كتاب عربي 21

قمة عربية.. بلا جمهور!

1300x600

لأن الموضوع صار أشبه بحلقات مسلسل يأبى الانتهاء، نحتاج مجددا لاستدعاء تقنيات العمل الدرامي للعرض والتحليل.

كلاكيت أول مرة..

كان التوقيت يشير إلى الدقيقة التسعين. كل شيء في الملعب ينبئ بهزيمة الفريق المضيف وفوز الزوار بالكأس العربية لما دون سن 17 سنة. وفجأة انفجرت المدرجات بالتهليل وانفجرت الشاشات الناقلة بالصراخ.

المعلق من قناة أبو ظبي الرياضية: الجزائر تضغط بقوة. تسديدة قوية في الجووول. اللللله. كحلوش، كحلوشي يبكي، كحلوشي يذرف الدموع، كحلوشي يعدل النتيجة بصاروخ ولا أروع، بقذيفة ولا أجمل، بتسديدة مش ممكن مش ممكن.

المعلق من قناة الكأس الرياضية: اوووووووه .. صاررررروخ.. صارووووخ.. يا الللله.. وان تو ثري فيفا لالجيري.. إنه الدرس، إنه العقاب الذي يأتي في مرمى المنتخب المغربي. هدف، صاروخ لا يصد ولا يرد.. قلت لكم ستندمون على إضاعة الفرص.. يا ساتر، لا لا لا على القتال، يا ساتر على التسديدة، يا ساتر على الاحتفال وعلى الدموع وعلى الجنون.

كان الهدف الذي سجله اللاعب الجزائري عادل شحيمة رائعا، لا يضاهيه في الروعة غير هدف بلايلي في مرمى المغرب في بطولة العرب للكبار قبل أشهر خلت، الذي كان التعليق عليه يومها على شاشة البي إن سبورتس على لسان رؤوف خليف: "صاروخية جزائرية عابرة للقارات ليوسف لبلايلي الغدار.. فعلها يوسف المغوار". 

وكان بالإمكان أن ينتهي الأمر بهذا الجمال، لكن حدث ما حدث بعد الانتهاء من تسديد ضربات الترجيح، وفوز الخضر بالكأس المنظمة على أرضهم وبين جماهيرهم التي حجت غفيرة إلى الملعب للدعم والإسناد. ما وقع حينها أبعد ما يكون عن مجرد "مشاهد مؤسفة" أو مجرد "مشادات/ مشادة بين أطفال" كما يحاول البعض تصويره؛ لأن الصور الحقيقية كانت أبلغ من أي تعليق أو محاولات للقفز عن الحقيقة أو السعي إلى التغطية عليها، خصوصا بعد اجتياح الجمهور لأرضية الملعب، ما كان ينذر بالأسوأ لولا لطف الله. 

كان بالإمكان أن نعتبر الوقائع التي تلت المباراة مجرد تجل لهذا الانفلات غير المحسوب في التعليق الرياضي، وفي بعض تصريحات المؤطرين ما حوّل المباريات الرياضية لساحة معارك وقتال، لولا أن ما تلا الفوز من برقيات عسكرية ومن لعب على الكلمات تحوّل معها "محاربو الصحراء" إلى "أسود"، وفوز الخضر بالكأس "هدية للشعب الفلسطيني باسم الرئيس عبد المجيد تبون" كما صرح وزير الرياضة الجزائري،  يؤكد أن مباراة "الأطفال" حلقة من سلسلة لا تنتهي من الصراع الذي يكاد يصبح "وجوديا" بين بلدين جارين، صارت استدامة صراعهما مسممة للأجواء العربية والأفريقية، ومحددا للتعامل مع الدول الأوروبية ودول أمريكا اللاتينية لأجل عيون "الغالي".

كلاكيت تاني مرة..

كينيا التي كان الرئيس المنتهية ولايته أوهورو كينياتا قد أعاد إحياء اعترافها بجبهة البوليساريو عام 2014، بعد أن ظل مجمدا لسنوات بقرار من حكومة الرئيس الأسبق مواي كيباكي عام 2007، تستقبل "الغالي"، الأمين العام لجبهة البوليساريو، للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الكيني الجديد ويليام تورو. كان ممكنا أن يمر "الحدث" عاديا، لكن أجهزة الإعلام الجزائرية العمومية منها و"الخاصة"، تبنت المشاركة واعتبرتها "صفعة أخرى" للمخزن، وانحسارا آخر للديبلوماسية المغربية، متحدية الجار الغربي باستدعاء سفيره بنيروبي؛ احتجاجا كما تجاسر وفعل مع التونسيين.

