ليست
الملاحم العسكرية لكتائب
المقاومة الفلسطينية وحدها المبهرة فيما يحدث في
غزة،
هناك ملحمة إعلامية تواكب تلك الملاحم العسكرية، وتسبقها أحيانا برفع الروح
المعنوية للمقاومين وأنصارهم، وبث الرعب في نفوس عدوهم، وهو ما يسمى بالحرب
النفسية.
الملحمة
الإعلامية لطوفان الأقصى متشعبة، وتشارك فيها كتائب متعددة، سواء الإعلام العسكري
لكتائب المقاومة الذي يرصد ويوثق العمليات العسكرية ويعيد بثها في قوالب تلفزيونية
احترافية، أو المراسلين الميدانيين للقنوات والإذاعات، أو نشطاء السوشيال ميديا..
تناغمت هذه الأطراف الثلاثة فصنعت في النهاية ملحمة إعلامية رفعت الروح المعنوية
للشعب الفلسطيني، ومعه بقية الشعوب العربية والإسلامية والشعوب الحرة في العالم
بأسره من ناحية، وأوقعت الرعب في نفوس الإسرائيليين وحلفائهم من ناحية ثانية،
وقلبت الرأي العام العالمي من الدعم للعدوان الإسرائيلي وإدانة المقاومة في الأيام
الأولى؛ إلى إدانة العدوان الإسرائيلي والمطالبة بوقفه لاحقا كما ظهر في تلك
المظاهرات العارمة التي جابت العواصم الغربية والشرقية.
تناغمت هذه الأطراف الثلاثة فصنعت في النهاية ملحمة إعلامية رفعت الروح المعنوية للشعب الفلسطيني، ومعه بقية الشعوب العربية والإسلامية والشعوب الحرة في العالم بأسره من ناحية، وأوقعت الرعب في نفوس الإسرائيليين وحلفائهم من ناحية ثانية، وقلبت الرأي العام العالمي من الدعم للعدوان الإسرائيلي وإدانة المقاومة في الأيام الأولى؛ إلى إدانة العدوان الإسرائيلي والمطالبة بوقفه لاحقا كما ظهر في تلك المظاهرات العارمة التي جابت العواصم الغربية والشرقية
ليس
خافيا مدى سيطرة الصهاينة على كبريات وسائل الإعلام العالمية، وعلى شركات العلاقات
العامة، وليس خافيا تلك القيود المتشددة التي وضعتها العديد من الدول الغربية على
نشر الرواية الفلسطينية والاكتفاء بالرواية الإسرائيلية، وليس خافيا القيود التي
وضعها مالكو شركات التواصل الاجتماعي (فيسبوك وغيره) لمنع وصول الرواية الحقيقية
للأحداث، ومع ذلك لم تصمد كل تلك القيود والسدود أمام إعلام المقاومة رغم ضعف
إمكانياته.
ضعف
الإمكانيات المادية لإعلام المقاومة عوضه بشكل كبير الروح التي تلبست المراسلين
الميدانيين، فهم ليسو مجرد
صحفيين باحثين عن سبق صحفي بهدف الشهرة والترقية،
ولكنهم إلى جانب كونهم صحفيين ومصورين مهنيين فهم أيضا أصحاب قضية وهم أصحاب
الأرض، ولذا وجدناهم يتحدون القنابل والرصاص والتهديدات المتكررة التي وصلتهم بشكل
مباشر من العدو عبر هواتفهم.
لقد
هرب الصحفيون الأجانب من التغطيات في غزة؛ إما التزاما بقواعد السلامة المهنية
التي تتيح لهم منح الأولوية لسلامتهم الشخصية، أو تواطؤا مع العدو وهذا الأرجح،
لكن المراسلين الفلسطينيين ظلوا مرابطين تحت القصف، وقد استشهد منهم حتى الآن مائة
أو يزيد، فلم يفتّ ذلك في عضدهم، ولم يدفعهم للاستسلام والناي بأنفسهم عن أماكن
الخطر.
