قضايا وآراء

مفارقة الكنيست والمصالحة الفلسطينية

1300x600

حصول معسكر اليمين الذي يقوده بنيامين نتنياهو على 65 مقعدا في الكنيست يعد انتكاسة للمراهنين على معسكر رئيس الوزراء يائير لبيد وشريكه وزير الأمن بيني غانتس لخفض التصعيد في الأراضي المحتلة وإدارة التحولات فيها وفي الإقليم.

القنوات الدبلوماسية والسياسية التي دشنها كل من لبيد وغانتس ووزير الأمن الداخلي عن حزب العمل عومر بارليف مع السلطة الفلسطينية والمملكة الأردنية باتت عرضة للتبخر والتلاشي ليتبخر معها هامش المناورة والقدرة على إدارة الملفات الامنية والاقتصادية المعقدة.

الانتخابات عادت بالسلطة وقيادتها في رام الله إلى المربع الأول الذي بدأت منه قبيل انتخابات الكنيست السابقة؛ فأموال المقاصة الفلسطينية والتسهيلات المالية المقدمة من حكومة لبيد في مهب الريح؛ مهددة بتعمق أزمة السلطة المالية وتسريع تفككها؛ إذ من المتوقع أن تنعكس على آداء وتماسك ومؤسسات السلطة وأجهزتها الأمنية.

وبالمقارنة بين حكومة لبيد وحكومة نتنياهو المقبلة فإن قدرة لبيد وغانتس على المناورة بالمقارنة مع حكومة نتنياهو المرتقبة تعتبر كبيرة فيما يتعلق بالتعامل مع السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس استجابة للرؤية الأمريكية بشكل يبطئ تفكك السلطة ويخفض التصعيد إلى مستويات تسمح بإدارته في الآن ذاته؛ ما وفر مساحة للسلطة للحركة رغم تنامي وتصاعد المقاومة في الأراضي المحتلة ورغم تآكل نفوذها وتأثيرها في الضفة الغربية خصوصا في جنين ونابلس .

مناورة مكنت لبيد وغانتس من الانفتاح على السلطة في رام الله إرضاء لأمريكا وفي الآن ذاته التصعيد في القدس وإطلاق العنان لمشاريع الاستيطان وتوسع الاقتحامات والاعتقالات وهدم المنازل لتشمل العرب الفلسطنيين في أراضي الـ48 في الناصرة وأم الفحم وغيرها من البلدات العربية إرضاء لليمين والمستوطنين.

ترف المناورة هذه المرة لا تملكه السلطة ولا يملكه نتنياهو الذي يدين لليمين المتطرف بعودته؛ فاليمين الممثل بحزب "الصهيونية الدينية" برئاسة بتسلئيل سموتريتش و حزب "القوة اليهودية" برئاسة ايتمار بن غفير لن يقبل بهذا المناورة؛ فإبن غفير يطالب باعتقال محمود عباس وترحيله من فلسطين فكيف الحال بالتواصل واللقاء معه أو تقديم جزء من أموال المقاصة لحكومته وأجهزته الأمنية .

 

الوحدة الفلسطينية لم تعد شأنا فصائليا بحتا بل هي مصلحة شعب مشتبك عضويا مع الاحتلال في القدس ونابلس وجنين والخليل وهي مصلحة عربية خصوصا لدول الجوار التي ستعاني من حالة الفراغ السياسي والأمني..

 



مأزق كبير لنتنياهو وللسلطة وأجهزتها في الضفة الغربية؛ فهامش المناورة لحكومة الاحتلال والسلطة يختنق ويتلاشى؛ ولن يوقفه إلا تمكن نتنياهو من توسيع ائتلافه ليشمل غانتس؛ أمر سيفجر بدروه  التحالفات ويعيد هندسة الخارطة السياسية الإسرائيلية بشكل يعمق أزمتها ويفاقم من حدة الانقسامات فيها وهو آخر ما يمكن أن يبحث عنه نتنياهو .

في كل الأحوال فإن الواقع الجديد المتشكل على وقع انتخابات الكنيست وفر زخما إضافيا لدعوات المصالحة والوحدة داخل الساحة الفلسطينية لينضم إلى الواقع الذي شكلته وبلورته القيادة الجزائرية ممثلة بالرئيس عبد المجيد تبون قبيل وخلال القمة العربية في العاصمة الجزائر؛ ليحل محل الرهان على الانتخابات الإسرائيلية وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.

