سلطت صحيفة "
لوبوان" الفرنسية، الضوء على أبرز النقاط المتعلقة بتحدي
الغاز الذي يواجه
أوروبا بعد أكثر من سنتين من الحرب في أوكرانيا، مشيرة إلى أن وكالة الطاقة الدولية تتوقع أن "يتضاعف استهلاك الكهرباء من قبل مراكز البيانات على مستوى العالم بحلول سنة 2026".
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن أوروبا تواجه في الوقت نفسه الحاجة إلى استيراد الغاز لمواصلة العمل وإنتاج الكهرباء، مع تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بما يتوافق مع أهدافها المناخية. فكيف السبيل إلى التنقل وسط هذه الأوامر المتناقضة؟
وأوضحت الصحيفة، أن محكمة المدققين الأوروبية تناولت هذه القضية المهمة. وقد مرّ تقريرها، الذي نُشر في خضم الاضطرابات السياسية الفرنسية، مرور الكرام. ويتمثّل السؤال الأول في: هل تم ضمان أمن الغاز في القارة بعد مرور أكثر من سنتين على اندلاع الحرب في أوكرانيا؟
عموما، يمثل الغاز الروسي 45 بالمئة من واردات الغاز إلى أوروبا. وانخفضت حصة
روسيا إلى 10 بالمئة في سنة 2023. وشهد الغاز الطبيعي المسال زيادة في حصته في واردات الغاز من 22 إلى 34 بالمئة ما بين2021 و2023.
وفي مواجهة ارتفاع الأسعار، بدأت الدول الأوروبية دعم سعر الغاز الطبيعي المسال بما يصل إلى 390 مليار يورو فقط لسنة 2022 من أجل التخفيف من ارتفاع الأسعار للأسر والشركات.
غياب الشفافية بشأن عقود الغاز
أشارت الصحيفة إلى أن الدول الـ27، اتخذت ثلاثة إجراءات للتعامل مع الأزمة: خفض استهلاك الغاز بنسبة 15 بالمئة، وتعبئة المخزونات إلى 90 بالمئة، وشراء الغاز معا عبر منصة على الإنترنت (AggregateEU) لخفض الأسعار.
واستعرضت المحكمة هذه التدابير الثلاثة. وكانت الملاحظة الأولى أنه تم تجاوز هدف التخفيض (-18 بالمئة)، لكن المقررين يتساءلون: هل هذا نتيجة لسياسة استباقية للتوفير أم نتيجة لشتاء أكثر اعتدالا؟ يبدو أن ملء المخزونات بنسبة 90 بالمئة يعتبر خبرا كاذبا، حيث إنه تم الوصول إلى هذا المستوى بالفعل في السنوات التي سبقت الأزمة.
وتلفت الصحيفة، إلى أن المقررين يشككون في مساهمة منصة "AggregateEU" التي أطلقتها المفوضية الأوروبية. وإذا اعتمدنا على الأرقام المقدّمة، فقد قدّمت 180 جهة طلبات شراء جماعي للغاز بإجمالي 54 مليار متر مكعب. ولكن المفوضية الأوروبية لا تملك القدرة على الوصول إلى العقود الخاصة، لذا فإنه لا يمكننا معرفة ما إذا كانت أسعار الغاز قد انخفضت فعليا عبر هذه المنصة. وبالتالي، فإنه ينبغي فرض الالتزام بالشفافية في المستقبل.
ضعف التضامن الأوروبي
ماذا سيحدث إذا وقع عطل كبير جديد؟ في مواجهة أزمة الغاز يجب على الدول الـ27 أن تتضامن فيما بينها. كان من المفترض توقيع اتفاقيات التضامن الثنائية بين الدول الأعضاء للتصدي لأي نقص في الإمدادات. وهذا الحل الأخير، المنصوص عليه في لائحة سنة 2017 (في عهد جان كلود يونكر)، هدفه دعم الأسر والخدمات الاجتماعية الأساسية. ما هو الوضع الآن؟ في سنة 2018، لم يحدث شيء، ولم يتم إبرام أي من الاتفاقيات الأربعين التي تعتبر ضرورية، وفقا للتقرير.
تظل الدول الأعضاء سلبية، إن لم تكن غير مبالية، مع تدفق الغاز الروسي بغزارة عبر نورد ستريم. في المقابل، تشعر المفوضية بالإحباط وقررت في أيار/ مايو 2020 بدء 25 إجراء قانونيا. فهل غيرت الأزمة الأوكرانية الوضع؟ يبدو التغيير بطيئا جدا لأنه في كانون الثاني/ يناير 2024، بعد سنتين من اندلاع الحرب في أوكرانيا، تم إبرام ثماني اتفاقيات فقط، بحسب التقرير.
