إنها صيحة تحذير ورجاء ألا يدير الفلسطينيون في الضفة الغربية ظهورهم للشرق العربي ويقعوا في فخ إسرائيلي جديد يحمل اسم مطار "رامون" كما وقعوا في فخ أوسلو، بل فخاخه التي لا تكبل أقدامنا وسواعدنا فحسب، بل تكبل إرادتنا ومستقبلنا وكل حياتنا.
وهي أيضا صرحة تحذير ورجاء ألا يدبر الشرق العربي عن فلسطين وهو لم يفعل أبدا، والأردن أقرب الشرق العربي إلى فلسطين في الجغرافيا والتاريخ ووشائج الاجتماع.
وقد يقول قائل، إن الحديث عن قطيعة مع الشرق العربي ضرب من الهلوسة لم يخطر لأحد على بال، بل هو ضرب من المستحيل تحول دونه حقائق الجغرافيا والتاريخ والاجتماع. ولكن من كان منا، في العموم يتصور أن تصبح إسرائيل، ولمَّا خنقت بعد عقدها الثامن، أقرب إلى بعض العرب من فلسطين وأهلها؟! ومن كان منا يتصور أن الثائر سيصبح حارسا في ليل أوسلو الحالك لمن يحتل ارضه، وينسق معه ويعينه على ذلك؟!
فلماذا تفتح إسرائيل مطار رامون كي يسافر منه الفلسطينيون بعد 55 عاما من الاحتلال؟ وهل من مصلحة الفلسطينيين أن تكون بوابتهم إلى العالم من هذا المطار وتحت إدارة وبصر وسمع العدو؟ وما المخاطر المترتبة على ذلك؟
وقد يقول قائل ويحك! ألا ترى كيف يهرول البعض في الشرق وفي الغرب العربي على السواء مطبعين ومهطعي رؤوسهم تحت بيارق إسرائيل، وقد أصبحت عقولهم وافئدتهم هواء؟
ويحي ولهف نفسي! فللتطبيع حسرة في كل نفس تؤمن بالمصير المشترك لهذه الأمة، وله تباريح ثقيلة مثقلة على كل مؤمن بالإسلام يتلو سورة الإسراء! لكن عزاءنا هو أن من سقطوا في وهدة التطبيع ليسوا شعوبنا، بل هم من يسومونها الظلم ولا يقيمون لرأيها وزنا. صبح الجهاد قريب، وحين يأتي الله بأمر من عنده سيندم كل المطبعين.
كان بنيامين نتنياهو هو من أمر ببناء المطار وأطلق عليه هذا الاسم نسبة لإيلان رامون رائد الفضاء الإسرائيلي الذي قتل في حادث تحطم مكوك الفضاء الأميركي كولومبيا لدى عودته من رحلة فضائية فوق مدينة دالاس بولاية تكساس عام 2003.
وكانت إحدى الغايات من وجود المطار تحويل حركة السياح القادمين إلى الأردن وزيارة خليج العقبة ومدينة البتراء الوردية، وهي من عجائب الدنيا، وإلى منتجع طابا في سيناء المصرية إلى المطار الجديد شمال مستوطنة "إيلات"، ليعبروا من هناك إلى العقبة والبتراء وطابا وسيناء وهم يحملون في حقائب سفر على ظهورهم زادهم وماءهم ثم يعودون من حيث أتوا لينفقوا المال في إسرائيل! ومن كان لا يعرف ذلك فليسأل القائمين على السياحة في الأردن عن سلوك السياح الإسرائيليين، فلدى الأردنيين، كما لدى جهينة، الخبر اليقين.
ولا بد كذلك من لفتة تاريخية لتسمية المطار. ف"رامون فارص" هي أحد محطات تيه بني إسرائيل (القرن الخامس قبل الميلاد) في صحراء النقب، كما في رواياتهم، وهي على بعد 25 كم شمال خليج أم الرشراش (العقبة).
حذار أيها الفلسطينيون! فهم يفتحون لنا محطة تيه تبعثرنا وتقطعنا في الأرض جماعات تتوه في تيه أعمق من تيههم القديم بعيدا عن الشرق العربي، الذي كنا منذ الأزل نطفته وقلبه، إن صَلَحَ صلح الوطن العربي كله، وإن فسد فسد العرب كلهم، فإن كانت فلسطين حرة مستقلة كانت بلاد العرب كذلك. وكفانا اليوم نظرة واحدة خاطفة على الواقع العربي المرير في زمن احتلال فلسطين.
وهكذا فإن علاقتنا بالشرق العربي هي علاقة الجزء بالكل فهل لجزء من الجسد الواحد أن ينسلخ عن الجسد، وهل يبقى القلب نابضا حيا خارج البدن؟!
إن علاقة الفلسطينيين مع الأردن خاصة، علاقة عضوية بين طرفي وطن واحد ترسخت أواصرها واشتدت عبر تاريخ واحد، وحركة دائبة شرقا وغربا. وعلينا ألا ننسى أبدا أن الفاتحين المسلمين منذ خلافة عمر رضي الله عنه ومن ثم الخلافتين الأموية والعباسية، قسموا جند فلسطين وجند الأردن أفقيا فكانت حيفا وعكا وصفد من أعمال جند الأردن، والعبرة في هذا لمن عرف الخبر، واستقى من التاريخ الدروس والعبر.
كيف تدبر أيها المسافر عبر رامون عن الشرق العربي؟ كيف تشيح بوجهك عن أهلك وأخواتك بمئات ألوفهم، بل ملايينهم في أرض الأردن؟
من يضمن لك أن يظل رامون مفتوحا فلا تقفل إسرائيل يوما أن اشتدت الظروف حولها أبوابه فلات حين مندم! ومن يضمن لك معاملة إنسانية هناك بعد ما تجرعناه من آلام وما أهرق من دماء على يد عدونا عبر السنين؟!
إن علاقة الفلسطينيين مع الأردن خاصة، علاقة عضوية بين طرفي وطن واحد ترسخت أواصرها واشتدت عبر تاريخ واحد، وحركة دائبة شرقا وغربا. وعلينا ألا ننسى أبدا أن الفاتحين المسلمين منذ خلافة عمر رضي الله عنه ومن ثم الخلافتين الأموية والعباسية، قسموا جند فلسطين وجند الأردن أفقيا فكانت حيفا وعكا وصفد من أعمال جند الأردن، والعبرة في هذا لمن عرف الخبر، واستقى من التاريخ الدروس والعبر.
لن يكتب لمطار رامون النجاح إن أحسن الفلسطينيون والأردنيون التعامل مع واقعهم وأحسنوا إدارة مشاكلهم، لو تعامل الفلسطيني مع هذه اللحظة بنظرة استراتيجية قومية يدرك بفضلها أن مستقبله مع الشرق كما كان دوما، ولو تعامل الأردني بالنظرة نفسها ليعرف أن سياسة الجسور المفتوحة مع فلسطين ارتباط قومي لا فكاك منه قبل أن يكون شريانا اقتصاديا ينفع الجانبين وينبغي إدارته وتشغيله بأدوات العصر ووفق معاييره العصرية الراقية.
وكم يكون جميلا لو أن من يتناولون هذا الأمر على وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي يتناولونه بوعي قومي استراتيجي، فنحن في زمن ليس مثل زمن دريد وغزية "إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد"!
السلطة الفلسطينية والمقاومة ونموذج أم إبراهيم
السُّعَار الصُّهيوني في فلسطين