لم تتمكن المعارضة التركية من الفوز بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، رغم تجمعها لأول مرة في تحالف غير متجانس أيديولوجيا، ولم تستطع الحصول على الأغلبية البرلمانية، كما أن مرشحها كمال
كليتشدار أوغلو خسر أمام الرئيس رجب طيب
أردوغان.
وفاز أردوغان بمدة رئاسية جديدة بعد حصوله على 52.18 بالمئة في انتخابات الإعادة التي أجريت في 28 أيار/ مايو، مقابل كليتشدار أوغلو الذي حصل على نسبة 47.82 بالمئة.
وحصل "تحالف الأمة" على 212 مقعدا، أما "تحالف الجمهور" على 323، ما منحه الأغلبية البرلمانية التي حاولت المعارضة الوصول إليها وفشلت في ذلك.
وتتكون "
الطاولة السداسية" من أحزاب "الشعب الجمهوري بقيادة كمال كليتشدار أوغلو، و"الجيد" بزعامة ميرال أكشنار، و"السعادة" بقيادة تمل كارامولا أوغلو، و"المستقبل" برئاسة أحمد داود أوغلو، و"ديفا" برئاسة علي باباجان، و"الحزب الديمقراطي" برئاسة غولتيكين أويصال.
ومنذ تأسيس الطاولة السداسية في 13 شباط/ فبراير 2022، تعرضت لأزمات عدة أبرزها "المرشح الرئاسي المشترك"، والتي كادت أن تتسبب في تفككها.
ولا تنتمي الأحزاب الستة إلى أيديولوجيات متباينة، وهي مزيج ما بين تيار اليسار القومي واليمين القومي، والأحزاب اليمينية المحافظة. والجامع الوحيد بينها أنها سعت لتغيير "النظام الرئاسي" والعودة إلى "نظام برلماني" معزز، وبناء على ذلك وضعت الخطط والمشاريع وأعلن عن "السياسات المشتركة" بينها، و"مسودة الدستور"، واتفاق "عملية الانتقال إلى الحكم البرلماني".
وكانت المعارضة التركية قد راهنت على ضعف الأداء الناتج عن سلطة أردوغان وحزب العدالة والتنمية منذ أكثر من 20 عاما، إلى جانب المشكلة الاقتصادية المتراكمة خلال السنوات القليلة الماضية، والزلزال المدمر الذي ضرب جنوب شرق البلاد في 6 شباط/ فبراير الماضي، وجميعها تطورات تخلق واقعا مفيدا بالنسبة لها، ويمنحها المزيد من الآمال للفوز.
وراهنت المعارضة التركية، على أن الناخبين غير الراضين لأسباب مختلفة عن أداء حكومة حزب العدالة والتنمية، سيلجأون إليها، لكنها اصطدمت بالخلافات بينها والاستراتيجية التي بناها أردوغان القائمة على أساس خدماتي.
مجلة "
كريتر" التركية في عددها الشهري، أشارت في مقال حميد إيمره بيرش، إلى أبرز الأسباب التي ساهمت في فشل المعارضة بالفوز في
الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
جدل "المرشح المشترك"
وتعد النقاشات المتعلقة بـ"المرشح المشترك" قائمة طوال أكثر من عام على تشكيل "الطاولة السداسية"، حيث لم يتم التوصل إلى نتيجة بشأنه.
وذكر الكاتب، أن الطاولة السداسية أعطت انطباعا لدى الشعب أن المرشح جرى تحديده، ولكن لن يتم الإعلان حتى لا يتم إضعافه. ومع اقتراب موعد الانتخابات، أصبح من الواضح أن كليتشدار أوغلو كان يركز على ترشيحه للرئاسة، في حين أن الشركاء الآخرين وخاصة حزب الجيد موقفهم لا يتوافق مع ذلك.
وفي الوقت الذي كانت فيه تركيا بأكملها منغمسة في قضية الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب شرق البلاد، كانت المعارضة تركز على مسألة "المرشح المشترك".
وعندما ظهر أن كليتشدار أوغلو المعروف بأنه ضعف بدرجة كافية، كمرشح مشترك، فلم تستطع الطاولة السداسية تقديم تفسير للمجتمع حول سبب الانتظار المطول بشأنه، فقد أجهدت المعارضة نفسها في النقاشات المتعلقة بالمرشح. كما أن طرح اسمه تسبب في خيبة أمل كبيرة لدى ناخبي "تحالف الأمة".