مخاطر أزمة غاز جديدة
أشارت الصحيفة، إلى أن إرادة الدول لمساعدة بعضها البعض ليست واضحة. وقد تبنت المفوضية إجراء مؤقتا للتضامن بشكل افتراضي مع التنفيذ في سنة 2023. وفي كانون الأول/ ديسمبر 2022، أجرت اختبارات محاكاة على 11 دولة عضوا في حالة التوقف الكامل للغاز الروسي. وتكشف الاختبارات عن صعوبات مستمرة، لا سيما في ما يتعلق بالتعويض العادل عن الغاز المورد.
في المقابل، لم تعد المفوضية تتوقع أي شيء من الاتفاقيات الثنائية، وترى أن هذه الآلية المؤقتة، والمقتصرة على سنة 2023، يجب أن تصبح دائمة. وفي الحقيقة، فإن خطر تفكك الكتلة الأوروبية، في حال حدوث أزمة جديدة، كبير لأن 6 من الدول الـ 11 خططت "لوقف إمدادات الغاز إلى دولة مجاورة كرد محتمل في حالة الطوارئ"، وفقا للتقرير.
بحسب الصحيفة، فإن السؤال الأخير المطروح: هل الاتحاد الأوروبي قادرٌ على التقاط الكربون عندما يستخدم الغاز لتحقيق أهدافه المناخية؟ نحن نتحدث عن تقنية التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه (CUSC)، وهي عبارة عن منشآت أو عمليات مصمّمة لالتقاط ثاني أكسيد الكربون المنبعث من المصادر الصناعية أو مصادر الطاقة قبل وصوله إلى الغلاف الجوي. وهناك العديد من التقنيات لتحقيق ذلك، مثل الامتصاص الكيميائي، أو فصل الغازات بالفلاتر الغشائية أو التقطير المبرد.
تأخير كبير في اعتماد تقنية التقاط الكربون
سيواصل الاتحاد الأوروبي استخدام الغاز بعد سنة 2030، خاصة في الصناعات الثقيلة وإنتاج الكهرباء. ولكن إذا أراد تحقيق أهداف الحياد الكربوني في الوقت نفسه بحلول سنة 2050، فيتعين عليه بالتأكيد العمل على تطوير تقنية التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه (CUSC). ومع ذلك، لاحظت محكمة المدققين الأوروبية، للأسف، أن الاتحاد الأوروبي لديه أربعة مشاريع تجارية قيد التشغيل فقط (واحد في بلجيكا، وآخر في المجر، واثنان في هولندا) قادرة على التقاط 1.5 مليون طن فقط سنويا.
ولفتت الصحيفة إلى أن ذلك يعتبر بمثابة قطرة في محيط بالنسبة للهدف الأوروبي البالغ 450 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا بحلول سنة 2050. ولتحقيق هذه الغاية، لا بد من زيادة القدرات بحوالي 11 ضعف القدرة الحالية لمدة سبع وعشرين سنة (16.6 مليون طنا إضافيا سنويا)... وهذا يدل على أن التحدي هائل!.
وفي هذه الحالة، إما أن يخفّض الاتحاد الأوروبي استهلاكه من الغاز لتحقيق أهدافه المناخية، على الرغم من أن المصادر الأخرى للطاقة الخضراء لن تكون جاهزة لتحل محل الغاز الأمر الذي يهدد إمدادات الطاقة في أوروبا، أو أن يضحي بأهدافه المناخية بسبب عدم كفاية التقاط الكربون، وبالتالي الحفاظ على نشاطه الاقتصادي، بحسب التقرير.
إذن، يبدو الاختيار واضحا تماما. سوف يفضل الأوروبيون دائما وفرة الطاقة، وسيحافظ، على الأقل ظاهريا، على نمط حياة سكانه بدلا من الغوص في الانكماش للحفاظ على اقتصاد نظيف من الغاز حتى لو كان ذلك يعني تحمل العواقب الاقتصادية للأضرار المناخية (العواصف والجفاف والحرائق الضخمة والفيضانات وتراجع الخط الساحلي وما إلى ذلك). ولا يمكن لماريو دراغي أن يتجاهل هذا المأزق الأوروبي في التقرير الذي سينشره في نهاية الشهر الجاري.