المستحيل ليس عربيا
في أحد فنادق الدوحة في نهايات عام ألفين وثمانية طرح الأمير الوالد
في
قطر فكرة استضافة بلاده لبطولة
كأس العالم على أرضه لأول مرة في منطقة الشرق
الأوسط والعالم العربي أثناء عشاء عمل جمعه بسيب بلاتر الرئيس السابق للاتحاد
الدولي لكرة القدم الفيفا.
بعدها بعام واحد كان العالم على موعد مع تقدم قطر بملف رسمي لاستضافة
البطولة الأكبر والأشهر عالميا في منافسة قوية مع عتاولة العالم في استضافة وتنظيم
بل والفوز بكأس العالم ، وكانت محل سخرية الجميع آنذاك.
كيف لدولة صغيرة في الحجم، قليلة في عدد السكان، لا توجد بها ملاعب أو
بنى تحتية رياضية وسياحية، لا تملك عدد الملاعب الرياضية المطلوبة لاستضافة الحدث
الكبير وتتمتع بارتفاع كبير في درجات الحرارة ما يجعل استضافتها للبطولة منتصف
يوليو وهو فصل من فصول الجحيم، كيف لهذه الدولة أن تنظم كأس العالم؟
الإجابة جاءت بعدها بعام واحد، بلاتر يعلن فوز قطر بتنظيم كأس
العالم ألفين واثنين وعشرين.
على مدار اثني عشر عاما، كان العالم أجمع يقف ضد قطر ، سخرت الصحف
والمواقع الغربية من إمكاناتها، وضعوا العقبات أمامها واحدا تلو الآخر فلا يمكن
تنظيم البطولة في الصيف ولا يمكن القبول بتنظيمها في الشتاء، ستتأثر البطولات
الأوروبية وستختلف الفيفا مع القنوات الناقلة لكأس العالم.
في الثاني والعشرين من شهر نيسان (إبريل) عام ألفين وأربعة عشر ينشر
موقع الحرة الأمريكي تقريرا مطولا بعنوان "أربعة عشر سببا تجعل تنظيم قطر
لكأس العالم مناسبة كارثية".. تحدث التقرير عن مشاكل العمال والاعتراف
بالمثلية وبيع الخمور وارتفاع الحرارة وعدم وجود ملاعب كافية أو مدن أخرى تستوعب
عدد الزائرين، أشاروا إلى استحالة وجود ملاعب مكيفة وعن الأحلام القطرية التي
وصفوها بالأوهام آنذاك.
المستحيل ليس قطريا
على مدار شهر كامل، عاش العالم بطولة من أروع وأفخم بل والأكثر إثارة
في تاريخ بطولات كأس العالم، آلاف التقارير تحدثت عن روعة التنظيم، وقوة البنية
التحتية القطرية، البطولة الأولى التي استطاع فيها المشجعون حضور أكثر من مباراة
في يوم واحد والتنقل بين الملاعب بسهولة وسرعة كبيرة، البطولة الوحيدة التي شهدت
عددا قياسيا من الزائرين بلغ مليونا وسبعمائة ألف زائر منذ انطلاقتها.
نجحت قطر في البطولة تنظيما واستقبالا وحسن ضيافة، كما نجحت في إبراز
الهوية العربية والحفاظ على كثير من القيم الإسلامية في مواجهة حملة غربية ممنهجة
سعت منذ اللحظة الأولى للتشويه وإفساد المحفل العالمي.
المستحيل ليس مغربيا
كان من الممكن أن ينتهي كأس العالم وكل الأنظار وكلمات المدح والثناء
والفخر تنهال على قطر الدولة المستضيفة ولكن أبى أسود الأطلسي إلا أن يكتبوا
بأنفسهم تاريخا جديدا في سجل البطولة كأول فريق عربي أفريقي يصل إلى الدور نصف النهائي
في تاريخ كأس العالم.
تكتب الغارديان البريطانية في ملخصها لكأس العالم "فخر المنتخب
المغربي بالإسلام يجب أن يكون ملهما لنا جميعا".
انتصرت المغرب كرويا وفنيا وقيميا أيضا، وانتصرت قطر على مستوى التنظيم والحفاظ على الهوية العربية الإسلامية، وانتصرت تونس على فرنسا بطلة العالم وفازت السعودية على الأرجنتين وأبهرت العالم وشعر العرب والمسلمون أخيرا بأنه يمكننا الانتصار والفرح والفوز بأيدينا نحن لا بيد الغرب والفيفا.
مهلا، أليست هذه بطولة لكرة القدم؟ فما علاقة الدين والإسلام بتألق
المنتخب المغربي؟
حقيقة الأمر أن الغرب أراد لهذه البطولة أن تختلط فيها كرة القدم
بالسياسة بالدين بالقيم بثقافات الشعوب، منذ اللحظة الأولى لإعلان قادة منتخبات
ألمانيا وأنجلترا وإسبانيا تمسكهم بارتداء شارة المثلية في مباراتهم الأولى ثم
تراجعهم، مرورا لإشارة لاعبي المنتخب الألماني في مباراتهم الأولى، وصولا للهجمة
الإعلامية الشرسة ضد قطر والاستهزاء بمنتخب المغرب واتهام إحدى القنوات الألمانية
للاعبي المغرب بأنهم إرهابيون ينتمون إلى داعش قبل أن تعتذر.
كل هذا جعل من هذه البطولة تحديدا والمقامة على أرض بلد عربي مسلم
وسيلة قوية لإيصال بعض الرسائل الهامة والتي أبدع المنتخب المغربي في إرسالها.
إلى جانب الأداء الفني الرائع والإنجاز التاريخي الذي لم يسبقهم إليه
أحد عربيا وأفريقيا، كانت رسائل المنتخب المغربي للعالم أننا نلعب الكرة ولكننا
نرفع علم فلسطين أثناء احتفالنا، نسجد لله شكرا كما في تعاليم ديننا، نقرأ الفاتحة
أو سورة من القرآن الكريم ونخبر العالم عن ديننا بإشارات بسيطة.
ستحتل صور أشرف حكيمي مع والدته واحتفال سفيان بوفال مع أمه رقصا
داخل الملعب عناوين الصحف لأفضل صورة في هذا العام، سيتم تداول مشهد النصيري وهو
يبكي في حضن والده بعد تأهله للدور نصف النهائي أيضا قائمة التريند وسيتحدث الجميع
عن قيمة بر الوالدين التي أعلاها لاعبو المنتخب المغربي في هذه البطولة.
انتصرت المغرب كرويا وفنيا وقيميا أيضا، وانتصرت قطر على مستوى
التنظيم والحفاظ على الهوية العربية الإسلامية، وانتصرت تونس على فرنسا بطلة
العالم وفازت السعودية على الأرجنتين وأبهرت العالم وشعر العرب والمسلمون أخيرا
بأنه يمكننا الانتصار والفرح والفوز بأيدينا نحن لا بيد الغرب والفيفا.