لم يوقع تقرير منظمة الأسلحة الكيميائية المنظمة ذاتها
في مأزق أخلاقي وسياسي بقدر ما أوقع منظمة
الأمم المتحدة ومعها روسيا في مأزق
حقيقي، لا سيما أن التقرير أتى قبل أيام من فاضحة زلزال شمال
سوريا، حين انتظرت
المنظمة الدولية لعشرة أيام رافضة دعم ضحايا
الزلزال بالمعدات والمواد قبل حصولها
على طلب من النظام السوري، وهو ما أدى إلى اعتراف مسؤولي المنظمة الدولية بحجم
الخذلان الذي تسببوا به للسوريين، فطالب الكثيرون بمحاكمة الأمم المتحدة ومسؤوليها
في تسببهم بقتل السوريين تحت الأنقاض، وهي التي يجيز قانونها إرسال هذه المساعدات
في الكوارث دون الرجوع للحكومات المركزية.
أتى التقرير ليُحرج عضو في مجلس الأمن الدولي وهو
روسيا، ودورها في المجزرة بعد أن تعهدت أمام المجتمع الدولي بنزع الأسلحة
الكيماوية من النظام، فقد شرح تقرير المنظمة تقنياً الهجوم الذي شنته مروحيتان
تابعتان لعصابة الكبتاغون
الأسدية، يوم السابع من نيسان/ أبريل من عام 2018، فق
أقلعتا من
مطار الضمير الذي تسيطر عليه قوات الاحتلال الروسي لتلقيا حمولتهما البرميلية
المملوءة بغاز الكلور الأصفر فوق أهالي مدينة دوما، مما تسبب في مقتل العشرات من
الأهالي خنقاً.
الحرج الأخلاقي والسياسي للمنظمة مردّه إلى أنها نفسها المنظمة التي سبق أن وقعت اتفاقاً بينها وبين نظام أسد قبل خمس سنوات من هذا التاريخ، ويقضي بنزع كامل أسلحته الكيماوية، كي يفلت من معاقبة الأمريكيين بمهاجمته، وكان التهديد قد وصل ذروته يوم نفذت عصابات الأسد أول هجوم كيماوي على الغوطة في عام 2013
الحرج الأخلاقي والسياسي للمنظمة مردّه إلى أنها نفسها
المنظمة التي سبق أن وقعت اتفاقاً بينها وبين نظام أسد قبل خمس سنوات من هذا
التاريخ، ويقضي بنزع كامل أسلحته الكيماوية، كي يفلت من معاقبة الأمريكيين
بمهاجمته، وكان التهديد قد وصل ذروته يوم نفذت عصابات الأسد أول هجوم كيماوي على
الغوطة في عام 2013، فاكتفى العالم يومها وعلى رأسه الرئيس الأمريكي باراك أوباما
بابتلاع الإهانة والحرج، ومسح خطه الأحمر الذي كان قد هدد به، وهو أنه سيسقط
النظام السوري إن أقدم على استخدام الكيماوي، لكن مرت مذبحة الغوطة تحت سمع العالم
وبصره وقضى ضحيتها 1400 شخص معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ خنقاً. واكتفت
المنظمة بالتالي بالتوقيع على اتفاق بألاّ يفعلها نظام الأسد ثانية، وإلاّ فإنه
مهدد بالتعرض للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة والذي يجيز استخدام القوة ضده.
لكن اليوم ومع تأكيد المنظمة على أنه فعلها بعد خمس
سنوات على تعهده، مخالفاً كل اتفاقياته التي وقعها، بل حتى الراعي الروسي خالف الاتفاق،
إن كان بمخالفته للرعاية العامة، أو مشاركته المباشرة من خلال الإشارة إلى دور
العميد سهيل الحسن في الغارة على دوما، وإقلاع المروحيتين من مطار الضمير الخاضع
لسيطرة الاحتلال الروسي، مما يعني أن موسكو متورطة بشكل مباشر في مجزرة دوما.
بالتأكيد ستتجاوز عصابات الأسد ومعها المحتل الروسي
هذه المجزرة، كما تسامح المجتمع الدولي مع عشرات وربما مئات المجازر التي وقعت بحق
السوريين، وثبت تورطها فيها، وكما تسامح من قبل مع قرار اتخذه مجلس الأمن الدولي
مهدداً عصابات الأسد باستخدام البند السابع، إن قام باستخدام البراميل المتفجرة
بحق السوريين، لكنه واصل معها هواياته المفضلة التي لا يتقن غيرها دون أن يرمش
المجتمع الدولي للمجازر السابقة واللاحقة، أو لخرق القواعد والتهديدات التي وضعها
من قِبل عصابات الكبتاغون والكيماوي.
أي تطبيع مع هذه العصابة سيكون مكلفا؛ إن كان على المستوى القريب أو على المستوى البعيد، ولا ننسى أن مثل هذه العصابة منبوذة ومصابة بجرَب سياسي ويصعب دولياً التعامل معها. ولعل الفضيحة التي تعرضت لها المنظمة الدولية في سوريا بتخليها وخذلانها عن الشعب السوري، وابتزازها لمنظمات سورية محلية إن هي رفضت التعامل مع مساعدات قادمة من مناطق النظام السوري.. كل ذلك يؤكد أن الثمن الذي دفعته الأمم المتحدة اليوم غالياً بحق نفسها، وذلك من أجل غسل جرائم النظام السوري
الواقع الدولي يبدو أنه غير مناسب لاقتلاع بشار
الكيماوي، وعدم الاقتلاع هذا هو ما يدفع ثمنه المجتمع الدولي، وإلاّ فلو كان هذا
المجتمع أوقف الأسد عند حده، وأوقف روسيا عند حدها بغزو واحتلال سوريا، لما تجرأ
بوتين على احتلال أوكرانيا، وها هو اليوم يكرر نفس تكتيكاته العسكرية التدميرية
على رؤوس المدن الأوكرانية كما فعل في سوريا، الذي وجد كل الصمت والتأييد
والمباركة على أفعاله.
لكن الواضح من تقرير المنظمة الذي أتى في هذه الظروف،
هو أن التطبيع مع عصابة أجرمت بحق الإنسانية وليس بحق السوريين فقط غير مقبول،
والأغرب أن تقوم المنظمة الدولية اليوم بتسييس كارثة زلزال شمال سوريا، وتدعو إلى
التطبيع الإنساني مع نظام كانت أول من اتهمته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
الظاهر أن أي تطبيع مع هذه العصابة سيكون مكلفا؛ إن
كان على المستوى القريب أو على المستوى البعيد، ولا ننسى أن مثل هذه العصابة
منبوذة ومصابة بجرَب سياسي ويصعب دولياً التعامل معها. ولعل الفضيحة التي تعرضت
لها المنظمة الدولية في سوريا بتخليها عن الشعب السوري وخذلانها إياه، وابتزازها
لمنظمات سورية محلية إن هي رفضت التعامل مع مساعدات قادمة من مناطق النظام السوري..
كل ذلك يؤكد أن الثمن الذي دفعته الأمم المتحدة اليوم غالياً بحق نفسها، وذلك من
أجل غسل جرائم النظام السوري وما فعله بالشعب السوري على مدى 12 عاماً، لكن الواضح
أن الموقف الثوري السوري كان موحداً، مما زاد في الانقسام السياسي بين مناطق
الثورة ومناطق النظام السوري.