يعزز العدوان الاسرائيلي الأخير على ميناء
الحديدة اليمني، فرضية فقدان النظام الرسمي العربي لأمنه المشترك منذ عقود طويلة،
ويعزز أيضاً من أزمة الاحتلال مع الشعب الفلسطيني ومقاومته ومع شعوب عربية تراقب
بقهرٍ ما يجري، فالعدوان المستمر على غزة وعلى الشعب الفلسطيني يبقى المقياس
الثقيل لهذا الأمن المُزعزع تحت ضربات العدوان والاحتلال
الإسرائيلي فلا مواقف
عربية قوية تدين العدوان أو تهدد بالتصدي له.
ولم يعد خافياً أن ثمة أزمة حقيقية تعصف
بالواقع القلق لأمن المنطقة جراء سياسات غطرسة الاحتلال وجرائمه، واتخاذ جل النظام
الرسمي العربي لشعار أمنه الداخلي واستقرار بقاءه على سدة الحكم كأولويات أضاعت
فيها أدوارها، وقزمت من سياساتها لحدود فقدان القرار والدور معاً تاركا محله مساحة
من الفراغ الذي يسمح لطيران المحتل بالتحليق ألاف الكيلومترات ليقصف مدينة عربية،
والإكتفاء ببعض التعليمات لجيوشه بضبط حدود المحتل ومراقبة جرائم الإبادة
المتواصلة في غزة وبقية أرض فلسطين، فراغ أسس لاختراق السيادة وتهديد الأمن القومي
والوطني و بالعبث المستمر بأمنه المائي والاقتصادي والجغرافي والديمغرافي.
تحليق طيران الاحتلال المسافة الطويلة من
جنوب النقب محملاً بقنابل التدمير نحو ميناء الحديدة اليمني، تختلف عن واقعة هجمة المسيرات التي أطلقتها
طهران رداً على
قصف قنصليتها في دمشق، ففي الواقعة الأولى كان هناك "نخوة"
عربية تمثلت بتشغيل المضادات العربية والطيران لصد هذه الصواريخ والمسيرات قبل
وصولها لإسرائيل في نيسان الماضي وبالتشارك مع دول غربية.
ويتضح من واقعة العدوان الاسرائيلي على
اليمن أن سكة الارتداد العربي عن أمنه، وفي تبني ذرائع صهيونية تسمح لها بالعدوان
على أمنها وانتهاك سيادتها، كان لها تأثير شديد على خطوة توسيع العدوان الاسرائيلي
في المنطقة العربية ليشمل اليمن، والتهديد بقدرة اسرائيل ضرب أي هدف بالمنطقة وفي
أي عاصمة عربية تفكر بمساندة الشعب الفلسطيني.
تحليق طيران الاحتلال المسافة الطويلة من جنوب النقب محملاً بقنابل التدمير نحو ميناء الحديدة اليمني، تختلف عن واقعة هجمة المسيرات التي أطلقتها طهران رداً على قصف قنصليتها في دمشق، ففي الواقعة الأولى كان هناك "نخوة" عربية تمثلت بتشغيل المضادات العربية والطيران لصد هذه الصواريخ والمسيرات قبل وصولها لإسرائيل في نيسان الماضي وبالتشارك مع دول غربية.
غياب التنديد العربي بالعدوان على اليمن،
سبقه مديح اسرائيلي أمريكي "للنخوة" التي أظهرتها جيوش ومنظومات أمنية
عربية للدفاع عن المحتل، وسبقها أيضاً مواقف لإجماع عربي يقف خلف عدوان المحتل على
غزة لإنهاء ظاهرة المقاومة في غزة واجتثاث حركة "حماس" وعمل عربي بمقولة
أن النخوة العربية السائدة إن كانت بمصارعة المحتل أو دعم الفلسطيني إنما هي غريبة
عن أصالة النظام العربي ، وأن طهران هي التي تحرك ضمائر وقلوب العرب والمسلمين،
للتعبير عن رفضهم للمحتل واستعدادهم لمواجهته وأصبحت شماعة التغلغل الايراني
بالمنطقة معلقة على حبلٍ مشترك يربط تل أبيب بعواصم عربية وغربية، وهي التي تدفع
ضحايا المستعمر الصهيوني لمقاومته، هذه الدونية البشعة من التزوير والشيطنة
للفلسطينيين ومقاومتهم ولشعوب عربية تعمل عليها أنظمة عربية بجيوشها وأمنها ووسائل
إعلامها وتقدم لمراكز بحث غربية وأمريكية النصائح والذرائع لضرب المقاومة
الفلسطينية وتطلب منها تقديم المعونات العسكرية التي تساعد بعض الأنظمة على تشدبد
قبضتها القمعية على شوارعها ومجتمعاتها.
