أفكَار

عبد الله جاب الله: تعطيل العمل بالشريعة مدخل للاستبداد في عالمنا العربي

جاب الله: الأنظمة العربية آخذة في نشر الفكر العلماني والمنظور الحضاري الغربي عبر مختلف السياسات والبرامج التعليمية والإعلامية.. (فيسبوك)
يرى الداعية والسياسي الجزائري عبد الله جاب الله، في هذا الرصد لعمل الإسلاميين في العالم العربي، الذي كتبه للنشر المتزامن بين "عربي21" وصفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن  تعطيل العمل بالشريعة مدخل لترسيخ الاستبداد في عالمنا العربي، ويشرح ذلك بالتفصيل كما يلي:

تعطيل العمل بالشريعة

من العقبات والمعوقات الخارجية كذلك، تعطيل العمل بالشريعة، فأكبر سبب فيما حلّ بالأمة من أزمات، وفي فشل مشاريع الإصلاح المختلفة وبرامج محاولة النهوض بالأوضاع، وفيما انتشر من استبداد وفساد، وفي تعفن الحياة السياسية ولواحقها، مما أجملنا القول فيه سابقا، إنما هو تعطيل العمل بالشريعة وتغييب الإسلام ـ الذي جاء في الكتاب والسنّة، وطبّقه الرسول صلى الله عليه وسلم، وحكم به الخلفاء الراشدون، وكان مرجعية الدول والحكومات التي تعاقبت على حكم الأمّة قرونًا طويلةً من الزمن، مع تفاوت معروف في درجات الالتزام والاتّباع من حاكم إلى آخر ـ بصفة كاملة عن حكم حياة الناس وتسيير شؤون دولهم وأنظمة حكمها، حتى أضحى غريبًا على أوطانه منكورًا بين أهله.

يقول الشيخ القرضاوي تحت عنوان غربة الإسلام عن ديار الإسلام، بعد تشخيصه لواقع الأمة وأنظمة حكمها: "وأساس هذا كله أنّ الإسلام بشموله وتكامله وتوازنه غائبٌ عن الساحة غريبٌ في أوطانه منكورًا بين أهله معزولاً عن الحكم والتشريع وعن توجيه الحياة العامة، وشؤون الدولة في سياساتها واقتصادها وسائر علاقاتها بالداخل والخارج، وفرض على الإسلام أن يتقوقع في العلاقة بين المرء وربه، ولا يتجاوزها إلى العلاقات الاجتماعية أو الدستورية أو الدولية، ومعنى هذا أنّه فرض على الإسلام أن يكون نسخة من النصرانيّة في عهد انكماشها، أي يكون عقيدة دون شريعة وعبادة دون معاملة ودينا دون دولة، وقرآنا دون سلطات".

وصدق الشيخ حفظه الله، ولذلك فلا غرابة أن ينتشر الفساد والفتن في حياة الأمة فالله تعالى يقول: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[النور:63]. ويقول: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾[طه: 124].

سقوط أنظمة الحكم في يد العلمانيين

من العقبات الكأداء أيضا سقوط أنظمة الحكم في بلادنا وفي معظم العالم العربي والإسلامي في أيدي النخب العلمانية التي تتبنى الفهم الفرنسي للعلمانية، وهو أشد فهم وأسوؤه، لأنه يجعل الأنظمة بما تملك من قوة متنوعة في حرب مستمرة على الإسلام في بعديه الأساسيين: البعد الشمولي الذي يجعل منه دينًا ودولةً عقيدة وعبادة وأخلاقا ومعاملات، فيخضع جميع مناحي حياة الأفراد والأسر والمجتمعات، وسائر مؤسسات الدولة وسياساتها المختلفة في مجالات الحياة المختلفة، وجميع مواقفها وعلاقاتها لأحكام الشريعة، والأنظمة المحكومة من العلمانيين ترفض ذلك.. ترفض العمل بشريعة الله تعالى وترى فيها إجحافا أو باطلا أو ظلما أو عجزا عن النظر في قضايا الدولة والمجتمع والفصل في شؤونها والحكم بينها.

والعلمانيون وإن تظاهروا بالإسلام وقالوا أنّهم مسلمون ومارس بعضهم بعض الشعائر التعبدية لا يرضون به نظاما لحياتهم، ولا يقبلون أن تكون شريعته قاضية بينهم ولا حاكمة في شؤونهم، ويضيقون الخناق على التيار الإسلامي لأنه يدعوهم لذلك، وقد وصل الأمر ببعض الأنظمة إلى اتّباع سياسة محاولة القضاء على العاملين في الحقل الإسلامي، بالحرمان من الحقوق وحملات التشويه في الإعلام وبالتحقيقات المستمرة والسجن والفصل من الوظائف والحرمان من النشاط، وقد وصل الأمر في كثير من الأحيان إلى القتل والسجن المؤبد أو لفترات زمنية طويلة، وغير ذلك من صور الحرب التي تشنها الأنظمة على هذا التيّار.

كما أن هذه الأنظمة آخذة في نشر الفكر العلماني والمنظور الحضاري الغربي عبر مختلف السياسات والبرامج التعليمية والإعلامية، وتشجيع من يتبنى ذلك من الأحزاب والمنظمات والجمعيات والفضائيات والجرائد والإذاعات، حتى تنشأ أجيال لا تعرف من الإسلام إلاّ الفهم العلمانيّ له، وهو فهم كنسي بشعارات إسلامية، والإسلام براء من ذلك.