رغم
الترحيل القسري لنسبة كبيرة من أهل شمال القطاع إلا أن عددا من المراسلين
والمصورين بقوا هناك فكانوا خير سند لمن تبّقى في الشمال، ينقلون معاناتهم، ويُظهرون
صمودهم وتمسكهم بأرضهم وحقهم.. لقد حاول العدو بث دعاية خبيثة عن نجاحه في تفريغ
الشمال تماما من ساكنيه، لكن أولئك المراسلين الفلسطينيين الأبطال دحضوا هذه
الكذبة عمليا ببث صور المواطنين يتجولون في الشوارع، أو ينقلون شهداءهم وجرحاهم،
او حتى يتفقدون بيوتهم المهدمة خلال فترات الهدنة الماضية، وأجهض هؤلاء المراسلون
محاولة العدو صناعة صورة نصر زائفة بنقلهم الحقائق على الأرض صوتا وصورة.
صار
حضور أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، وأبو حمزة، الناطق باسم سرايا القدس،
أهم من غيره من الأحداث الكبرى، ترتفع نسب المشاهدة على البث الحي للقنوات خلال كلماتهما
إلى حدها الأقصى، وينتظرها جمهور المشاهدين منذ اللحظات الأولى للإعلان عن موعدها.
اكتسب
إعلام المقاومة مصداقية لم تتوفر للإعلام العسكري الرسمي العربي في الحروب
السابقة، حين كان يعلن عن إسقاط عشرات أو حتى مئات الطائرات الإسرائيلية في حزب حزيران/
يونيو 1967؛ بينما كان جيش الاحتلال قد دمر سلاح الطيران المصري كاملا على الأرض،
وحين كان يعلن أن القوات العربية على أبواب تل أبيب بينما كان جيش الاحتلال يجتاح
سيناء والجولان وغزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.. أو في حرب الخليج الثانية
حين كان الصحاف، وزير إعلام صدام، يعلن القضاء على "العلوج" الأمريكان
بينما كانوا يطرقون باب غرفته في الفندق، أو حتى في عاصفة الحزم، حيث توالت
البيانات العسكرية عن قرب القضاء على التمرد الحوثي فإذا بالحوثيين يسيطرون على
صنعاء، ويضربون في عمق الأراضي السعودية والإماراتية.
المراسلون في فلسطين عموما وفي غزة خصوصا يستحقون الدعم السياسي والقانوني من المنظمات والهيئات الصحفية العالمية في مواجهة العدوان الإسرائيلي الذي يستهدفهم بشكل مباشر، ويستهدف عائلاتهم بهدف إخضاعهم ومنعهم من مواصلة عملهم في نقل الحقيقة
نماذج
تدرس في كليات الإعلام قدمها المراسلون والمصورون الفلسطينيون، والذين يستحقون
أعلى الجوائز العالمية بل يستحقون أن تُنشأ جوائز خاصة تليق بهم.. لقد استشهد
زملاؤهم أمام أعينهم، بل استشهد أبناؤهم وآباؤهم، وتمكنوا بأيديهم من انتشالهم من
تحت الأنقاض، ونقلوهم إلى المشافي أو المدافن، ثم عادوا يحملون كاميراتهم ينقلون
الحقيقة، وحتى من أصيب إصابات بالغة مثل الإعلامي وائل الدحدوح رفض أن يبقى تحت
العلاج حتى تلتئم جراحه؛ فعاد فورا إلى الميدان.
هذه
مشاهد لم نقرأها في أي من كتب الإعلام، ولم نر لها مثيلا في حروب سابقة، فكما ذكرت؛
عادة ما تطلب المؤسسات الإعلامية من مراسليها ومصوريها توخّي الحذر والحرص على
سلامتهم الشخصية.
المراسلون
في فلسطين عموما وفي غزة خصوصا يستحقون الدعم السياسي والقانوني من المنظمات
والهيئات الصحفية العالمية في مواجهة العدوان الإسرائيلي الذي يستهدفهم بشكل
مباشر، ويستهدف عائلاتهم بهدف إخضاعهم ومنعهم من مواصلة عملهم في نقل الحقيقة. وحسنا
فعل الاتحاد الدولي للصحفيين بتقديم دعوى ضد الكيان للمحكمة الجنائية الدولية، وهو
ما انضمت إليه نقابة الصحفيين المصريين، وينبغي أن يلحقها اتحاد الصحفيون العرب،
وكل المنظمات المعنية بحرية الصحافة، كما ينبغي على تلك المنظمات الدولية التحرك
لعزل الكيان دوليا في كل المحافل ومحاصرة روايته الكاذبة والمضللة.
twitter.com/kotbelaraby