وخلال مناقشات "المرشح المشترك"، كان هناك توقع لدى الكتلة الانتخابية لـ"تحالف الأمة"، بما في ذلك أعضاء في حزب الشعب الجمهوري، أن يظهر مرشح آخر غير كليتشدار أوغلو الذي كانت دوائر المعارضة تعارض ترشحه، لدرجة أن أكشنار غامرت في كسر الطاولة. ولم تتمكن بعودتها إليها من إصلاح الضرر الذي خلفته. كما لم تستطع المعارضة فرض اسم جديد يمكن من خلاله الحصول على أصوات الناخبين الآخرين.
وذكر الكاتب، أنه من الصعب التنبؤ بشأن الصورة التي قد تظهرها انتخابات 14 آيار/ مايو، إذا تم تقديم مرشح آخر، ومع ذلك فإنه كان معلوما من البداية أن هناك حدا للأصوات التي يمكن أن يحصل عليها كليتشدار أوغلو، لا سيما أنه شخصية لم تتمكن من تحقيق زيادة كبيرة في الأصوات في أي انتخابات عامة أجريت تحت رئاسته منذ 13 عاما.
ونوه الكاتب إلى أنه على فرضية ترشيح مرشح آخر غير كليتشدار أوغلو، فإن ذلك لن يغير فرضية فوز أردوغان أيضا، لأن كافة الأسماء المتداولة لديها نقاط ضعف، وعلى سبيل المثال فإن منصور يافاش وأكرم إمام أوغلو ليس لديهما خبرة سياسية كبيرة، وهناك شكوك من إمكانية تحقيقهما نجاحا مماثلا في الانتخابات البلدية عام 2019، إذا ترشح أحدهما إلى الرئاسة.
الدعاية السلبية
وانتهجت المعارضة التركية دعاية سلبية خلال الحملة الانتخابية، في مقابل نجاح استراتيجي لحملة أردوغان التي اعتمدت على العديد من القضايا لا سيما حل مشاكل البنية التحتية التي تدركها فئة الناخبين الذين يعون جيدا مشاكل البلاد منذ ستينيات القرن الماضي، وهؤلاء من أبقوا حزب العدالة والتنمية على سدة الحكم منذ أكثر من 20 عاما، بحسب الكاتب التركي.
وتابع الكاتب بأن هذه المقارنة مع الماضي، لا تعني الكثير بالنسبة لجيل الشباب، الذين يشكلون نصف جمهور الناخبين، ولذلك اتخذ حزب العدالة والتنمية نموذج "قيزل إلما" للشباب، وقام بشرح المثل الأعلى لتركيا لتصبح قوة عالمية في السنوات القادمة كما هو الحال تاريخيا، وتم دعم الادعاء من خلال التحركات التي تمت في مختلف المجالات لا سيما في صناعة الدفاع والخطوات الدبلوماسية المتخذة. وهكذا من خلال إحياء "الفخر الوطني"، تم تقديم الوعد بمستقبل أفضل لجميع الشرائح لا سيما فئة الشباب.
وردا على ذلك، حاولت المعارضة دفع المجتمع إلى حالة التشاؤم، وحاولت التقليل من الإنجازات المتعلقة بشأن إنتاج السفن والطائرات الوطنية والمسيرات التي أثارت تفاخر المجتمع بها، والتقليل من شأن المكاسب التي حققتها تركيا من خلال التحركات الدبلوماسية، وركزت على انتقاد التطورات الحالية بدلا من طرح توقعاتها المستقبلية، مما أسهم في توحد الناخبين لدى "تحالف الجمهور".
وأدلى متحدثون باسم المعارضة، بتصريحات ضد السياسات التي تنتهجها تركيا في السياسة الخارجية، بما فيها الدعم المقدم إلى أذربيجان في حرب قره باغ، واستخدام "الفيتو" على عضوية السويد في الناتو، وقضية الجرف القاري في شرق المتوسط، والقضية القبرصية، والتي تعد قضايا دعمها الناخبون بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية.
وعلى الرغم من أنه كان من الواضح أن هذه الرسائل التي تهدف إلى إرسالها إلى العالم الغربي لن يكون لها تأثير إيجابي على الرأي العام الداخلي، إلا أن أعضاء حزب الشعب الجمهوري على وجه الخصوص لم يتخلوا عن هذا النهج بإصرار. كما أن الدعم الغربي يكتسب أهمية أكبر من نظيره السياسي داخل البلاد.
مشكلة المصداقية
دخل أردوغان الانتخابات بمشاريع كبيرة، خاصة خلال الفترة الأخيرة من حكم حزب العدالة والتنمية، تم تحقيق زخم مهم في العديد من المجالات، بما في ذلك الإنتاج المحلي والوطني، وكذلك اكتشاف مصادر طاقة جديدة.
