اعلنت أسكتلندا نيتها تقديم طلب الانضمام لحلف الناتو أسوة بالسويد وفنلندا؛ إلا أن طلبها كان مقرونا بتجديد المحاولات للانفصال عن المملكة المتحدة (بريطانيا) .
الطبقة السياسية في أسكتلندا لم تتخل عن حلم الانفصال عن بريطانيا؛ حلم كاد أن يتبدد بعد فشل المحاولة الأولى الجادة للانفصال عن المملكة المتحدة عقب خروجها من الاتحاد الأوروبي (البريكست) وما رافق ذلك من فوضى اقتصادية حينها؛ فوضى لم تكد لندن تتعافى منها حتى عادت بصورة أعنف اقتصاديا بعد الحرب الأوكرانية التي أنهت حلم التعافي الاقتصادي من البريكست وكورونا في الآن ذاته.
الحرب الأوكرانية فتحت بهذا المعنى الباب مجددا لدعاة الانفصال في اسكتلندا للمطالبة بالانفصال واستبدال مظلة الوحدة مع المملكة المتحدة بمظلة الناتو الأمنية والاتحاد الأوروبي الاقتصادية؛ خصوصا أن لندن عجزت عن علاج أزماتها المتتابعة عقب البريكست؛ إذ ارتفع معدل التضخم من 7% في آذار/ مارس الماضي إلى 9% في نيسان/ إبريل الفائت؛ رافقها ارتفاع في أسعار الوقود 54% وأزمة في سلاسل التوريد.
عجز وفشل كشف عنه وزير المالية البريطاني ريشي سوناك، يوم أمس الأربعاء الموافق 18 أيار/ مايو الحالي، بادعائه عجز حكومة بلاده "حماية المواطنين" من تداعيات التضخم وارتفاع الأسعار؛ ترافق مع حالة ذعر وهلع عبرت عنها وزيرة الخارجية ليز تراس بالتحذير من صعوبات اقتصادية مقبلة.
التحالفات الاقتصادية والأمنية التي فعلتها الحرب الأوكرانية لمواجهة روسيا قدمت مفارقة خطرة؛ فهي وإن وحدت أوروبا في مواجهة روسيا واستزفت موسكو وحاصرتها عسكريا واقتصاديا؛ فإنها لم تعكس الحقيقة الكاملة على الأرض في كافة الميادين الاقتصادية والسياسية والأمنية.
دوافع اسكتلند للانضمام للناتو والانفصال عن أنجلترا وإن اختلفت عن دوافع فنلندا والسويد؛ فإنها تعكس مستوى الرخاوة والسيولة الجيوسياسية في القارة الأوروبية؛ وسواء كانت الرخاوة والسيولة في التحالفات الأمنية وعلى رأسها حلف الأطلسي الناتو؛ أو الاقتصادية مجسدة في مجموعة السبع الكبار والاتحاد الأوروبي التي اجتمع وزراء ماليتها وخزانتها في مدينة بون الألمانية يوم أمس الاربعاء 18 أيار/ مايو الحالي؛ فإن نتيجتها واحدة: ألا وهي؛ تراجع وتاكل المردود السياسي والأمني المتحقق من استنزاف روسيا ومحاصرتها اقتصاديا وعسكريا في أوكرانيا لصالح حالة من الإجهاد الجيوسياسي والاقتصادي الذي سيتسع أثره ومداه ليشمل الجغرافيا الكونية والساحة الدولية.
ذلك أن اسكتلندا كنموذج ومثال لحالة الإجهاد تسعى نحو التخلص من عبء العلاقة السياسية والاقتصادية التي تربطها بالمملكة المتحدة؛ عبر ذات الحلف (الناتو) الذي تسعى فنلندا والسويد الانضمام إليه لمعالجة هواجسها الأمنية مع روسيا من خلاله؛ إنها مفارقة جيوسياسية تكشف حجم الإجهاد السياسي والأمني والاقتصادي الذي يعاني منه حلف الناتو والقارة الأوروبية والتجمعات الاقتصادية برمتها.
البيئة الجيوسياسية الرخوة في القارة الأوروبية وحالة الإجهاد السياسي والأمني للناتو؛ بالإمكان تتبع آثارها في العديد من الساحات؛ ومنها شرق المتوسط وغرب آسيا؛ فالاعتراض التركي على انضمام فنلندا والسويد للناتو لمواقفها من حزب العمال الكردستاني؛ يقابله اعتراض الكيان الإسرائيلي على إتمام الاتفاق النووي مع إيران لضمان تدفق احتياطاتها النفطية في الأسواق الأوروبية والعالمية.
إجهاد سياسي واقتصادي نجد أثره في المواقف المتباينة والمتعارضة لدول مجموعة السبع المجتمعة في بون بألمانيا؛ لمناقشة أزمة التضخم والفائدة الأمريكية المرتفعة على الدولار؛ فوزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين كحال رئيس الاحتياطي الأمريكي جيروم باول ترفض تغير السياسات المالية والنقدية لبلادها بادعائها أمام نظرائها الأوروبيين والآسيويين بأن السوق؛ هو؛ من يحدد قيمة الدولار لا أسعار الفائدة في محاولة للهروب من أثر السياسات النقدية الأمريكية على أسعار العملات وازمة المديونية والانكماش العالمي المرافق لهذه السياسيات.
التحالفات الاقتصادية والأمنية التي فعلتها الحرب الأوكرانية لمواجهة روسيا قدمت مفارقة خطرة؛ فهي وإن وحدت أوروبا في مواجهة روسيا واستزفت موسكو وحاصرتها عسكريا واقتصاديا؛ فإنها لم تعكس الحقيقة الكاملة على الأرض في كافة الميادين الاقتصادية والسياسية والأمنية.
ختاما.. الحرب الأوكرانية تحولت إلى حالة إجهاد جيوسياسي واقتصادي أوروبي وأمريكي امتد أثره ليشمل المنظومة الدولية بأكملها؛ فالعالم تطرق أبوابه الفوضى؛ بعد أن تخطى عتبة النظام؛ نحو واقع دولي متعدد الأقطاب يفتقد للنظام الذي لم تتضح قواعده وقوانينه بعد؛ مرحلة يصعب التكهن بمداها الزمني والمكاني؛ فكلما طالت وامتدت كلما ارتفعت كلفها؛ وكلما كان حجم الدمار المتوقع هائلا وكبيرا فحجم التغير عظيم؛ فهل تبدل الأرض بغير الأرض؟
hazem ayyad
@hma36
ما وراء فوز الاعتدال وهزيمة العنصرية في فرنسا؟
هل حاول الإخوان اغتيال علي جمعة وياسر برهامي؟!
أي حظوظ لنجاح جبهة الخلاص الوطني في تونس؟