نحن في الشهر الرابع على جهاد الكتائب وحاضنتها
غزة، وقد أرتنا غزة من نفسها ما حيّر العقول، فخلال كل تلك الأسابيع والعدو الصهيو ـ أمريكي يدمر غزة بكل ما يملك من أسلحة عصرية فتاكة، وهي صابرة محتسبة منتصرة للمقاومة ومتمسكة بالأرض لا تسمع من أبنائها الصغار والكبار والنساء والرجال، إلّا ما يقوي إيمانك بالله تعالى ويمتن يقينك بقدر الله عز وجل، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، فعرفت بنفسها بهذه المواقف الخالدة.
فإذا رأينا من بعيد ما يصيبهم يوميا
طيلة ساعات النهار والليل، حزنت قلوبنا ودمعت عيوننا. وإذا نظرنا لصبرهم وتمسكهم
بحقهم واستمرار التفافهم حول
المقاومة، وأثر ذلك في دفع عشرات الآلاف من غير
المسلمين للبحث عن السبب؟! فأقبلوا على الإسلام يسألون عنه، ويحاولون التعرف على
أسرار قوته وتأثيره، وعظيم صنعه في تربية أتباعه، وتقوية عزائمهم على العطاء بلا
منّ، ونفوسهم على الصبر والاحتمال بلا حد، انشرحت صدورنا، وحمدنا الله تعالى على أن هيأ للمسلمين طليعة مجاهدة لها كل
ذلك الصبر والثبات والاحتساب، وقد جعل الله تعالى من ذلك سبيلا لهداية الملايين من
غير المسلمين للإسلام، تصب أجور اهتدائهم في حسابات أهل غزة والمقاومين، من غير أن
ينقص ذلك من أجورهم شيئا.
وكذلك إذا نظرنا إلى المقاومة واستمعنا لبياناتها العسكرية، حمدنا
الله تعالى على تلك الأعمال الخالدة والبطولات المجيدة التي قام بها شباب المقاومة
الثائر، فأحيا بها معاني الجهاد وشرائعه، وما تتركه في النفوس من معاني العزة
والأمل في الفوز بنصر الله تعالى .
إن المقاومة قد سجلت بإنجازاتها الخارقة للعادة ـ فهم عشرات الآلاف
لا يملكون إلّا سلاحا معظمه يدوي، وصواريخ من صنعهم لا غناء فيها في مجرى العادة، في
وجه جيش يتكون من مئات الآلاف، يتفوق على المقاومة تفوقا هندسيا في العدد والعدة
والسلاح، تسانده جميع الأسلحة الفتاكة لدى أمريكا والغرب، من مئات الطائرات والآلاف من
الدبابات والمدافع، وعشرات الآلاف من القنابل التي تزن الواحدة منها ألفي 2000
رطل، وخبراء عسكريين وأجهزة المخابرات الكبرى في العالم، وقادة أمريكيين خبروا
الحروب الاستدمارية وقادوها في عدة ميادين، وتمرنوا على أساليبها ومكائدها، ومن
ورائهم مصانع الأسلحة وخزائن الأموال، فلا يُرد للصهاينة طلب ولا يتأخر عنهم إمداد-، ومع هذا، استطاعت المقاومة أن تلحق بجيوش العدو الهزائم النكراء، فتعطل مئات
الآليات الحربية وتقتل الآلاف من الجنود والعديد من القادة وتأسر غيرهم، ولم يستطع
العدو لحد اليوم قتل الأبطال، وإنما يصب غضبه على الأهالي المدنيين العزل من أطفال
ونساء وشيوخ.
إن المقاومة الإسلامية أعربت عن نفسها بتلك البطولات، وأثبتت بعشرات
الشواهد أنها لا تواجه دولة الكيان الصهيوني وحدها، وإنما تواجه أمريكا وكل
الأنظمة الغربية المساندة لها، وكل من يمدها بتأييد في
الرأي والسياسة ويعينها
بالمال والدبلوماسية، ويخذّل عنها غضبة الشعوب المسلمة في العالم العربي
والإسلامي، فكفى بالمقاومة شرفا أنها مع قلة عددها وعدتها، تحارب كل هؤلاء الأعداء
الأقوياء المتناصرين، فتنتصر عليهم في ميدان المعركة وتلحق بعساكرهم وآلياتهم
الحربية الهزيمة تلو الهزيمة، وكفى بأمريكا وبريطانيا وحلفائهم خزيا وعارا وخرقا
للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، أنهم يعينون دولة الاستدمار القوية
بمعداتها على المقاومة وعلى حاضنتها الشعبية في غزة، التي عاشت الحصار منذ سنوات
طويلة من الزمن ولا تزال.
إن ملامح الجهاد الإسلامي المؤيد من الله تعالى واضحة لكل ذي عينين
وبصيرة، وإن ذلك ليبشر بنصر قادم إن شاء الله تعالى، وإن كل فئة ستنال الجزاء عن
عملها؛ إن خيرا فخير وإن شرا فشر .
