صحافة دولية

مؤرخ يحذر من "سيناريو كارثي" بين الصين والولايات المتحدة

اعتبر المؤرخ الاسكتلندي نيال فيرغسون أن العالم يشهد حربا باردة ثانية على ضوء الصراع الصيني الأمريكي - الأناضول
اعتبر المؤرخ الاسكتلندي نيال فيرغسون في تحليل نشرته وكالة  "بلومبيرغ" للأنباء، أن الولايات المتحدة والصين تخوضان "حربا باردة مجنونة" من شأنها أن تؤدي إلى دمار مالي متبادل بين القوتين العظميين.

وقال فيرغسون إن "التدمير المتبادل المؤكد كان واحدا من تلك المفاهيم المروعة التي انبثقت عن نهج نظرية اللعبة في التعامل مع الاستراتيجية النووية في الستينيات خلال التنافس العالمي بين أمريكا بين والاتحاد السوفييتي، والذي يصفه الآن بـ "الحرب الباردة الأولى".

وفي المراحل الأولى للحرب الباردة الثانية بين واشنطن وبكين، يوجد مفهوم مماثل يؤكد أن هذا الصراع يحمل أيضا بعدا نوويا، بعد أن قامت الصين بتوسيع ترسانتها النووية بشكل كبير، وفقا لفيرغسون.

"دمار مالي مؤكد"

وأشار المؤرخ إلى أن الناس لا يشعرون بالقلق الشديد إزاء هذا الجانب من التنافس الصيني الأميركي، لأنه "الدمار المالي المؤكد المتبادل" هو الذي يقيد القوى العظمى اليوم، وهو ما يميز أيضا الحرب الباردة الثانية عن الحرب الباردة الأولى بشكل واضح.

وصحيح أن رائحة الانفراج الباهتة كانت تملأ الأجواء هذا العام. فوفقا لما نقله فيرغسون عن كورت كامبل، رئيس منطقة المحيطين الهندي والهادئ في مجلس الأمن القومي، فإن إدارة الرئيس جو بايدن "تسعى إلى تفاعلات حذرة ومثمرة واستراتيجية مع الصين، عبر مجموعة متنوعة من المجالات".

وكانت في زيارتها الأخيرة إلى بكين وشانغهاي، ضمنت وزيرة التجارة الأمريكية جينا ريموندو الالتزام بتشكيل "مجموعات عمل" جديدة بشأن القضايا التجارية، وأخرى بشأن ضوابط التصدير.

ومع ذلك، أوضح فيرغسون أن الوزيرة رفضت طلبا صينيا بتخفيض الرسوم الجمركية الأمريكية على البضائع الصينية، بالرغم من أنه لم تكن هناك مناقشة لقواعد وزارة التجارة الصادرة في أكتوبر 2022 والتي تحد من وصول الصين إلى أشباه الموصلات المتطورة والآلات التي تصنعها.

وفي أوائل آب /أغسطس الماضي، أعلن البيت الأبيض عن قيود جديدة على الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي الصيني والحوسبة الكمومية وأشباه الموصلات من قبل شركات الأسهم الخاصة ورأس المال الاستثماري الأمريكية.


ونوه المؤرخ إلى أنه بسبب هذه التدابير جزئيا، وتوقعا للمزيد في المستقبل، يحدث الانفصال الاقتصادي الآن بسرعة كبيرة، حيث انخفضت حصة الصين من الواردات الأمريكية بشكل حاد منذ عام 2017. وباع المستثمرون الأجانب ما قيمته 12 مليار دولار من الأسهم الصينية، وهو أكبر تحول هبوطي منذ بدء التداول الخارجي في الأسهم المدرجة في شنغهاي وشنتشن في أواخر عام 2014. والصين، التي بدا أنها تتعافى في عام 2021، تراجعت منذ ذلك الحين.

وفي ضوء كل ما سبق، فإن كلا الجانبين يعاني من نقاط ضعف اقتصادية تعمل على تقويض الدوافع الرامية إلى الحد من الاعتماد المتبادل، إذا كان تعافي الجانب الصيني من نظام "صفر كوفيد" باهتا، بحسب تعبير الكاتب الذي أشار إلى إن المشاكل التي تواجهها الولايات المتحدة هي في بعض النواحي صورة طبق الأصل، رغم أدائها الاقتصادي الجيد، مع التشغيل الكامل للعمالة، واستمرار المستهلكين في الإنفاق، وانخفاض التضخم، ولكن هذه الصحة الواضحة تخفي ضعفا بنيويا حادا على الجانب المالي.

وأوضح المؤرخ أنه من الصعوبة في ظل هذه الظروف تخيل كيف قد تكون المواجهة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين قابلة للاستمرار من الناحية المالية، بصرف النظر تماما عن الصعوبات العسكرية والبحرية.

تايوان.. "سيناريو كارثي"

ويستدل  فيرغسون بحديث مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بيل برنز،  في شباط /فبراير الماضي، الذي أشار الأخير خلاله إلى السيناريو الأكثر احتمالا لتحرك الصين ضد تايوان التي تتوعد بضمها إلى سيادتها ضمن رؤية "الصين الواحدة"، وتابع بالقول: نحن نعرف من منظور استخباراتي أن الرئيس الصيني أمر جيش التحرير الشعبي بالاستعداد لغزو تايوان بنجاح عام 2027"



وبيّن برنز أن ذلك "لا يعني أنه هذا هو القرار الصيني النهائي، لكنه يذكر بخطورة تركيز بكين وطموحها في السيطرة على تايوان".

وفي حال اختارت الصين سيناريو حصار الجزيرة بدل الهجوم المباشر، يشير المؤرخ الاسكتلندي إلى أنه من المستحيل تحديد إلى أي مدى سيستعد الصينيون لحرب واسعة النطاق مع الولايات المتحدة في تلك الحالة. والمعضلة التي تواجهها الصين هي أنه إذا كانت هناك حرب مع أمريكا، فمن الأفضل لهم أن تقوم بتوجيه الضربة الأولى من خلال مهاجمة الأصول البحرية الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مستغلين الضعف الكلاسيكي للسفن في الميناء.

ومن الصعب للغاية التنبؤ بالعواقب الاقتصادية المترتبة على مثل هذا السيناريو بدقة، ولكن كلمة "كارثية" تشير إلى نفسها، وفق تعبير فيرغسون.