قضايا وآراء

السيسي والأزهر والطلاق الشفهي

ما قيمة المؤسسات الدينية إذا كانت الموضوعات ستحال إليها ويضرب بجهدها العلمي عرض الحائط؟ (فيسبوك)
مؤخرا خرج السيسي على الشعب المصري في خطاب حضره البابا تواضروس وغاب عنه شيخ الأزهر أحمد الطيب، ليعلن أن أي طلاق غير موثق لن يعترف به، رغم أن الموضوع قد أثاره السيسي من قبل مرة في حضور شيخ الأزهر، ومرات في غيابه، وقامت مشيخة الأزهر بدورها، بأن أحالت الموضوع للمختصين ليقولوا كلمتهم فيه.

ففي عام 2016م، بعد أن أثار السيسي الموضوع، شكل شيخ الأزهر لجنة من علماء الشريعة سواء من الأزهر الشريف، أو دار العلوم، أو قسم الشريعة بكلية الحقوق، ثم قابل وزير العدل وطلب منه ترشيح قاض قوي في قضايا الأحوال الشخصية، وذلك كي يوقفهم على أهم القضايا التي تثار حول الطلاق، لتكون لها أولوية في التناول، ولم تكن قضية توثيق أو عدم توثيق الطلاق قضية ذات بال، ولا أهمية كبرى.

واجتمعت اللجنة بغياب شيخ الأزهر، ولكن تحت رعايته، وجمع لهم مادة علمية في الموضوع، وقدم لها بنصف صفحة مقدمة، أبدى فيها استعداد الأزهر التام لما تنتهي إليه نتيجة البحث، وانتهى البحث إلى القول بوقوع الطلاق الشفهي، وأهمية توثيقه. فلماذا إذن أعاد السيسي الحديث عن الموضوع؟

أراد السيسي وإعلامه شغل الناس بقضية توثيق الطلاق، وكأنها كبرى المشكلات الأسرية في مصر، بينما تسبب هذا النظام بإجرامه وجبروته، من حرمان زوجات من أزواجهن، والتنكيل ببيوت وأسر كثيرة،
من الواضح أن السيسي يتعامل بطبيعته المعروفة، وهي عقلية: الجباية، فلا بد أن المواطن إذا تزوج يدفع الفلوس، وإذا طلق يدفع الفلوس، وإذا أكل أو شرب أو تنفس، تلك عقلية السيسي ونظامه، نظام جباية وليس الرعاية للمواطن أو الوطن، وما آلت إليه أوضاع البلاد والعباد من بيع أصول وشركات ومقدرات مهمة في مصر، ما يدل على عقلية هذا النظام، وهذا الحاكم.

فلو كانت القضية كما زعم السيسي تجديد الخطاب الديني، فالدين في مصر ليس الإسلام فقط، فهناك مسيحيون كذلك، ومشاكل المسيحيين في الطلاق أعوص بكثير، وأشد تعقيدا من مشاكل المسلمين، وسببها بلا شك هو تشدد الكنيسة في إيقاع الطلاق، فمعروف مبدأ الكنيسة: ما جمعه الرب، لا يفرقه العبد، ومع ذلك نجد لها استثناءات تتم للمميزين من أبناء الكنيسة كالمشاهير، كما رأينا الفنانة هالة صدقي تتزوج وتطلق مرتين، بمساعدة الكنيسة نفسها.

بينما بقية المسيحيين لديهم مشكلة في الطلاق، فكان الأولى أن يبحث السيسي والذي قال في برنامجه الانتخابي: رئيس الدولة مسؤول عن دين المصريين كذلك، ولا شك يدخل المسيحيون ضمن أولوياته، فهل تحرك السيسي في هذا الملف الخطير، وهل قوله: من يريد أن يطلق فليذهب إلى المحكمة، فهل لو ذهب مسيحي وطلق في المحكمة هل سيعاونه السيسي ونظامه وقانونه على ذلك، أم أنه لا بد من إقرار الكنيسة أولا لذلك، ولماذا يقف صامتا أمام قرار الكنيسة، بينما يتجاهل قرار الأزهر وموقفه الفقهي، سواء اتفقنا معه أم اختلفنا؟!!

