استقبل الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان في البيت التركي بولاية
نيويورك الأمريكية، وفداً من أتراك "الأهسكا".
وفي كلمة له خلال اللقاء أكد أردوغان أن السلطات المعنية
في بلاده تعمل حالياً على تسريع عملية منح الجنسية التركية لأتراك "الأهسكا".
وخاطبهم قائلا: "لقد عانيتم كثيراً ونجوتم من مصاعب
كثيرة بعد المنفى الذي تعرضتم له عام 1944، واليوم، وبهذه المناسبة، أتمنى الرحمة من
الله للذين فقدوا حياتهم في المنفى".
ولفت إلى أن أتراك "الأهسكا" ورغم كل الصعوبات،
تمكنوا من الحفاظ على هويتهم ونقل تراثهم الثقافي إلى الأجيال القادمة.
وأكد أن
تركيا ستظل إلى جانب أتراك "الأهسكا" وستواصل
الدفاع عن حقوقهم في كافة المحافل الدولية.
وتابع: "بعد بدء الحرب في أوكرانيا، تواصلنا مع سلطات
هذا البلد على الفور وقمنا بنقل إخواننا الأهسكا الذين تأثروا من الحرب إلى بلدنا،
والآن بلغ عدد أتراك الأهسكا القادمين إلى بلادنا 4 آلاف".
ومنح أردوغان بطاقات هوية الجمهورية التركية إلى أكبر اثنين
من الأهسكا الذين حصلوا على الجنسية التركية، مهرالي ماميت أوغلو البالغ من العمر
86 عامًا ويونس مرادوف البالغ من العمر 83 عاماً.
وفي كلمة الشكر، قال ماميت أوغلو: "كان عمري 8 سنوات
عندما تعرضنا للنفي، وأتمنى ألّا يتعرض أحد للمعاناة التي تعرضت لها".
من هم أتراك "الأهسكا"؟
هم السكان الأصليون الذين عاشوا في منطقة المسخيت في
جورجيا منذ مئات السنين كما تشير المصادر التاريخية، إلا أن البعض يعتبرهم مهاجرين
وافدين قدموا مع الغزو العثماني للمنطقة، ما يحرمهم من حقهم في موطنهم التاريخي، إذ
لم يرد ذكرهم في دراسات التاريخ والإثنوغرافيا التي نُشرت في جورجيا بعد الحرب العالمية
الثانية، ولم تتحدث إلا عن شعب المسخات الجورجيين الذين قيل إنهم أُجبروا على الاندماج
في الثقافة التركية واعتناق الإسلام، بحسب تقرير لموقع "نون بوست".
تقع منطقة أهيسكا شمال شرقي تركيا على حدود محافظة أرداهان،
داخل الأراضي الجورجية، وقد خضعت المنطقة للسيطرة العثمانية عام 1578 واعتنقت معظم القبائل
التركية فيها الإسلام.
اشتهرت المنطقة بجمال طبيعتها وغناها، وكانت منازلها كالقلاع،
حتى إنها كانت من أهم المدن في الشرق التركي بعد طرابزون وأرضروم، إلى أن جاءت الحرب
التركية-الروسية واضطرت الإمبراطورية العثمانية عام 1829 للتخلي عنها للقيصرية الروسية
عند توقيع اتفاقية أدرنة، كنوع من تعويضات الحرب.
عانى أتراك المسخيت من الاضطهاد تحت حكم زعيم الاتحاد السوفييتي
آنذاك جوزيف ستالين، حيث رفض الاعتراف بهم كقومية مستقلة وأجبرهم على تسجيل أنفسهم
كأذربيجانيين، ومنعهم من تعلم اللغة التركية في المدارس ضمن محاولات محو وتغيير هويتهم
الوطنية.
مع اندلاع الحرب العالمية الثانية أُرسل نحو 40 ألف من رجال
وشباب "الأهسكا" للقتال على الجبهة في صفوف الجيش الروسي، وعندما عاد من
بقي منهم على قيد الحياة إلى قراهم، وجدوها خاوية على عروشها فلحقوا بعائلاتهم إلى
آسيا الوسطى، فيما فقد الكثير منهم أحبتهم إلى الأبد. أما العجائز والنساء فقد جرى
تشغيلهم في بناء خط سكة الحديد "Ahıska – Borcom" الذي سيكون خط تهجيرهم ونفيهم بعيدًا عن وطنهم قريبًا.