في المقابل، اتضح أن كليتشدار أوغلو لم يكن لديه أي مشاريع ملموسة وواقعية. وزعم أنه سيحل كافة المشاكل الاقتصادية للبلاد بمبلغ 300 مليار دولار سيجلبه من الخارج، ولكن عندما بدأ التساؤل حول كيفية ذلك، تخلى عن طرحها.
كما أن كليتشدار أوغلو، قدم وعودا ذكرها لمرة واحدة، ولم يعد تكرارها للمرة الثانية، ولذلك لم يكن لدى الناخبين أي معلومات حول السياسات التي يجب اتباعها خلال فترة حكومته المحتملة.
وأشار الكاتب إلى أنه لم يكن هناك خطاب موحد بين شركاء التحالف، ولا حتى لغة مشتركة، لدرجة أنه على الرغم من الاجتماعات المطولة للطاولة السداسية، لم يكن من الواضح الاتجاه الذي سيتبعه الشركاء في مواضيع السياسة الرئيسية.
وعلى سبيل المثال، زعم كل طرف أنه سيكون مسؤولا عن إدارة الاقتصاد، وأسهمت هذه التصريحات المتناقضة في تدمير مصداقية التحالف. كما أنه تجلى الموقف المتناقض ذاته في العديد من القضايا المتعلقة بمكافحة الإرهاب والسياسة الخارجية.
وشدد الكاتب على أن الافتقار إلى وحدة اللغة والخطاب بين شركاء التحالف أحد العوامل في قرار الناخبين تجاه أردوغان.
العلاقة مع حزب الشعوب الديمقراطي و"العمال الكردستاني"
ولم يستطع "تحالف الأمة" أن يشرح للرأي العام في تركيا، إطار التعاون القائم مع حزب الشعوب الديمقراطي، وكيف ينظر إلى الارتباط بين الحزب الكردي ومنظمة العمال الكردستاني.
وأوضح الكاتب أن "تحالف الأمة" استخدم تفسيرات عدة، في إطار أن حزب الشعوب الديمقراطي ليس شريكا معه، وأنه أيضا لم تكن هناك علاقة مؤكدة بين "الشعوب الديمقراطي" و"العمال الكردستاني".
ومنذ البداية، كان على كليتشدار أوغلو الحصول على دعم حزب الشعوب الديمقراطي، وقد كان العامل الحاسم الرئيسي الذي مكنه من أن يصبح مرشحا لـ"تحالف الأمة" هو الحصول على دعم الحزب الكردي. ومع ذلك، فإن ردود الفعل التي قد تأتي من ناخبي التحالف، وخاصة بعض أعضاء الحزب الجيد، حالت دون الإعلان الصريح عن هذا التعاون.
ونوه الكاتب إلى الدعم المعلن من منظمة العمال الكردستاني لكليتشدار أوغلو، وسط تصريحات موجهة ضد أردوغان، وهكذا فقدت التصريحات القادمة من "الشعب الجمهوري" و"الجيد" معناها، وبسبب القلق من فقدان الدعم من حزب الشعوب الديمقراطي، تجنب شركاء "تحالف الأمة" الإدلاء بتصريحات ضد المنظمة التي تصفها تركيا بـ"الإرهابية".
وعلى الرغم من أن شركاء التحالف، صوتوا لصالح كليتشدار أوغلو، إلا أن الدعم المقدم من حزب الشعوب الديمقراطي و"العمال الكردستاني" منع الوصول إلى شرائح جديدة من الناخبين.
هزيمة حتمية
وكان الشيء الرئيسي الذي كان يجب القيام به من أجل الفوز في الانتخابات، هو التأكد من أن بعض الناخبين الذين صوتوا سابقا لأردوغان سيبقون إلى جانبهم، ومع ذلك، تصرفت المعارضة كما لو أنها لم تكن على علم بمثل هذا الواقع.
وسمحت الحملة، التي أجريت على أساس عداء صارم لأردوغان، لكليتشدار أوغلو بتوحيد ناخبي المعارضة حوله.
ورأى الكاتب أن "تحالف الأمة" وكليتشدار أوغلو فشلا في تقديم مشروع متكامل للناخبين، وعليه فإن نتائج الانتخابات كانت واضحة منذ البداية.
وأشار إلى أن المعارضة كانت بحاجة إلى تطوير استراتيجية تجعل كل شيء على ما يرام، وعندما لم تتمكن حتى من التغلب على تناقضاتها الخاصة منذ البداية، أصبح مصيرها الهزيمة في مواجهة الرئيس أردوغان، الذي أدار العملية مرة أخرى بشكل صحيح.