والبعد الثاني هو بعد المسؤولية الجماعية على هذا الدين، فالأنظمة وامتداداتها في التيّار العلماني تريد أن يكون الإسلام مجرد عقيدة وعبادات يؤديها الفرد بصفته الفردية وتمنع أن تؤدى بصفة جماعية، فالمسؤولية على الدين عندها مسؤولية فردية بحتة فمن شاء أن يصلي أو يصوم أو يحج فله ذلك على أن يسمع في ذلك أيضا لما تقرره السلطة عبر أجهزتها ومؤسسات للشؤون الدينية.

أما أن يحاول المسلمون الارتقاء بإيمانهم إلى مستوى التعظيم والتوقير والنصرة والتأييد للإسلام والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به وبلغه عن ربه سبحانه وتعالى، ويعملوا على آداء واجباتهم في التبليغ والتعليم والتربية والالتزام والنصرة والاتّباع بكل أنواع الجهود الفردية والجماعية وبكل ما يتيسر لهم من أسباب القوة المادية والمعنوية، فهو ممنوع ويتعرض من يفعل ذلك إلى كل أنواع الأذى والحصار.

إنّ الأنظمة والحكومات المتبنية للفهم الفرنسي للعلمانية قد جعلت الدولة في حرب مستمرة للإسلام ودعاته، وقد تسبب ذلك في كل ما حلّ بالأمة من أزمات ومصائب اللاأمن وعدم الاستقرار والفوضى والفتن والاضطرابات، وقد عمّق الهوّة بين الأنظمة وحكوماتها وبين شعوبها وطاقات الأمة الحيوية، وقد انعكس ذلك سلبا على أوضاع البلدان السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وغيرها، وسهل على الأعداء الخارجيين تنفيذ مخططاتهم في أوطاننا.

عدم استعداد النظام الحاكم للنـزول عند مقتضيات التحول الديمقراطي التعددي

من العقبات الخارجية أمام التيار الإسلامي والمعوقات لمسيرته أيضا عدم استعداد النظام الحاكم النزول عند مقتضيات التحول الديمقراطي التعددي والقبول بما يفرزه من نتائج، ذلك أنّ مسيرة أكثر من ربع قرن من التحول الديمقراطي التعددي تؤكد عدم قناعة النخب النافذة في القرار بحق الشعب في الاختيار والمحاسبة، وحق المواطنين في التمتع بالحريات السياسية قولاً وعملاً وتنظيمًا وممارسةً، وإنّما كان محاولة منهم لامتصاص غضب الأمّة الذي عبّرت عنه انتفاضة أكتوبر 1988.

ولذلك شاهدنا ولا نزال التدخل في الشؤون الداخلية للأحزاب لإبعاد من لا ترضى عنه من قيادات، وتسخير الإدارة والقضاء لتحقيق ذلك، وتوظيف الإعلام لتشويههم.

 وشاهدنا ولا نزال افتكاك الأحزاب من أصحابها الشرعيين، وتوظيف الداخلية والقضاء لتحقيق ذلك مثلما حصل مع حركة الإصلاح الوطني،  وشاهدنا ولا نزال التدخل في حرية التعبير وتسخير التلفزيون الرسمي وسائر الفضائيات الأخرى ومختلف الجرائد إلاّ ما ندر ـ لخدمة أحزاب الولاء ومرشح النظام للرئاسيات، ووضع إمكانيات الدولة من إدارة وقضاء ووسائل لخدمتهم وتجنيد السلطات المحلية للقيام بالحملة الانتخابية لصالحهم.

وشاهدنا ولا نزال تعطيل عمل المؤسسات التشريعية والرقابية إلاّ في حدود ما تريد السلطة التنفيذية والأمنية مما يخدم مصالحها.

وشاهدنا ولا نزال تسخير القضاء لإضفاء الشرعية على تزوير الانتخابات وإصدار العقوبات ضد من يريد أصحاب القرار إهانته من شخصيات وأحزاب وغيرهم.

من العقبات الخارجية أمام التيار الإسلامي والمعوقات لمسيرته أيضا عدم استعداد النظام الحاكم النزول عند مقتضيات التحول الديمقراطي التعددي والقبول بما يفرزه من نتائج، ذلك أنّ مسيرة أكثر من ربع قرن من التحول الديمقراطي التعددي تؤكد عدم قناعة النخب النافذة في القرار بحق الشعب في الاختيار والمحاسبة، وحق المواطنين في التمتع بالحريات السياسية قولاً وعملاً وتنظيمًا وممارسةً
 وشاهدنا ولا نزال استغلال المال العام لصالحهم وصالح أوليائهم دون التفات لقانون ولا احترام لحق.

 وشاهدنا ولا نزال تسخير الإدارة والخزينة العامة والإعلام وأجهزة الأمن لخدمة ما يريده النظام ورأسه من مشاريع ولو خالفت القانون والمنطق وجانبت الحق والصواب.

 وآخر ما شاهدناه، إقدام النظام على ترسيم نتائج الانتخابات المزورة لسنة 2012 بإصدار قانون معدل لقانون الانتخابات، يشترط حصول الأحزاب على نسبة أربعة بالمائة من الأصوات المعبر عنها في انتخابات 2012 المزورة للمشاركة في الاستحقاقات المقبلة، وإلاّ وجب عليها جمع التوقيعات بأعداد حددها القانون، وبهذا ضمن بقاء أحزاب الموالاة وحدها في الساحة السياسية، وجعل من بقية الأحزاب مجرد ديكور يزين المشهد السياسي، ولا يشكل أي خطر عليه ولا على أحزابه،  إلى غير ذلك من صور العدوان على التعددية وعلى حقوق الأمة السياسيّة وغيرها، وكل هذا زاد من تيئيس النّاس عامّة وأنصار التيّار خاصّة في العمل السياسيّ ودفعهم إلى مقاطعة الانتخابات.