يمثل رئيس حزب النهضة ورئيس البرلمان
التونسي راشد الغنوشي الثلاثاء أمام المحكمة على ذمة قضية جديدة تقدم بها نقابي أمني، ادعى أنه تحصل على تسجيل للقاء بين الغنوشي وقيادات من "أنصار الشريعة"، الذي صنفته حكومة النهضة عام 2013 منظمة إرهابية، في سادس قضية ضد الغنوشي منذ استحواذ الرئيس قيس سعيّد على السلطات في 25 تموز/ يوليو 2021.
وتأتي جلسة الاستماع للغنوشي بعد أيام قليلة من حملة اعتقالات شنتها السلطات التونسية طالت سياسيين معارضين ورجل أعمال وإعلاميًا وقاضيين من دون تهم واضحة وسط مخاوف بإيقاف رئيس حركة النهضة، ما ينذر بتزايد القمع في بلد يواجه أزمة اقتصادية وسياسية.
وتتزامن حملة الاعتقالات وسعي الرئيس قيس سعيّد إلى وضع حجر الأساس لنظامه الرئاسي والذي تميز بمقاطعة كبيرة من قبل الناخبين لا سيما إثر مقاطعة نحو تسعين في المئة من الناخبين دورتي الانتخابات النيابية الفائتة، ما دفع سعيّد إلى اعتقال أبرز منتقديه، بحسب معارضيه.
وتقول المعارضة التونسية إن الرئيس سعيّد يسعى إلى استعادة زمام المبادرة وكسر الزخم الذي تبنيه معارضته، خصوصا "جبهة الخلاص الوطني"، التي أصبحت أكبر تكتل معارض في تونس.
وعن تفاصيل القضية الجديدة، قال مصدر لـ"
عربي21"، في وقت سابق، إن أحد أفراد الأمن ادعى أنه حصل على شريط فيديو للقاء بين السيد الغنوشي وتنظيم "أنصار الشريعة" المحظور.
وزعم النقابي الأمني أنه أعطى هذا التسجيل لرؤسائه الأمنيين ولم يحتفظ بنسخة، لكن رؤساءه أخفوا هذا التسجيل أو أتلفوه.
وبدلاً من التخلص من هذا الادعاء، فإن النيابة، وتحت سيطرة وزير العدل وأوامر الرئيس قيس سعيّد، تستخدم رواية التسجيل ذريعة إما للاحتجاز، أو على الأقل لمواصلة حملة المضايقات ضد الغنوشي، بحسب المصدر.
قضية البرلمان
وهذه القضية السادسة التي رُفعت ضد راشد الغنوشي منذ 25 تموز/ يوليو، حيث تم استدعاء رئيس حركة النهضة للمثول أول مرة أمام
القضاء بعد أن عقد البرلمان التونسي جلسة على الإنترنت لمناقشة الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس سعيّد والمراسيم التي أصدرها في 30 آذار/ مارس 2022.
وصوت النواب من مختلف الأحزاب والكتل النيابية بالإجماع على إلغاء المراسيم الرئاسية وإنهاء الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها رئيس الجمهورية بموجب البند 80 من الدستور.
ورداً على ذلك، أصدر الرئيس سعيد مرسوماً بحل البرلمان رغم أن المادة 80 من الدستور تنص على ضرورة أن يكون مجلس النواب منعقداً ولا يمكن حله خلال فترة الإجراءات الاستثنائية التي أقرها الرئيس قبل يومين فقط من حل البرلمان.
ثم أمر وزارة العدل باعتقال النواب واتهامهم بمحاولة الانقلاب، حيث استدعت وحدة مكافحة الإرهاب التونسية الغنوشي كرئيس للبرلمان إلى جانب عدد من النواب الآخرين بتهمة التحريض على الفتنة التي يمكن أن تؤدي إلى عقوبة الإعدام. وكان من المقرر عقد جلسة الاستماع في 5 نيسان/ أبريل من العام ذاته، ولكن تم تأجيلها من قبل المدعي العام إلى موعد غير محدد.
في تصريح سابق لـ"
عربي21"، كشف القاضي التونسي ورئيس جمعية القضاة الشبان، مراد المسعودي، أن قرار سعيّد عزل 57 قاضيا في حزيران/ يونيو الماضي، جاء بناء على رفضهم لإصدار أحكام بسجن الغنوشي ونواب آخرين، على خلفية جلسة البرلمان.
"الجهاز السري"
كما مثل راشد الغنوشي أمام القضاء على ذمة قضية ما يُعرف بـ"الجهاز السري"، التي يُتهم فيها رئيس حركة النهضة بتكوين "جهاز سري" داخل وزارة الداخلية، يضم أمنيين وقضاة، من أجل السيطرة على الدولة والتستر على بعض القضايا، وهي تهم نفاها الحزب في عديد المناسبات.
وكانت "لجنة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد براهمي"، التي تضم محامين يساريين، قد تقدمت بشكاية ضد الغنوشي، واتهامه بالمسؤولية عن اغتيال بلعيد والبراهمي، المعارضين اليساريين اللذين تم قتلهما من عناصر متشددة في 6 شباط/ فبراير و25 تموز/ يوليو من عام 2013.
ورغم أن القضاء التونسي يواصل التحقيق في القضيتين، مع تحديد مرتكبي هذه الاغتيالات واعتقال عدد منهم دون توجيه أي تهمة لرئيس حركة النهضة، إلا أن هيئة الدفاع تواصل الضغط على القضاة من أجل توجيه الاتهامات إلى الغنوشي وحركة النهضة.