إن توثيق الزواج أو الطلاق، هو مجرد إجراء متمم له، وليس منشئا، وإلا لو أنصف السيسي وبقية مؤسسات الدينية لأعلنوا الحقائق والتي أصبحنا نرى قضايا أهم من التوثيق تتعلق بالطلاق، فهناك سؤال يكثر في هذه الآونة، فهناك نسبة أصبحت تطلق من زوجها رسميا، بينما تعود دون إثبات العودة، وذلك كي تستفيد بمعاش الأب، ليساعدها في الإنفاق مع زوجها على النفقات، وذلك بسبب نظام السيسي الذي أفقر الأسرة المصرية، وجعلها تفكر في هذا المخرج، فما قول السيسي ومشايخه هنا في طلاق موثق، لكن الزوجين يفتقدان نية الطلاق، بل فعلوه من باب الحيلة كي ينفقوا على أبنائهم؟!

وما قيمة إذن المؤسسات الدينية إذا كانت الموضوعات ستحال إليها، ويضرب بجهدها العلمي عرض الحائط، هناك تجربة في دولة السودان، أيام عمر البشير رئيس السودان السابق، فقد طلب منه أن يوقع على اتفاقية (سيداو)، وعندهم قرار أن أي موضوع يتعلق بالدين، لا بد أن يعرض أولا على مجمع الفقه الإسلامي بالسوادان، قبل أن يذهب إلى البرلمان، وذهب الموضوع للمجمع، ورفض بالأغلبية، لما في الاتفاقية من مبادئ تتعارض مع الشريعة، ولم يملك البشير وقتها إلا أن يمتثل للقرار، وظلت ثلاثة دول ترفض الاتفاقية هم: السودان، وإيران، والصومال، وذلك بسبب رفض المؤسسات الدينية لها.

إن هذا النظام نفسه هو المشكلة، والطلاق الوحيد الموثق الذي يسعى الشعب المصري لنيله، هو الطلاق البائن من هذه السلطة، طلاقا بائنا لا رجعة فيه.
ثم زاد من سوء نية السيسي والسلطة من وراء الموضوع، أن الإعلام بعد خطاب السيسي، لم يترك الفرصة كعادته، في النيل من شيخ الأزهر، والتطاول على مقامه، والهجوم المتواصل عليه، في الوقت الذي يكتب شيخ الأزهر بيانا بمناسبة شهر رمضان، يدعو فيه للتسامح، وتصفية النفوس والقلوب، إذ بإعلام السيسي يشعل مواقعه بالتجاوز في حق الرجل والمؤسسة التي يرأسها.

أراد السيسي وإعلامه شغل الناس بقضية توثيق الطلاق، وكأنها كبرى المشكلات الأسرية في مصر، بينما تسبب هذا النظام بإجرامه وجبروته، من حرمان زوجات من أزواجهن، والتنكيل ببيوت وأسر كثيرة، فلو حسبنا كل معتقل من الستين ألف معتقل وراءه أسرة صغيرة وكبيرة، لتجاوز العدد ستين ألف أسرة بدوائرها، بل لو رحنا ننظر لتبعات استبداد هذا النظام، سنجد حالات طلاق كان سببها اعتقال الزوج، سواء مع إسلاميين، أو مدنيين، فهل كانت مشكلة الطلاق هنا التوثيق أو الشفهي؟

إن هذا النظام نفسه هو المشكلة، والطلاق الوحيد الموثق الذي يسعى الشعب المصري لنيله، هو الطلاق البائن من هذه السلطة، طلاقا بائنا لا رجعة فيه.

Essamt74@hotmail.com