تقرير قناة الجزائر 24 الدولية: لا يستقبل بهذه الطريقة إلا الزعماء والأبطال، فهذه الهتافات والأصوات من الملعب الأكبر في قلب العاصمة الكينية نيروبي، تصدح ترحيبا بقدوم الرئيس الصحراوي إبراهيم غالي، الذي يشارك في مراسم تنصيب الرئيس الكيني المنتخب ويليام صامويل روتو. استقبال رسمي حار من السلطات العليا الكينية للرئيس الصحراوي إبراهيم غالي، يبرق برسائل قوية من عمق العلاقات الوثيقة بين الجمهورية الصحراوية وكينيا، بل ومن عمق علاقات الجمهورية الصحراوية مع أشقائها في كامل القارة الأفريقية. إذا كان المشهد يلخص صفعة جديدة يتلقاها نظام المخزن أمام انتصارات جديدة تحسب لصالح القضية الصحراوية، خاصة على المستوى الأفريقي.

منشط برنامج كلام مباشر على قناة الشروق: ها هم الانفصاليون بين قوسين حاضرون في أكبر تجمع وأهم تجمع لإلقاء اليمين الدستورية من طرف الرئيس الكيني الجديد، في ملعب احتشد فيه ستون ألف كيني لمشاهدة رئيسهم يؤدي اليمين مع رؤساء كثر وممثلين لعدة دول بينها الجزائر، ممثلة برئيس المجلس الشعبي الوطني السيد إبراهيم غالي. فإبراهيم غالي الجزائري وإبراهيم بو غالي الصحراوي حاضران في نيروبي، ولم نسمع لا غضبا مغربيا ولا شتائم مثلما حدث مع الجارة تونس عندما استقبل قيس سعيد الرئيس الصحراوي، ولم نسمع عن سحب السفراء وأزمة ديبلوماسية. هذه الازدواجية ليست عيبا جديدا، بل هو عيب قديم في الديبلوماسية المغربية، وهي أيضا انفصام في الشخصية لدى الديبلوماسيين المغاربة.

بعدها بساعات فقط، وفي وقت كان لا يزال فيه "الغالي" على أرض نيروبي، أعلن الرئيس المنتخب عن سحب بلاده اعترافها بالجبهة وبدء تفكيك ممثلياتها بدولة كينيا بعد استقباله لوزير الخارجية المغربي محملا برسالة ملكية.

بحثنا مرة أخرى عن أية صور لاستقبال رئيس الوفد الجزائري بنيروبي ولم نجدها، فالاهتمام كله والإمكانيات كلها مسخرة لمتابعة أنشطة "الغالي" من الطائرة الرئاسية الجزائرية إلى برقيات وكالة الأنباء الرسمية وتقارير القنوات ونقاشات البرامج، حتى سمعنا منشط برنامج قناة الشروق يخلط بين "الغالي" إبراهيم غالي، وإبراهيم بو غالي رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري، فجعل الأول جزائريا والثاني صحراويا في معلومة حقيقية لا يرقى الشك إليها. ولأن أخبار "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" هي الحدث الذي لا حدث بعده، فقد أفردت نشرة الأخبار بالتلفزيون الرسمي الجزائري وقتها للإخبار، بالأمس فقط، عن تأسيس الجبهة البرلمانية للصداقة بين البيرو وجمهورية الوهم، وذلك في إطار تعزيز العلاقات الثنائية ووو.

 

إن الاستمرار في التصعيد الإعلامي بل تكثيفه بعد نتائج اجتماع وزراء الخارجية العرب وتسريب خبر حضور العاهل المغربي نذير بأن سعي المغرب، بدعم حلفائه المؤثرين في القرار العربي، لجعل القمة القادمة مناسبة سانحة للانتهاء من موضوع الصحراء الذي يعكر صفو علاقاته مع العديد من الشركاء الجدد والتقليديين، سيرفع من درجات النقاش وسيسمح ببسط المواقف علانية ودون لغة خشب أفشلت كل المبادرات والوساطات.

 



انتهج المغرب في السنوات الأخيرة سياسة حصار جبهة البوليساريو في مختلف القلاع الأفريقية التي كانت مؤيدة للجبهة، من منطق اقتصادي تنموي بديل عن منطق "شراء" ذمم المسؤولين ما سمح له ببناء شراكات مستدامة، تجعل المصالح الاقتصادية فوق كل الاعتبارات. ولعل في توقيع مذكرة جديدة، يوم أمس، بين المغرب ونيجيريا والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وجميع الدول التي سيعبرها أنبوب الغاز النيجيري في اتجاه أوروبا، بما سيوفره المشروع من مصدر طاقة ومشاريع تنموية لجميع دول غرب أفريقيا، دليل آخر على هذا التوجه الذي يربط اقتصادات الدول المختلفة بمنطق تنموي لا تخفى ارتداداته السياسية في رسم مسار التحالفات في القارة السمراء، في أفق مشروع مغربي واضح يستهدف طرد "الجمهورية العربية الصحراوية لديمقراطية" من الاتحاد الأفريقي. 

