نشر موقع "بروجيكت سينديكيت" مقالا، للرئيس التركي السابق، عبد الله غول، سلط فيه الضوء على قضية السياسي
التونسي ومؤسس حزب حركة النهضة، راشد
الغنوشي، المسجون حاليًا.
وقال الكاتب، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إنه باعتباره أحد الساسة السابقين ورئيسًا سابقًا، تحدّث ضد الاضطهاد السياسي، فإنه يشعر بالواجب في لفت الانتباه إلى محنة السياسي التونسي المسجون راشد الغنوشي.
وأوضح بأنه "مع أن اعتقاله كان من المفترض أن ينتهي هذا الصيف، إلا أنه يبدو أنه سيتم تمديده الآن، وهذا احتمال مؤلم لأي مؤمن حقيقي بالديمقراطية. فقد خدم الغنوشي وطنه وشعبه بكل أدب، ولا يستحق أن يُنسى خلف القضبان".
وفي آذار/ مارس 2012، وفي أعقاب ثورة الياسمين في تونس، كان غول أول رئيس أجنبي يخاطب الجمعية التأسيسية في البلاد، مشيرًا إلى ارتياحه وإعجابه بالإجماع الوطني الناشئ بين العلمانيين والمحافظين، وأنه إنجاز كبير وعلامة على النضج الديمقراطي.
وأكد غول، آنذاك، أن "العالم كله، وخاصة العالم العربي والإسلامي، المناضلين من أجل الحرية والعدالة والحقوق والكرامة، قد وجّهوا عقولهم وقلوبهم نحو تونس".
وأشار الكاتب إلى أنه بعد خمسة وعشرين عاماً من حكم الرجل الواحد، كانت تونس تبعث رسالة واضحة إلى العالم، بأن الديمقراطية ليست شكلاً من أشكال الحكم الذي يقتصر على الغرب، وكان وراء هذه الرسالة رجل حكيم وقدوة للجميع بإخلاصه للمبادئ الديمقراطية والتسامح، ألا وهو الغنوشي.
ذكر الكاتب أن "الغنوشي، هو مؤسس وزعيم حزب "حركة النهضة"، الحركة الديمقراطية الإسلامية في تونس. وهو مثقف يؤمن بإمكانية التعايش حتى بين الأشخاص والجماعات المختلفة بشكل عميق، وهو أيضًا عالم دين شجاع سعى إلى تقديم تفسير معاصر للفهم الإسلامي يتميز بالتزام واضح بقيم الحرية والديمقراطية، وكان منذ فترة طويلة مدافعاً شجاعاً عن حقوق المرأة في المجتمع والاقتصاد والمؤسسات الدينية".
وأوضح الكاتب أن "هذه المبادئ جعلت من الغنوشي زعيمًا سياسيًا مثاليًا في تونس وفي جميع أنحاء العالم، لكنها لم تجعل حياته سهلة. فقد سُجن في الثمانينيات قبل أن يقضي 22 عامًا في المنفى في أوروبا. وعندما تمت الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي، في عام 2011، عاد إلى وطنه وتم الترحيب به على الفور باعتباره السياسي الأكثر شعبية في تونس".
"في تلك المرحلة، كان بوسعه أن يسلك الطريق السهل، كما فعل العديد من معاصريه، من خلال شن حملات انتخابية تعتمد على الشعبوية، وتأمين مكانة حركة النهضة باعتبارها الحزب المهيمن، ومواصلة أجندته السياسية المفضلة دون أي تنازلات" يردف المقال نفسه.
ويتابع: "لكنه بدلاً من ذلك، جازف واختار المسار الذي نادرًا ما يتم اختياره في المنطقة؛ لقد حرص على التوصّل إلى تسوية مع الآخرين وبناء تحالفات واسعة ومشاركة الحكم مع العلمانيين والديمقراطيين الاشتراكيين ومجموعات أخرى".
وأكد: "بدلًا من الترشح للمناصب، مهّد الطريق للأجيال الشابة، في حين خفّف من الأصوات الأكثر تطرفا داخل حزبه. وعندما حان الوقت، لم يحاول احتكار السلطة في ظل حكم الحزب الواحد، بل دعم ترشيح الناشط العلماني البارز في مجال حقوق الإنسان منصف المرزوقي للرئاسة".
وأضاف الكاتب أنه "كلما اندلعت أزمة سياسية أو اجتماعية جديدة، كان الغنوشي يتحدث باستمرار عن دولة تكون فيها السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية منفصلة، ويكون فيها حكم القانون هو الأسمى، وتضمن حريات الضمير والتعبير وتكوين الجمعيات".
واسترسل: "كان يعلم أن تكرار أخطاء الماضي المتمثلة في حكم الحزب الواحد لن يوفر السلام والاستقرار المستدامين للتونسيين"، مضيفا بأنه: "نظرًا للنهج البصير والشامل الذي عزّزه الغنوشي، حصلت اللجنة الرباعية للحوار الوطني التونسي (مجموعة من منظمات المجتمع المدني التي ساعدت في صياغة دستور ديمقراطي جديد) على جائزة نوبل للسلام في عام 2015، وقد اعتمدت تونس دستورًا يرقى لأن يكون نموذجًا لبقية المنطقة".
وحسب الكاتب، لقد نجحت الركائز الأساسية للمجتمع التونسي ـ العلمانيون، والليبراليون، والإسلاميون، واليساريون ـ في التوصل إلى تسوية صعبة ولكنها واسعة النطاق لصالح التعددية والحرية، وقد كانت لحظة غير عادية بالنسبة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا والعالم الإسلامي الأوسع.
وأشار الكاتب إلى أن "القصة التونسية لم تنته كما بدأت. فقبل ثلاث سنوات، تم تعليق عمل البرلمان التونسي المنتخب ديمقراطيًا الذي كان الغنوشي رئيسا له، ثم تم حلّه وإقالة الحكومة. ثم ألقيَ القبض على الغنوشي في نيسان/ أبريل الماضي، وحُكِم عليه بالسجن لمدة عام في أيار/ مايو. ومؤخرًا، حكمت محكمة تونسية على الغنوشي بالسجن ثلاث سنوات إضافية، فيما يبدو أنه محاولة لإطالة فترة حبسه تعسفيًا".
تجدر الإشارة إلى أن تمديد سجن الغنوشي، البالغ من العمر 82 عاما، ينفي الرسالة الملهمة التي أرسلتها تونس إلى المنطقة والعالم قبل 12 عاما. لذا يحتاج التونسيون إلى تعزيز التحول الديمقراطي الذي بذل الغنوشي الكثير لتحقيقه، وليس عكسه، وتونس بحاجة إلى المزيد من المشاركة وليس المزيد من ضيق الأفق.
وأشار الكاتب إلى أن "محاكمة مثل هذه الشخصية السياسية المعتدلة في مجتمع إسلامي لا تبشر بالخير بالنسبة للجهات السياسية الفاعلة الأخرى التي تدافع عن مُثُل مماثلة للتعايش والتسامح. وهو يأمل أن يتم إنهاء احتجاز الغنوشي قريبًا حيث ستكون هذه لفتة قوية لتونس، البلد الذي جسّد تقليديا روح الحرية والتسامح والإرث الثمين لابن خلدون".