مأساتهم التاريخية
في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 1944 وقبل 6 أشهر من انتهاء الحرب
العالمية الثانية (1939- 1945)، أصدر ستالين قرارًا بنفي أتراك "أهيسكا"
وبعض المناطق القريبة منها مثل آسبينزا وآهيلكلك وباغدانوفكا، إضافة إلى سكان 220 قرية
أخرى إلى قيرغيزيا وكازاخستان وأوزبكستان وأذربيجان وأوكرانيا بعيدًا عن موطنهم الأصلي.
وفي غضون ساعات قليلة، هُجِر نحو 100 ألف شخص من الأتراك
والمسلمين خارج ديارهم، وفقد ما يقارب الـ17 ألف شخص حياتهم بسبب المرض والجوع والبرد
خلال الرحلة التي استمرت نحو شهر، كما أنه توفي 30 ألفا آخرين في البلاد التي وصلوا إليها
نتيجة الأوبئة والجوع والظروف القاسية التي عانوا منها.
وفُرضت الأحكام العرفية على "الأهسكا" على
مدار 12 عامًا ومنعوا من الإقامة في المدن وأجبروا على البقاء في الأماكن التي نقلوا
إليها، وعُوقب الأشخاص الذين أخلّوا بهذه القوانين بالنفي مع أقاربهم إلى سيبيريا مدة
25 عامًا.
بررت إدارة ستالين نفي أتراك أهيسكا بخيانتهم للسوفييت وتعاونهم
مع النازيين في الحرب، لكن فيما بعد ومع تفكك الاتحاد السوفييتي كشفت الوثائق أن الهدف
الرئيسي من نفي سكان القرم وأتراك أهيسكا هو تطهير منطقة البحر الأسود من الأتراك وتوطين
الأرمن في ديارهم.
جهود إعادة "الأهسكا" إلى ديارهم
لم يكن أتراك أهيسكا محظوظين في مأساتهم بقدر سكان القرم،
إذ لم تحظ قضيتهم بالاهتمام والتعاطف العالمي، ففي حين سمحت أوكرانيا بعودة المنفيين
إلى شبه جزيرة القرم بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، فإنها ما زالت جورجيا تعرقل الجهود الرامية
لإعادة "الأهسكا" إلى وطنهم، ففي عام 1999 حصلت جورجيا على عضوية مجلس أوروبا،
مقابل عدة شروط من بينها السماح للأتراك المسخاتيين بالعودة إلى ديارهم وتنظيم عملية
العودة، وكان من المفترض أن تستكمل إجراءات العودة وفق القانون الأوروبي خلال 12 عامًا،
إلا أن آمال المسخيت ظلت معلقة.
والمشكلة الرئيسية تكمن في طرح مشروع القانون المعد عام
2000 شروطًا يرفضها شعب أهيسكا، مثل تخليهم عن هويتهم التركية والاعتراف بأنهم جورجيون
فقط، إضافة للكثير من المعوقات البيروقراطية التي تشمل حرمانهم من اختيار القرية أو
المدينة التي سيعودون إليها، ومع ذلك، يكافح الاتحاد العالمي للأتراك المسخاتيين (DATÜB) – الذي يمثل مظلة جامعة لأتراك المسخيت
حول العالم حيث إنه يعمل على تعزيز التضامن فيما بينهم وتقوية روابطهم مع الوطن الأم،
من أجل عودة "الأهسكا" إلى وطنهم في جورجيا، رغم تلك العقبات القانونية.
أماكن توزعهم وظروف حياتهم
يعيش اليوم نحو 20 ألف نسمة في منطقة أهيسكا التاريخية، إلا
أن نسبة الأتراك بينهم ضئيلة، بينما يعيش ما يقارب الـ600 ألف نسمة من شعب أهيسكا بعيدًا
عن ديارهم في تركيا وكازاخستان وأذربيجان وروسيا وأوزبكستان وقيرغيزستان وأوكرانيا
والولايات المتحدة، بحسب تقارير المنظمات الدولية.