لأجل ذلك، صار الدفع إلى الواجهة بإبراهيم غالي وبأنشطة أي مسؤول صحراوي لتسجيل الحضور وربما النقاط الإعلامية، كما كان الحال مع سلطانة خيا، وهي تزور "متسللة" نائبا مؤيدا للطرح الانفصالي  بالبرلمان الفرنسي، أهم من التركيز على تحركات الديبلوماسية الجزائرية، بل على مصائر بعض منتسبيها كعمار بلاني، الذي فقد منصبه كمبعوث خاص إلى الصحراء ودول المغرب العربي، وانتهى أمينا عاما لوزارة الخارجية، ربما كإجراء عقابي على الفشل، وهو الذي لم نسجل له تحركا خارجيا يبرر تسميته مبعوثا غير التصريحات العنترية اتجاه المغرب ومؤسساته، أو تمهيدا لخلافة رمطان لعمامرة كإجراء تصعيدي آخر يندرج في سلسلة ما نشهده ونسجله كل يوم. 

كلاكيت ثالث مرة..

بمجرد الإعلان عن انفراجة أحيت الآمال بعقد القمة العربية بالجزائر شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، بادر عمار بلاني إلى إطلاق تصريحات بخصوص ما أسماه "الخرجات الرعناء" لوسائل الإعلام المغربية بشأن اجتماع مجلس جامعة الدول العربية واعتبرها "واهية تماما". تصريحات بلاني تركزت بالأساس على فقرات التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربي، وخطر المنظمات الإرهابية والانفصالية وتصنيفها، واحترام سيادة الدول واستقلاله، وتجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة والإرهابية، وكلها أمور مبدئية في السياسات العربية، ولن يختلف عليها المجتمعون أو هكذا كنا نظن.

بلاني ختم تصريحاته بالقول؛ إنه "من المؤسف أن نلحظ إقحام الجامعة العربية من طرف مجموعة صغيرة؛ خدمة لمصالح ضيقة في مواجهات عقيمة تبعدها عن غرضها الرئيسي، وتحد من مساهماتها في الذود عن القضية الفلسطينية والتأقلم الضروري لرفع تحديات العالم المعاصر".

يبدو أن "اضطرار" الجزائر لتقديم عدد من التنازلات "البرتوكولية" لضمان انعقاد القمة في موعدها، جعلها تحتاط من القادم الذي سيشمل القضايا الرئيسية التي وجب تناولها لتحقيق هدف "لم الشمل العربي"، كما أعلنته الجزائر شعارا لـ "قمتها". ولم يكن للتسريب المدروس لمجلة "جون أفريك" الفرنسية الموجهة للمغرب العربي وأفريقيا، ولجريدة "الشرق الأوسط" التي يكفي اسمهما لمعرفة جمهورها المستهدف، عن حضور ملك المغرب للقمة العربية، بعد غياب استمر منذ قمة 2005 التي انعقدت، ويا للصدفة بالجزائر العاصمة نفسها، أن يمر هكذا دون تبعات. فالملك الذي سيحضر، إن صدق التسريب، بشخصه، يدعو بقية الملوك والأمراء والرؤساء بالمساهمة الشخصية في إنجاح القمة وأشغالها. والنجاح هذه المرة مربوط بإجراءات عملية تحقق المصالحة وتنزع بذور الشقاق بين مختلف البلدان والأقربون أولى. 

إن الاستمرار في التصعيد الإعلامي، بل تكثيفه بعد نتائج اجتماع وزراء الخارجية العرب وتسريب خبر حضور العاهل المغربي، نذير بأن سعي المغرب، بدعم حلفائه المؤثرين في القرار العربي، لجعل القمة القادمة مناسبة سانحة للانتهاء من موضوع الصحراء الذي يعكر صفو علاقاته مع العديد من الشركاء الجدد والتقليديين، سيرفع من درجات النقاش وسيسمح ببسط المواقف علانية، ودون لغة خشب أفشلت كل المبادرات والوساطات. 

تأكيد مخرجات اجتماع وزراء الخارجية سيؤدي حتما إلى إطلاق حركية تسمية جبهة البوليزاريو منظمة إرهابية أو مليشيا مسلحة، وهو ما سيدفع، نظريا، بانحسار الدعم الجزائري غير المشروط لها بالمأوى والسلاح والمنافذ الإعلامية في انتظار تدويل التصنيف. وعندما تحاصر البلد المضيف أمام جمهوره وتضعه في الزاوية، فانتظر منه أن يضغط بقوة ويبحث عن أي تسديدة قوية ليضعها في الجووول، كما قال معلق قناة أبو ظبي الرياضية في أعلى المقال. الضمانة الوحيدة ألا يتحول الأمر إلى لعب "أطفال" مرهونة بقمة عربية بلا جمهور!