قال رئيس حركة النهضة راشد
الغنوشي، إن
تونس قادرة على بناء
ديمقراطيتها، لكن الذي يقف في الطريق هو رئيسها، كاشفا السبب عن حملة الاعتقالات الواسعة التي يشنها
قيس سعيد.
ونشرت صحيفة
واشنطن بوست، مقالا كتبه الغنوشي وترجمته
"عربي21"، قبل أسبوعين، وأرسلته ابنته يسرى الغنوشي، يشرح فيه الوضع
الحالي في تونس، ويستعرض فيه جهود المعارضة لإعادة الديمقراطية إلى البلاد، لحل
الأزمات السياسية والاقتصادية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الغنوشي، بات اليوم في السجن للمرة الثانية في
حياته، بعمر الـ81 عاما، بتهمة التآمر ضد الدولة الأمنية، واعتقل قبل ثلاثة أيام من
عيد الفطر.
وقال الغنوشي في المقال: "طوال العقود
الست الماضية حاولت التمسك بمبدأ بيركليس، وهي أن الحرية ملك الذين لديهم الشجاعة
للدفاع عنها، حيث قضيت وقتا طويلا في أقبية الديكتاتوريين، وتعرفت بالتجربة على
قيمة الديمقراطية ولماذا يجب الدفاع عنها بأي ثمن، ولأني كافحت من أجل الحرية
والتعددية السياسية في بلدي طوال الأربعين السنة الماضية، فلن أتوقف الآن".
وأضاف أن "تونس أصبحت بعد ثورة 2011 رمزا
لكل المنطقة العربية والعالم".
وتابع: "إلا أن الجهود المضنية لبناء
الديمقراطية، تم التراجع عنه في خلال الـ 21 شهرا على يد الرئيس قيس سعيد الذي بدأ
عملية الاستيلاء على السلطة في 25 تموز/ يوليو 2021. وأملت علي مبادئي أن أتحدث ضد
الانقلاب منذ ذلك الوقت".
وشدد على أنه رغم كل المحاولات للتواصل مع سعيد،
لمصلحة إنقاذ البلد، من الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، التي أغرقت بها
تونس، إلا أن رده المستمر كان اعتقال وسجن وشيطنة المعارضة بمن فيهم أعضاء حركة
النهضة، وصحفيون وقضاة وقادة مجتمع مدني ورجال أعمال واجهوا التخويف والطرد
والاتهامات الواهية".
وقال الغنوشي: "أنا وحدي رفعت ضدي وضد
أفراد عائلتي 10 ملفات زائفة، أمام المحكمة وعانيت ساعات وأيام طويلة من التحقيقات
في المحاكم، ومع تجريد القضاء من استقلاله، لم يعد أي معارض آمن من الاعتقال".
ولفت إلى أن رموزا من المعارضة والأحزاب
والمجتمع المدني، عملوا في الأشهر الأخيرة دونما كلل لبناء حلول متماسكة للأزمة
الحالية، وقدموا مقترحات لإعادة عمل مؤسسات الديمقراطية الشرعية والتي حلت أو تم
تقويض عملها، إلى جانب مقترحات لتعديل دستور 2014 ومعالجة القصور وتقوية المحكمة
الدستورية، من أجل منع أي ميول استبدادية من إساءة استخدام الدستور مرة ثانية.
"وفي مجال الاقتصاد، تقدم الخبراء داخل المعارضة
ببرنامج إصلاح يمكن أن تطبقه الحكومة الجديدة، والتي ستكون أولويتها منع البلاد من
الانهيار، وعندما كانت التحضيرات جارية لتقديم خطة الطريق للرأي العام، فقد بدأت جولة
جديدة من الاعتقالات التي استهدفت قادة سياسيين. فقد كان سعيد عازما على منع
التقدم إلى الأمام، وتدمير أي حلول بديلة للنظام الديكتاتوري الذي يقوم ببنائه".
وأضاف: "نرى نتائج هذه الأزمة واضحة في
تونس، شعور عام باليأس الذي دفع آلاف التونسيين لمحاولة عبور البحر المتوسط إلى
أوروبا وبطرق غير شرعية، ما أدى إلى خسارة مأساوية لحياتهم، كما أن تعليقات سعيد المشينة ضد المهاجرين الأفارقة
وأيديولوجية الاستبدال العظيم التي تبناها أدت إلى زيادة مظاهر اليأس، ويفهم
التونسيون اليوم أن خطاب سعيد الناري لا يقدم الحلول، ومنذ الانقلاب، فإنه أصبح من
الواضح أن سعيد ليس قادرا على توفير الاستقرار للبلاد فقط، بل أصبح واحدا من مصادر
المشاكل لها، وتقديم مشاكل البلاد على أنها اقتصادية يمكن حلها من خلال القروض
الأجنبية لن يوفر الاستقرار".
وقال الغنوشي، إن الطريق الوحيد لإنقاذ
التونسيين هو الحوار الوطني الذي يضم لاعبين اجتماعيين وسياسيين، وقد شاهدنا هذا
في السابق، في عام 2013 حيث قادت منظمات المجتمع المدني الحوار وأعادت البلد إلى
الانتخابات الحرة والنزيهة وكوفئت بجائزة نوبل للسلام عام 2015.
وشدد على أن بناء الإجماع عبر الحوار هو الطريق
الوحيد لإنهاء الأزمة، ويرى الغنوشي أن نجاح تونس ليس مهما للتونسيين ولكن الحكم
الرشيد والازدهار الاقتصادي هو الحل الناجع للخطاب المتطرف الذي يروج لصدام
الحضارات بين الإسلام والديمقراطية الغربية وبين الإسلام وحقوق الإنسان.
وقال: "أنا واثق من أن التونسييين سيواجهون
مرة ثانية الديكتاتورية بالطرق السلمية ويعيدون بناء النظام الديمقراطي. وهذه
المرة سيقيمون حمايات له تمنع أي شخص من العودة إلى الوراء".
وختم بالقول: "عندما ننجح في سعينا، ستكون
تونس مرة ثانية في عناوين الأخبار العالمية ولكن للأسباب الصحيحة، كمثال ونموذج
لكل الدول الإسلامية وليس دولة تسير نحو الانهيار والفشل الاقتصادي. وفي الوقت الذي
يعود فيه المستبدون، آمل رؤية مستقبل لشعبنا يدفع أحسن ما في مواطنيها للتحرر من
الطغيان".