واستجابة منّي لبعض من اقترح
علي المساهمة في تعرية أباطيل المخذّلين عن المقاومة في غزة، التي عدّوها فتنة
وانتصروا لمواقف من يعدونهم بالباطل أولياءَ الأمر، فتنكروا بذلك لقومهم، وخانوا
أمانة الإسلام في أعناقهم، أكتبُ موضوعا طويلا في بيان شذوذ فهومهم وانحراف
سلوكاتهم وبخيانة مواقفهم، وسنشرع في نشره على حلقات، سائلا الله تعالى النصر للمقاومين
الأبطال في غزة وعموم
فلسطين، والشفاء لجرحاهم والرحمة الواسعة لشهدائهم.
شذوذ في الفهم وانحراف في السلوك وخيانة في المواقف
تعالت أصوات بعض المنتسبين إلى العلم بالإنكار على حماس وسائر
الفصائل المقاومة في غزة والضفة وفلسطين المحتلة قيامهم بالثورة على المحتل
الصهيوني لفلسطين يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر وما تلاه من أيام، استطاعت كتائب القسام في ذلك
اليوم الأغر إلحاق هزيمة مذلة بفرقة من الجيش الصهيوني، وتتابع القتال بين الكتائب
المقاتلة ودولة الكيان الصهيوني، ومعها حلفاؤها بقيادة أمريكا أياما مديدة وأسابيع
ممتدة، ارتكبت فيها دولة العدو من المجازر ما لا عد له ولا حصر على شعب غزة من
الأطفال والنساء والشيوخ والعزل والمدنيين، ولم تميز في قصفها بين عمارة ومدرسة
وجامعة ومستشفى ومستوصف.
وظل النظام الرسمي في العالم العربي والإسلامي، خلال كل هذه الأسابيع، يندد بالمجازر والحصار، ويناشد الأعداء السماح له بإدخال مساعدات إنسانية لأهل غزة.
وفي هذه الأجواء الملتهبة بنيران
الأعداء وقنابلهم، خرجت بعض الأصوات تنكر باسم الإسلام، ما قامت به الفصائل
المجاهدة، وتعده فتنة تتحمل تبعاتها الفصائل، وتثمّن مواقف الخزي والخذلان التي
تمسكت بها أنظمة العار في العالمين العربي والإسلامي!!
فرأيت من واجبي أن أعالج هذا الموضوع
بكثير من الاختصار؛ نزولا عند رغبة بعض الأحبة في المساهمة في واجب الدفاع عن الدين
وعن المقاومين الأبطال، وأرجو من الله تعالى التوفيق والسداد والقبول، فالخيرَ أردت
ووجهَ الله تعالى أبتغي، وإليه وحده أسعى وأحفد.
إن هذا الموضوع كثير الذيول، وسأتناوله من خلال العناصر الآتية:
بيان فضل الجهاد في سبيل الله تعالى ـ بيان الفرق بين الجهاد والقتال.
1 ـ بيان
فضل الجهاد في سبيل الله في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
ـ القرآن الكريم: وردت آيات كثيرة في
بيان وجوب الجهاد وفضله، منها:
قال تعالى: (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما
يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) التوبة: 36.
قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ
وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا
شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا
تَعْلَمُونَ) البقرة: 216.
قال تعالى: (انْفِرُوا خِفافًا وَثِقالًا وَجاهِدُوا
بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ
كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) التوبة: 41.
إن المقاومة الإسلامية أعربت عن نفسها بتلك البطولات، وأثبتت بعشرات الشواهد أنها لا تواجه دولة الكيان الصهيوني وحدها، وإنما تواجه أمريكا وكل الأنظمة الغربية المساندة لها، وكل من يمدها بتأييد في الرأي والسياسة ويعينها بالمال والدبلوماسية.
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ
يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ
حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ
مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة: 11.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ
عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ
ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً
فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ
مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) سورة الصف: 7 ـ 13.
قال تعالى: (لَا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ
الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا* دَرَجاتٍ مِنْهُ
وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) النساء: 95-96.
الحديث الشريف:
إن الأحاديث في بيان فضل الجهاد كثيرة جدا، منها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي
العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد
في سبيل الله". قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور". متفق عليه.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه
وسلم: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: "الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا".
قَالَ: ثمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "ثمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ". قَالَ: ثمَّ
أَيٌّ؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". رواه البخاري.
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لغدوةٌ في سبيل
الله أو روحةٌ، خير من الدنيا وما فيها". متفق عليه.
وعن عثمان رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رباط
يوم في سبيل الله، خيرٌ من ألف يوم فيما سواه من المنازل". رواه الترمذي
والنَّسائي.
عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: "رباط يوم وليلة في سبيل الله، خيرٌ من صيام شهر وقيامه، وإن مات
جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأَمِنَ الفتَّان". رواه مسلم.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من آمن
بالله ورسوله وأقام الصلاة وصام رمضان، كان حقّا على الله أن يدخله الجنة، جاهد في
سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها". قالوا: أفلا نبشر الناس؟ قال؛ "إن
في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما
بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة
وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة". رواه البخاري.
عن زيد بن خالد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ جَهَّزَ
غَازِيا في سَبيلِ اللهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازيا في أهْلِهِ
بِخَيرٍ فَقَدْ غَزَا". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
هذه باقة من نصوص القرآن والسنة في بيان واجب الجهاد وفضله عن سائر
الطاعات الأخرى ما عدا الفرائض الكبرى؛ كالشهادتين والصلاة وبر الوالدين، فهل من
عرف قيمة الجهاد وفضله وعلو منزلة أصحابه عند الله تعالى يقعد بعد ذلك عنه وهو
قادر عليه؟
فكيف إذا كان الجهاد جهاد
دفع؛ كما هو الحال في غزة وعموم فلسطين المحتلة؟ لا شك أن القائمين به اليوم في
غزة والضفة وسائر المدن الفلسطينية المحتلة، من أبر الخلق وأصدقهم وأكثرهم سعيا في
كسب مرضاة الله تعالى والفوز بجنته ورضاه، فأعانهم الله تعالى على ذلك وثبتهم
وأجزل لهم الأجر والثواب.
2 ـ الجهاد
غير القتال:
الجهاد: لفظ أعم من القتال لغة
وشرعا. ففي اللغة: الجهاد: مصدر: جاهد،
يجاهد، جهادا ومجاهدة، مشتق من: جَهَدَ يَجْهد جَهدا، أي ارتكب المشقة، أو احتمل
المشقة، أو بذل الجهد.
أما لفظة القتال، فهي: مصدر، على وزن:
"فعال"، من: قاتَل، يُقاتِل، قِتالا ومُقاتَلة، وهي مشتقة من كلمة:
قَتَل، يَقْتُلُ، قَتلا، أي أزهق روح غيره.
فالكلمتان مختلفتان لغة: اشتقاقا ودلالة، فالجهاد أوسع دائرة من القتال، أي هو أعم من القتال.
ومن الناحية الشرعية: فالجهاد أعم من القتال وأوسع، والقتال مجرد
درجة من درجاته أو نوعا من أنواعه، فالقتال أعلى درجات الجهاد أو أعلى أنواعه، وإن
غلب عند الفقهاء إطلاق لفظ الجهاد في سبيل الله على القتال في سبيل الله، أي إنهم
عرّفوا العام بالخاص لأهميته وعظم أثره، فالقتال هو أعلى ـ كما أشرت ـ درجات
الجهاد وأخطرها أثرا.
وقد اختلف الفقهاء في حكم الجهاد، وقد تناول ابن حجر هذا الموضوع في
التحقيق الذي ذكره في شرح ما ذكره البخاري رحمه الله في باب وجوب النفير، وما يجب
من الجهاد والنية، قال رحمه الله: "باب وجوب النفير"، أي الخروج إلى
قتال الكفار.
وأصل النفير: مفارقة مكان إلى مكان،
لأمر حرّك ذلك.
وقوله: "وما يجب من الجهاد والنية"؛ أي وبيان القدر الواجب
من الجهاد، ومشروعية النية في ذلك.
قال: للناس في الجهاد حالات: إحداهما
في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، والأخرى بعده، ويهمنا هنا الحال الثانية، أي بعد
وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله: الحال الثانية بعده صلى الله عليه وسلم، فهو فرض
كفاية على المشهور، إلّا أن تدعو الحاجة إليه، كأن يدهم العدو ويتعين على من عينه
الإمام، ويتأدى فرض الكفاية بفعله في السنة مرة عند الجمهور، ومن حججهم أن الجزية
تجب بدلا عنه، ولا تجب في السنة أكثر من مرة اتفاقا.
وقيل: يجب كلما أمكن، وهو قوي، والذي يظهر أنه استمر على ما كان عليه
في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تكاملت فتوح معظم البلاد، وانتشر الإسلام
في أقطار الأرض، ثم صار إلى ما تقدم ذكره، والتحقيق أيضا أن جنس جهاد الكفار متعين
على كل مسلم، إمّا بيده وإما بلسانه وإما بماله وإما بقلبه والله أعلم. فتح الباري
: 6/38 دار المعرفة- بيروت،1379ه.
وواضح من خلال تحقيق ابن حجر أن جهاد الكفار فرض عين على كل مسلم،
فكيف يكون حكم الجهاد إذن إذا كان الكفار معتدين على دار الإسلام، وآخذين لجزء مهم
من أجزائها، كما هو حال الصهاينة في استيلائهم على فلسطين وتدميرهم لها، وقتلهم
لسكانها وتهجيرهم للملايين منهم، ونهبهم لخيراتها عقودا من الزمن.
*رئيس جبهة العدالة والتنمية ـ الجزائر