وبعد عزل 57 قاضيا، من ضمنهم بشير العكرمي الذي كان يشرف على التحقيق في هذه القضية، قرر قاضي التحقيق إدراج الغنوشي كمشتبه به في هذه القضية وفرضت عليه حظر سفر في 27 آيار/ مايو 2022.
وفي تعليق على دور "لجنة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد براهمي" في بعض القضايا، قال القاضي المسعودي إن سعيّد يشتغل في إطار جوقة كاملة من "فيسبوك" والدعاية والكذب مثل كل الأنظمة الدكتاتورية، هناك إشاعات ضد قضاة، وتتم تصفية هؤلاء القضاة بطريقة شعبوية، حيث ينظّر الرئيس لغياب الدولة ووجود الفوضى وعدم اعتماد المحاسبة طبق القانون والإجراءات، التي تمكن كل طرف من حق الدفاع عن نفسه وحق مواجهة التهم.
"قضية نماء"
كما وجه النائب العام الاتهام لراشد الغنوشي على ذمة قضية "جمعية نماء"، وهي منظمة تنموية غير حكومية، تم اتهامها بغسل الأموال وتلقي تمويل أجنبي وتمويل الإرهاب.
و"نماء" جمعية تنموية غير ربحية، تأسست منذ 15 آذار/ مارس 2011 في تونس، وتعمل على "استقطاب المستثمرين والخبراء من الداخل والخارج".
وتهدف الجمعية إلى "بعث المشاريع الاقتصادية المحدثة لمواطن الشغل، خاصة في المناطق ذات الأولوية، ومساعدة العاطلين من أصحاب الشهادات الجامعية العليا على بعث مشاريع اقتصادية وربط العلاقات والصلات مع الجمعيات والهياكل والمنظمات ذات الصلة، والمساهمة في تقديم خدمات استشارية تساعد على تفعيل المبادرات الاقتصادية وبعث المشاريع الصغرى"، بحسب ما هو منشور في وثيقة تأسيسها بموقعها الإلكتروني.
وفي إطار ما يعرف بقضية "نماء"، وُجهت اتهامات من قبل القطب القضائي لمكافحة الإرهاب إلى الجمعية بشأن "شبهات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب".
ومن بين المتهمين في القضية، رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، ونجله معاذ، وابنته سمية، وصهره وزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام، ورئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي الذي اعتقل لمدة 4 أيام، قبل أن يفرج عنه مع إبقائه على ذمة التحقيقات، بالإضافة إلى أفراد من عائلته. في المقابل، لم يتم تقديم أي دليل على هذه الاتهامات ولا أي دليل يربط النهضة أو رئيسها بهذه المنظمة.
"قضية الطاغوت"
كما تم استدعاء راشد الغنوشي للمثول أمام وحدة التحقيق في جرائم الإرهاب بالحرس الوطني يوم 3 آب/ أغسطس 2022، على ذمة القضية المعروفة إعلاميا باسم "الطاغوت".
وخضع الغنوشي للتحقيق من قبل إحدى نقابات الأمن الداخلي التي تتهمه بالإدلاء بتصريحات تهاجم قوات الأمن وتصفهم بالمرتدين والطواغيت، فيما تواصل التحقيق لمدة 4 ساعات دون توجيه أي تهمة له.
ترتبط القضية بخطاب تأبين أدلى به السيد الغنوشي في شباط/ فبراير 2022 بعد دفن أحد نشطاء حزب النهضة في منطقة تطاوين، جنوبي البلاد، حيث ذكر رئيس حركة النهضة في خطابه أن الراحل كان شخصًا مناضلا من أجل الحرية دون خوف من الفقر أو الحاكم أو طاغوت.
وتتهم إحدى النقابات الأمنية أن كلمة "طاغوت" التي ذكرها الغنوشي في خطاب تأبين أحد أعضاء حركة النهضة، تشير إلى رجال الشرطة والأمن.
"التسفير إلى بؤر التوتر"
في 19 أيلول/ سبتمبر 2022، توجه الغنوشي طواعية إلى مقر وحدة “مكافحة الإرهاب" للاستماع له على ذمة القضية المعروفة إعلاميا بـ"التسفير إلى بؤر التوتر" التي تتعلق بشبكات تسفير الشباب التونسي إلى مناطق النزاع.
وانتظر الغنوشي 14 ساعة رغم أنه يبلغ من العمر 81 سنة، قبل أن يتم إبلاغه بأن الاستجواب سيتم في اليوم التالي، حيث ذهب رئيس حركة النهضة مرة أخرى إلى مقر الوحدة حوالي الساعة 5.00 مساءً، فيما استمر الاستجواب أكثر من 12 ساعة قبل إطلاق سراحه.
كما مثل الغنوشي في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر أمام القطب القضائي لمكافحة الإرهاب على ذمة القضية ذاتها، حيث استمر التحقيق 12 ساعة، قبل الإفراج عنه دون توجيه أي تهمة له.
وبدأ القضاء العسكري التحقيقات في هذا الملف إثر شكوى تقدمت بها البرلمانية السابقة فاطمة المسدي في كانون الأول/ ديسمبر 2021، قبل أن يحولها إلى القطب القضائي لمكافحة الإرهاب لوجود مدنيين بين المشتكى عليهم.