ومهما كانت مخيلة السياسي على درجة عالية من
الاتساع، لم يكن أحد يجرؤ للذهاب في مخيلته إلى الحد الذي وصل اليه واقع حال أمن
العرب وسياساتهم، والذي أدى إلى اختلال الموازيين التي مكنت المحتل الاسرائيلي من
أن يكون اللاعب "الرئيسي" على هذا الصعيد، فغاراته المتكررة على
السيادة السورية وعدم رد النظام على العدوان واستيعاب رسائله القائلة بأنها تستهدف
ميليشيا ايران في سوريا وغير معنية بإسقاط النظام، وبالتالي كيفية هضم النظام
لدوره ودور آلته العسكرية مؤشر واضح عن الاتجاه الذي يسلكه بخصوص أمن وسلامة نظامه
ووجوده على كرسي الحكم، ولا يختلف كذلك الجوار الفلسطيني في مصر مع غزة والتي ركلت
اسرائيل كامب ديفيد بقدميها المحتلة لمحور فلاديلفيا مع حالات عربية كثيرة، تكتفي
بدور ووظيفة تلقي التعليمات الاسرائيلية والأمريكية لنفس السبب الذي يعزز الأدوار
العربية بمواقف التفرج و اللا مبالاة بأمنها وأمن شعوبها طالما هي تمارس مهام
القمع والقهر لها.
العوامل المشتركة للأمن العربي كانت
أولوياته خلق عدو مشترك ( الارهاب) بعيدا عن المستعمر الصهيوني وإرهابه وجرائمه،
لذلك فإن المخيلة العربية القارئة لمجريات العدوان على غزة واليمن ولبنان وسوريا
وفلسطين، والمواقف العربية منه ومن تداعياته، تعني بشكل واضح تنازلاً نهائياً عن
دورها الأمني لصالح انفراد الاحتلال الاسرائيلي بهذا الدور وهو ما تسعى اليه
الادارة الأمريكية بما يشكل الصورة الأنصع لارتباك وتخبط عربي مستمر منذ عقود الى
الزمن الراهن، فالدور الأمني العربي المسلوب والمزور يدفع بالمخيلة العربية الى
البحث عن المعادل الحقيقي على الأرض في المقاومة المتأصلة عند شعب فلسطين لمواجهة
المحتل وسياساته والتصدي لجرائم ابادته، فاحتضار الأمن العربي أمام المستعمر
الصهيوني وجعل ذراعه طويلة وطائراته تجوب الأجواء العربية وتلقي على مدنها حمم
الموت .
لكن يبقى السؤال الذي لا يحير عقل العربي
عن جيش وأمن العرب، إلى متى يستمر هذا
الاطمئنان الصهيوني "لنخوة" جيوش عربية؟
بعض الأجوبة غير المكتملة في
ثورات عربية مغدورة اختبرت جيوشها وأمنها على أجسادٍ عربية، وبعضها الآخر محفوظ في
صدور وسواعد المقاومين للمحتل في غزة وبقية مدن فلسطين، وفي الوجدان العربي
المشتعل رغم مقاومته محاولات اطفاءه بنخوة عربية لنجدة المحتل، وهي تذكرنا بواقعة
العدوان على مفاعل تموز العراقي وتدميره عام 1981، وتذكرنا بكاريكاتير حبيب حداد
في مجلة المستقبل حينها لسؤال عربيين بعضهم عن وجهة طائرات الاحتلال حينها بوجود
طائرات التجسس الأمريكية "الأواكس" التي كانت اشترتها السعودية آنذاك
وقيل الكثير عن مزاياها في الكشف والمتابعة والرصد، فيجيب عربي تلك الأيام بلسان
المتصهينين اليوم عن الطائرات " طالعة من بيت أخويا رايحة لبيت
الجيران".