث الدموي للنظام الحاكم في دمشق، بينما يتلعثم المجتمع الدولي في التفتيش عن الإجابات المختلفة والسياقات التي تمزج بين الإجابة والإخفاق في كف يد الجلاد عن شعبه.
مجزرة حي التضامن، التي كشفت تفاصيلها الصادمة المرعبة صحيفة الغارديان البريطانية الأسبوع الماضي، أعادت التذكير بقائمة المجازر الموثقة والتي بلغت 56 مجزرة منذ العام 2011 والتي بدأها جيش الأسد في مجزرة الصنمين بمحافظة درعا، وأعاد السوريون الصراخ عن عشرات المذابح غير الموثقة في إدلب ودمشق وحلب وحماة وحمص والأرياف التابعة لها، فتم تداول أسماء المناطق والأحياء التي تعرض فيها السكان المدنيون لجرائم الحرب والفظاعات حسب رواية الشهود المحفوظة لدى العديد من الهيئات المحلية والمنظمات الدولية، وبالطريقة ذاتها التي انتهج فيها جيش الأسد التعاطي مع كل المناطق التي خرجت عن سيطرته أو التي كانت تتململ من سلطته.
الاعتقال العشوائي والإعدام الفوري للمدنيين، أو الاعتقال والقتل تحت التعذيب داخل المعتقلات والزنازين، ومن ثم التخلص من جثث الضحايا بحرقها ودفنها في مقابر جماعية.. مئات بل آلاف المقاطع المصورة تم توثيقها لجرائم النظام، مثل صور "قيصر" المسربة قبل سنوات والبالغ عددها 56 ألف صورة لستة عشر ألف جثة داخل الفروع الأمنية، إلى المذابح التي حملت أسماء مدن وقرى سورية..
استغاثة النساء والرجال والشيوخ والأطفال لم تشفع لهم، ولا صمت المكبلين وسوقهم نحو حفرة المذبحة بحي التضامن أظهر أن هناك مقاييس لم تكن "خاطئة" لتعاطي نظام الأسد مع الشعب السوري، كل شيء مدروس في ترتيب مسرح الجرائم لإخفائها بشكل سافر، ومن دون تدقيق كبير يكشف عن عصر العار العربي والدولي وعن وعي لا تاريخي في الصمت عن مذابح الأسد ضد السوريين وأشقائهم الفلسطينيين القريبين من حي التضامن في مخيم اليرموك وبقية المخيمات للاجئين في سوريا، والذين كانت حصة أرواحهم في المذبحة الأسدية عالية، وفي "فرع فلسطين" الراعي الرسمي لمذابح أهل فلسطين في سورية؛ المستمرة حتى هذه اللحظة.
يبقى الشرط الدولي مختلفاً بالنظر لجرائم نظام الأسد وجيشه، ومنظومته الأمنية ومليشياته المختلفة، رغم سيطرة الدمار وآلة القتل بكل الوسائل المكتشفة بالصوت والصورة.
وبالعودة لأسباب محاباة جرائم النظام السوري في المحافل الدولية، تأتي الأخبار بتحذير أطلقه معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب؛ من تبعات قرار محكمة الجنايات الدولية في لاهاي بمقاضاة
روسيا لارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا؛ على إسرائيل التي تواجه دعوى مماثلة من قبل الفلسطينيين بسبب الاحتلال والاستيطان والحروب التي تشنها عليهم.
وفتح باب التحقيق بجرائم الأسد من أي محفل دولي سيجر حليفه الروسي للحساب. والحليف هنا صاحب 13 قرار فيتو بمجلس الأمن يعطل محاسبة النظام والاقتراب منه، بمعنى أن إخضاع موسكو حليف النظام للمحاكمة الدولية عن جرائم الحرب تتخوف منه إسرائيل لفتح ملفاتها بجرائم الحرب والإبادة ضد الشعب الفلسطيني، وبالتالي ترفض موسكو رفضاً مطلقاً إخضاع نظام الأسد للمساءلة عن الجرائم.
يتشارك الطاغية والمحتل بنفس المخاوف من العدالة الدولية، وبالتالي إخفاء الجرائم وتمييعها سمة مشتركة تجمع الروسي والإسرائيلي والنظام السوري. والهجوم على المحكمة الدولية وعلى المنظمات الدولية المنددة بالجرائم ينطلق من كشف وتوثيق جرائم الاحتلال الروسي في أوكرانيا، وجرائم المستعمر الصهيوني في فلسطين، مع جرائم نظام الأسد بحق الشعب السوري.
أخيراً، مجزرة حي التضامن تعيد تذكير السوريين والعرب والعالم بوحشية نظام الأسد، وباستحالة القفز عن الجرائم من خلال التطبيع معه ومسح دم الضحايا دون تقديم النظام للمحاسبة ومنح العدالة والحرية والكرامة للسوريين. هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، وهي محفوظة في صدور وقلوب وذاكرة السوريين وذوي الضحايا.. اسألوا أبناء النكبة الأولى في فلسطين عن جرائم العصابات الصهيونية، فرغم نفاق المجتمع الدولي كله عجز عن تدجين ضحايا النكبة ونسلهم، وإلى الأبد سيبقى ظل المذبحة يطارد المجرمين.
twitter.com/nizar_sahli