فالرهان على المصالحة تنامى مباشرة بعد الكشف عن النتائج الأولية للانتخابات الإسرائيلية؛ إذ طالب الأسير الفلسطيني وعضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني "فتح"، مروان البرغوثي، أمس الأربعاء، بإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني، التي وصفها بـ "الكارثية" حاثا عبر رسالة مكتوبة تلتها زوجته فدوى البرغوثي، خلال أعمال "منتدى عمان الأمني" على "تحقيق مبدأ الشراكة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة والحكومة، وتحديد موعد جديد لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني"، مؤكدا على أن "عدم إجراء الانتخابات الفلسطينية، والمعطلة منذ ما يقارب 20 عامًا، جعل الفلسطينيين يعيشون في حالة فراغ سياسي خطير".

 

نتائج انتخابات الكنيست جاءت بمفارقة قوية قدمت من خلالها زخما وقوة دفع للمبادرة الجزائرية لتحقيق المصالحة والوحدة الفلسطينية على قاعدة المقاومة والمواجهة مع الاحتلال؛ وهي فرصة للسلطة للخروج من مأزقها السياسي والأمني والاقتصادي؛

 



عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بسام الصالحي بدوره علق على نتائج انتخابات الكنيست بالقول إن "الوحدة الفلسطينية مطلوبة لمواجه مخاطر العدوان الإسرائيلي"؛ أما المتحدث باسم حركة "حماس" حازم قاسم، فقال: "واضح أن هناك مزيدا من الانزياح نحو اليمين الأكثر تطرفا في المشهد الإسرائيلي، وهو ما يعني تصعيدا في العدوان ضد شعبنا"، محذرا من تصعيد قادم خصوصا أن نتنياهو تزعم حكومات شنت أكثر من حرب على الشعب الفلسطيني .
 
أما عضو المكتب السياسي لـ "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" أركان بدر، اليوم الأربعاء، فقال: إن "القوى والفصائل الفلسطينية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بالتوافق على برنامج سياسي يوحد الشعب الفلسطيني بجميع مكوناته"، فالإدارك بات موحدالطبيعة الخطر المقبل وشكله وحجمه.

نتائج انتخابات الكنيست جاءت بمفارقة قوية قدمت من خلالها زخما وقوة دفع للمبادرة الجزائرية لتحقيق المصالحة والوحدة الفلسطينية على قاعدة المقاومة والمواجهة مع الاحتلال؛ وهي فرصة للسلطة للخروج من مأزقها السياسي والأمني والاقتصادي؛ فهل تلتقط السلطة في رام الله الرسالة أم أنها ستناور على هامش الوعود الأمريكية وأوهام حكومة وحدة إسرائيلية يشارك فيها وزير الأمن بيني غانتس الذي أعلن بوضوح رفضه حل الدولتين خلافا لشريكه في الائتلاف المنفرط عقده يائير لبيد؛ أوعلى أوهام ومقولات تؤكد أن بن غفير وسموتريتش سيتحولان إلى براغماتيين من طراز رفيع لمجرد وصولهما إلى السلطة أسوة بما حدث مع افيغدور ليبرمان أحد قادة التيار اليميني القومي العلماني؛ وهي رهانات لن توقف الاستيطان أو تفكك السلطة ولن توقف المقاومة المتصاعدة في الضفة الغربية .

ختاما .. الوحدة الفلسطينية لم تعد شأنا فصائليا بحتا بل هي مصلحة شعب مشتبك عضويا مع الاحتلال في القدس ونابلس وجنين والخليل وهي مصلحة عربية خصوصا لدول الجوار التي ستعاني من حالة الفراغ السياسي والأمني؛ فاتساع دائرة الاشتباك وقوة المواجهة المتوقعة وعنفها في الضفة الغربية لن تصلح معها مناورات السلطة في رام الله ورهاناتها لقطع الوقت؛ فمرحلة ما بعد انتخابات الكنيست ليست كما قبلها؛ وما بعد انتخابات الكونغرس الأمريكي لن يكون بأفضل حالا؛ والأسوأ قادم ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تحمل في طياتها فرصة كبيرة لعودة الترامبية؛ معادلة تسقط كل الرهانات التي أقصت المقاومة ونهجها وحاربته لتكسبها زخما يتجاوزالسلطة في رام الله ومناوراتها القديمة.

 hazem ayyad
@hma36