زلزال واحد يضرب جنوب
تركيا وشمال غرب
سوريا لا يفرق بين الحدود
ولا بين البشر، فتصبح المدن ركاما تفوح منها رائحة الدم.
وإذا كانت الطبيعة عادلة في خيراتها ومصائبها، فإن فعل البشر ليس
كذلك: هكذا يختلف المشهد الإنساني والسياسي بين جانبي الحدود التركية-السورية.
لا يتعلق الأمر باختلاف الإمكانيات المادية المتاحة بين جانبي
الحدود، فتركيا دولة لديها مؤسسات قوية وبيروقراطية فعالة قادرة على تنفيذ مهامها
وقت الأزمات، ناهيك عن خبراتها الخاصة في التعامل مع الزلازل، في حين لا يمتلك
الشمال السوري، ولا النظام السوري نفس الإمكانيات.
يتعلق الأمر بالدولة ومن يقف على رأسها، ففي الكوارث الإنسانية يظهر
الجانب المخفي من الدولة، من حيث هي مؤسسات، ومن حيث هي الكيان الأعلى الكفيل
بتخفيف الآلام ومنح الآمال، لا أن تتحول إلى عبء وثقل على الشعب المنكوب، فتجعل
الانتماء السياسي مدخلا للعطاء الإنساني.
يتعلق الأمر بالاستجابة الإنسانية والسياسية للتعامل مع كارثة
الزلزال: في حالة تركيا، اختفت الخلافات السياسية والأيديولوجية والإثنية إلى حد
ما تحت هول المصيبة، في وقت ظهر في سوريا الانحراف الإنساني والسياسي للنظام الذي
وجد في الحدث الطبيعي فرصة لاستكمال استراتيجيته في قتل الإنسان السوري وفي
استغلال الحدث سياسيا.
ذهب الرئيس التركي إلى المناطق المنكوبة وتحدث يوميا عن الأضرار، وعن
مسار عمليات الإنقاذ، وعن الخطوات التي ستقوم بها الدولة لإعادة الإعمار، يقابله
مشهد سوريالي مثله الأسد نفسه، حين وزع ابتساماته فوق الركام وفوق دماء السوريين
في مدينة حلب.
هول المصيبة لم يدفعه للحديث عن الضحايا في مناطق سيطرته، ناهيك
بأولئك الموتى والمصابين في الشطر المحرر، ولا للحديث عما يجب أن يقوم به كونه
يعتبر نفسه رئيسا لـ"دولة"، اكتفى الأسد بتوزيع الابتسامات فوق الجراح،
والحديث عن ازدواجية المعايير الدولية التي تخلط بين الإنساني والسياسي.
هذا هو الفالق الحقيق الذي تعاني منه سوريا، لا الفالق الجغرافي الذي
أحدث الزلزال الطبيعي، إنه الفالق الاستبدادي الذي جعل الأحرار عبيدا والعبيد
أحرارا.
ذهب الرئيس التركي إلى المناطق المنكوبة وتحدث يوميا عن الأضرار، وعن مسار عمليات الإنقاذ، وعن الخطوات التي ستقوم بها الدولة لإعادة الإعمار، يقابله مشهد سوريالي مثله الأسد نفسه، حين وزع ابتساماته فوق الركام وفوق دماء السوريين في مدينة حلب.
يستغل النظام السوري الكارثة الإنسانية للحصول على شرعية سياسية
وقانونية طالما سعى إليها، من خلال طرح سردية أن العقوبات الأمريكية ـ الأوروبية
هي التي تؤثر على الوضع الإنساني في سوريا، وأنها، أي العقوبات، هي التي تحول دون
إدخال المساعدات بطريقة سريعة، وهو أمر غير صحيح، لأن العقوبات الدولية تستثني
المجالات الإنسانية، ناهيك عن الدعم الخدمي الذي تقرر بموجب القرار الدولي 2642
العام الماضي، والذي جاء في مادته الرابعة "يرحب مجلس الأمن الدولي بجميع
الجهود الجارية ويحث على تكثيف ما يتخذ من مبادرات إضافية من أجل توسيع نطاق
الأنشطة الإنسانية في سوريا، بما في ذلك مشاريع الإنعاش المبكر الهادفة إلى توفير
المياه وخدمات الصرف الصحي والرعاية الصحية والتعليم والمأوى والكهرباء".
يسعى النظام إلى استغلال الحدث من أجل فرض هيمنته على إدخال
المساعدات الدولية، لا من أجل الاستفادة منها ماديا فحسب، بل وهذا هو الأهم، من
أجل فرض نفسه كجهة وحيدة على المجتمع الدولي التعامل معها، يساعده في ذلك تراخ
تركي بدا واضحا خلال الأيام الثلاثة التي أعقبت الزلزال، حيث لم تدخل أية مساعدات
إلى الشمال السوري، خصوصا الأدوات المساعدة على رفع الأنقاض.
تحقق جزء من مطلب النظام من خلال قرار الولايات المتحدة إجراء
استثناءات من لوائح العقوبات بهدف الإغاثة من الزلازل في سوريا، كانت محجوبة بموجب
لوائح العقوبات السورية، 31 CFR الجزء 542 (SySR).
ونص قرار الخزانة الأمريكية على تعليق العقوبات المفروضة على سوريا
بما يتيح تقديم المساعدات للمتضررين من الزلزال المدمر، لمدة تستمر 180 يوما، بما
يتيح للدول ومنظمات الإغاثة تقديم مساعداتها للمتضررين في كافة المناطق المتضررة
السورية.
وبموجب القرار، يسمح للشركات والأفراد الأمريكيين ودول العالم أن
تحول الأموال والمنتجات إلى سوريا بما يخدم أغراض إغاثة الزلزال حتى تاريخ 8 أغسطس
2023، وهذا يمكن أن يشمل استخدام المصارف السورية لتحويل الأموال، ومنها مصرف
سورية المركزي، والسماح باستيراد الوقود لما يخدم أغراض الإغاثة، وكذلك المنتجات
الغذائية والطبية ومنتجات البناء وإصلاح البنية التحتية.
هكذا، حملت الكارثة الإنسانية الدولة التركية أعباء اقتصادية
وإنسانية، فيما أدت هذه الكارثة إلى تحميل الشعب السوري المتضرر هذه الأعباء،
ومنحت النظام السوري فرصة التنفس اقتصاديا وسياسيا.. إنها مفارقات ومكر التاريخ.