لم تمر قمة تيكاد التي احتضنتها تونس بدون خسائر رغم النتائج الإيجابية التي تم التوصل إليها. فاستقبال الرئيس سعيد لزعيم البوليساريو، والجلسة البروتوكولية التي جمعتهما خلفت وراءها عاصفة سرعان ما أدت إلى أزمة سياسية ودبلوماسية غير مسبوقة بين تونس والمملكة المغربية. أزمة لم تكن في الحسبان، رغم حالة البرود التي اتسمت بها العلاقات بين البلدين، ويخشى أن ينتج عنها مزيد من هدر الطاقات وتضييع للوقت والجهد وإحداث المزيد من الجروح والتمزق في الجسم المغاربي المتعب.
الدبلوماسية فن تحسين العلاقات وتطويق الأزمات والحيلولة دون توسيع الخلافات بين الدول. وفي بلد مثل تونس تعتبر الدبلوماسية إحدى قوارب النجاة للخروج من هذا النفق المظلم الذي دخلته البلاد. الدبلوماسية الناجحة هي تلك التي تجعل جميع الدول أصدقاء لدولتك باستثناء تلك التي تعاديك وتنتهك أرضك وحقوق شعبك. وهو ما اعتمدته تونس منذ استقلالها ووضعت له "ثوابت"، وحرصت الحكومات المتعاقبة على الالتزام بهذه الثوابت والسهر على احترامها.
من بين هذه الثوابت العمل على وحدة المغرب العربي، ورفض الانحياز لدولة شقيقة على حساب أخرى. لهذا عندما نشب الخلاف بين المغرب والجزائر حول ملف الصحراء، حرصت تونس على تجنب أن تصلها نيران الفتنة، وأن تبقى على الحياد، وأن تكون واسطة خير بين جارتيها، وألا تميل ميلة واحدة فتزيد الطين بلة وتغذي الصراع في المنطقة.
رغم التقارب التونسي الجزائري الذي أملته قيم الجوار، والعلاقات التاريخية، والدوافع الاستراتيجية، والظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، وهو أمر مرغوب فيه، إلا أنه يجب ألا يقود إلى الإضرار بعلاقات تونس ببقية الشركاء من دول المنطقة وفي مقدمتها المغرب.
في هذه المرة حصل خطأ بروتوكولي فادح أحدث صدمة نفسية لدى المغرب أولا، ولدى عدد واسع من التونسيين ثانيا بمن في ذلك مدافعون شرسون عن الرئيس سعيد. إذ لأول مرة يجلس مسؤول تونسي رفيع المستوى مع زعيم ما يسمى بالجمهورية الصحراوية، وخلفهما علما الطرفين، وهو ما أوحى للمغاربة ولجهات أخرى عديدة أنه تغيير جذري ومفاجئ قد طرأ على الموقف التونسي. كما سارعت الرباط نحو ربط هذا الأمر بامتناع تونس عن التصويت لصالح قرار مجلس الأمن الأخير المتعلق بقضية الصحراء. ورأت ذلك انحيازا للجزائر نتيجة وثوق علاقات الرئيس التونسي بالرئيس عبد المجيد تبون خلال الفترة، خاصة بعد 25 تموز (يوليو) 2021 تاريخ استيلاء قيس سعيد على جميع الصلاحيات في الدولة وانفراده بالسلطة. وقد أعلن تبون أن الجزائر لا تعترف إلا بشرعية سعيد وذلك على إثر الاستفتاء الأخير الذي انبثق عنه الدستور الجديد، وعن دعم الجزائر لتونس في هذه الظروف الصعبة.
الآن وقد تضررت العلاقات الثنائية بسبب ما حصل، المطلوب من الطرفين تغليب الحكمة، والعمل على تجاوز هذه الرجة القوية والتمهيد لتنقية الأجواء بين البلدين. وإن كان المتوقع أن ذلك لن يحصل قريبا. إذ بناء على ما ورد في البيانين المغربي والتونسي يتبين أن هناك أزمة ثقة يخشى أن تتعمق خلال الأيام والأسابيع القادمة، خاصة وأن بعض المواقع المغربية غير الرسمية لم تتعامل مع الحدث بطريقة جدية ومسؤولة ومهنية، وشنت هجوما كاسحا وغير أخلاقي أحيانا على الرئيس سعيد، وهو ما ساهم في رفع درجات الاحتقان لدى الطرف التونسي.
رغم التقارب التونسي الجزائري الذي أملته قيم الجوار، والعلاقات التاريخية، والدوافع الاستراتيجية، والظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، وهو أمر مرغوب فيه، إلا أنه يجب ألا يقود إلى الإضرار بعلاقات تونس ببقية الشركاء من دول المنطقة وفي مقدمتها المغرب.
تونس لن تخرج من كبوتها إلا بشروط عديدة، من بينها الابتعاد عن سياسات المحاور سواء أكانت إقليمية أو دولية، مهما تفاقمت الأزمات الداخلية وتعقدت. يجب أن يلتفت السائق دائما نحو جميع الاتجاهات، ولا يهمل أي جهة، لأن الحوادث القاتلة عند السياقة سببها الرئيسي الغفوة وعدم الانتباه..
ومن المؤكد أن ما حصل مؤخرا لا يعني حتى الآن حصول تحول جذري في موقف تونس من ملف الصحراء. فمثل هذا الأمر لا يمكن أن يحسمه قيس سعيد بمفرده إن فكر فيه، رغم كونه المتصرف الوحيد حاليا في رسم السياسة الخارجية. هو يدرك أن استعداء المغرب ليس من مصلحة تونس، ولا هو من اختيارات شعبها ونخبتها. وأن المطلوب منه في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد ملازمة الحذر الشديد خشية الوقوع في مطبات سيكون الخروج منها صعب ومكلف. حتى حلفاؤه الذين ساندوه في مساره السياسي حتى الآن لن يكونوا معه في هذا الاختيار إن كان ينوي تبنيه وفرضه على الجميع رغم المخاطر التي يمكن أن تترتب عنه سواء على المدى القصير أو البعيد.
تونس لن تخرج من كبوتها إلا بشروط عديدة، من بينها الابتعاد عن سياسات المحاور سواء أكانت إقليمية أو دولية، مهما تفاقمت الأزمات الداخلية وتعقدت. يجب أن يلتفت السائق دائما نحو جميع الاتجاهات، ولا يهمل أي جهة، لأن الحوادث القاتلة عند السياقة سببها الرئيسي الغفوة وعدم الانتباه..
إلى أي مدى تغير موقف تركيا من النظام السوري؟
هل ستفرض أمريكا عقوبات على تركيا؟