ابتسم أيها الجنرال.. الدراما في مواجهة الاستبداد

لعقود كانت المسلسلات والدراما العربية رهينة الاستبداد والسلطات الحاكمة، وحتى رهينة أجهزة المخابرات العامة، إذ قلّما يظهر عمل درامي عربي دون أن يكون موافقا عليه من أجهزة السلطة بكافة أفرعها، والدليل العملي هو سيطرة وتحكم السلطات الحاكمة على القنوات التلفزيونية التي ستبث مثل هذه الأعمال. ومن هنا نرى أن مسلسل ابتسم أيها الجنرال هو الأول من نوعه الذي يظهر ضد سلطة لا تزال في قصرها، والأول من نوعه أيضاً الذي يظهر دون رقابة، مع أن المستهدف شخصيات لا تزال على رأس عملها في السلطة.

وعلى الرغم من تحاشي تسمية أبطال المسلسل، بأسماء السلطة المستبدة الحاكمة في دمشق، لكن الكل يعلم ويعرف أن الإسقاطات صحيحة على مستوى القيادات السياسية والأمنية وحتى المسؤولين الأدنى رتبة ووظيفة، ولا أدلّ على صحة الإسقاطات هذه حجم الردود المباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي من عائلة آل الأسد التي ظهرت مباشرة بعد الحلقات الأولى، والتي تتحدث عن قوة وثبات العائلة في مواجهة المسلسلات وبوجه كل من يريد النيل منها، وفقاً للغة الخشبية التي تميّزت بها العائلة طوال خمسين عاماً من حكمها.

يقولون إن الأفكار والآراء تظل حبيسة الطبقة النخبوية، إلى أن تنعكس في أشكال دراما، فتتحول إلى أعمال شعبية، فتحقق بالتالي الهدف في مخاطبة الجميع، وتتحول إلى حالة اجتماعية عامة، يغدو من الصعب على السلطات الحاكمة تجاهلها، فتفرض على السلطة الحاكمة التعامل والتعاطي معها

يقولون إن الأفكار والآراء تظل حبيسة الطبقة النخبوية، إلى أن تنعكس في أشكال دراما، فتتحول إلى أعمال شعبية، فتحقق بالتالي الهدف في مخاطبة الجميع، وتتحول إلى حالة اجتماعية عامة، يغدو من الصعب على السلطات الحاكمة تجاهلها، فتفرض على السلطة الحاكمة التعامل والتعاطي معها بشكل مباشر ولحظي دون تأخير أو تعويق.

ولعل ما حصل في مسلسل ابتسم أيها الجنرال يعكس هذه الحالة تماماً، خصوصاً وأنها أتت بعد تحرك سياسي من بعض الدول لتعويم النظام التي فضحها المسلسل، وفضح مكنوناتها الداخلية. والأسوأ من ذلك أن المسلسل ذكّر بتاريخ وبممارسات هذه السلطة المستبدة بحق الشعب السوري وبحق جيرانه، وحتى بحق الدول الغربية حين نرى استغلال حيدر لسجناء عنده من أجل القيام بعمل عدواني ضد السفير الفرنسي، وهذه من طبيعة السلطة الحاكمة في دمشق طوال نصف قرن كما رأينا وعاين الجميع.

بكل تأكيد لم يتصور آل الأسد لعقود أن يأتي من ينال منهم ويتجرأ عليهم في مسلسل علني كهذا، فيهزأ بهم، ويفضحهم على رؤوس الأشهاد، وهم لا يزالون في السلطة، وهو أيضاً يتحداهم بشخصه وشخصيته، معروف العنوان لهم وللجميع، في حين الكل يعلم ما حصل لصحافيين كبار من أمثال سليم اللوزي، صاحب جريدة الحوادث، وسمير قصير، وما حصل لصحيفة السياسة الكويتية، وكذلك ما حصل لسياسيين من أمثال صلاح الدين البيطار في باريس، ونزار الصباغ في إسبانيا، وكذلك مع بنان الطنطاوي، زوجة المعارض السوري المعروف عصام العطار، في آخن بألمانيا، حين تمت تصفيتهم وغيرهم كثير بدم بارد دون أن يطالب أحد بدمائهم.

لعب المسلسل دوراً كبيراً في توحيد الرواية والسردية للثورة السورية، وجدد الدورة الدموية العدائية ضد النظام الذي سعى من خلال حلفائه الإقليميين والدوليين إلى كسر الحصار المضروب عليه، ليأتي هذا المسلسل ليجدد وينبش إرث وموروث النظام الكئيب على مدى خمسين عاماً، من أساليبه وتكتيكاته في زرع الفتنة والشقاق، وفي ممارساته اليومية ضد الشعب السوري وضد الجوار وحتى الجوار الأبعد

أفراد النظام في دمشق بكل تأكيد يتسمّرون يومياً أمام محطات التلفزة التي تبث هذ المسلسل، ويتسمّر معهم مئات الآلاف وربما أكثر من مؤيديهم لمشاهدة المسلسل الذي يتحدث عنهم، والذي قد يصبح صاحب مواسم عدة، تماماً كما حصل مع باب الحارة بغض النظر عن تقييمنا له، ولكن في موسمه الأول لا شك أنه حصد مشاهدات واهتماماً عربياً وحتى عالمياً، تماماً كما حصل مع هذا المسلسل الذي حصد مشاهدات ومتابعات غير طبيعية قياساً بمسلسلات شبيهة أو قريبة له في رمضان الحالي. لقد كسر حاجز المشاهدة العربية، ويظهر ذلك بحجم المتابعة من خلال السوشيال ميديا، ومن خلال اليوتيوب، والتفاعلات معه على مواقع التواصل الاجتماعي.

لقد أعاد المسلسل بكل تأكيد هوية الثورة السورية، وشدّ عصب المعارضة ضد هذا النظام بعد أن بدأ يلهث خلفه الكثير من الدول تطبيعاً، ومصالحة، ولكن بعرض هذا المسلسل الذي منعت كثير من الدول العربية تصويره على أراضيها، استطاع المسلسل أن يشد عصب الثورة ويوحد الهوية الثورية للشعب السوري، فنجح بتوحيد السردية والرواية لطبيعة الصراع مع هذا النظام، وهو أمر في غاية الأهمية. إذ إن هذا الجهد من الصعب على السياسي أن يقوم به، لأنه يبقى له مصلحة سياسية في محاكمة الأمور، أما الدراما فحدودها وجمهورها أعلى من السياسي وغير السياسي.

وعلى هذا فقد لعب المسلسل دوراً كبيراً في توحيد الرواية والسردية للثورة السورية، وجدد الدورة الدموية العدائية ضد النظام الذي سعى من خلال حلفائه الإقليميين والدوليين إلى كسر الحصار المضروب عليه، ليأتي هذا المسلسل ليجدد وينبش إرث وموروث النظام الكئيب على مدى خمسين عاماً، من أساليبه وتكتيكاته في زرع الفتنة والشقاق، وفي ممارساته اليومية ضد الشعب السوري وضد الجوار وحتى الجوار الأبعد.