قضايا وآراء

بوعلام صنصال.. و"قسم الصهاينة"!

تم اعتقال صنصال في مطار الجزائر، قبل نحو أسبوعين بعد عودته من باريس، وإيداعه الحبس الاحتياطي بتهم "أفعال إرهابية تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية"..
كموقف مبدئي من الأول والأخير وجب أن أقول إنني ضد اعتقال الكاتب الجزائري بوعلام صنصال، الذي منحه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجنسية الفرنسية، قبل أشهر قليلة رغم أنه لا يتوفر، مثله مثل "أخيه" الكاتب الجزائري الآخر، المثير للدجل (عفوا الجدل!)، كمال داود على شروط ذلك وخاصة الإقامة الدائمة.

وقد ظل صنصال وداود يصولان ويجولان بين فرنسا و"الجزائر القديمة والجديدة" لسنوات، "طالعين هابطين لباريس.. والتاكسي خالصة!"، كما تقول أغنية الراي الجزائرية. والكاتبان يحظيان بدعم واضح وتلميع من السلطة الفرنسية، ومن الأذرع السياسية والإعلامية الصهيونية واليمينية الاستعمارية المتطرفة في فرنسا، وإسرائيل والغرب! وقد برز موقف صنصال وداود في دعم والتبرير للكيان الصهيوني وإجرامه بشكل أوضح بعد 7 أكتوبر 2023.

تم اعتقال صنصال في مطار الجزائر، قبل نحو أسبوعين بعد عودته من باريس، وإيداعه الحبس الاحتياطي بتهم "أفعال إرهابية تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية" تحت طائلة المادة 87 مكرر. وذلك على خلفية التصريحات التحقيرية التي أدلى بها لقناة إلكترونية محسوبة على اليمين المتطرف في فرنسا، والتي ادعى فيها أن كل الغرب الجزائري يعود تاريخيا للمغرب، وأن الاحتلال الفرنسي اقتطعه منه.

يذهب بوعلام صنصال، في حواره مع "الوطن" (وبدون مناقشة وبشكل غريب من محاوره حينها!) للزعم "أن الجزائر مُطعمة ضد الديمقراطية"، ويتمادى لحد تقزيم الجزائر في سياق هوسه "الهذياني" لتسليمها لحكم الملالي الشيعة في إيران بالقول بأن "الجزائر لا تساوي شيئا، وهي بلد صغير غير متسق، وسيتم ابتلاعها ومضغها كقطعة خبز صغيرة"!.
وهو طرح ليس عن جهل في اعتقادي، لأن صنصال (المغربي الأصل من جهة والده ومن منطقة الريف تحديدا بكل إحالات ذلك) يعرف حقيقة التاريخ، إنما هو تصريح استفزازي مقصود منه. وكان يمكن نسف هذا الطرح بسهولة وبالأدلة والشواهد التاريخية مثلما فعل مثلا المؤرخ الفرنسي (اليهودي الجزائري) الشهير بنجامين ستورا، بدلا من تقديم خدمة دعائية له من قبل النظام الجزائري الذي خدمه صنصال لسنوات ولم يكن أبدا معارضا له، حيث كان صنصال مسؤولا كبيرا في وزارة الصناعة الجزائرية بمزايا كبيرة، وتباهى في الحوار نفسه مع القناة اليمينية العنصرية الفرنسية بأنه كان يُدعى "مسيو (سيد) الصناعة في الجزائر"! والخراب الذي يعرفه هذا القطاع في الجزائر يغني عن أي تعليق عن تباهي صنصال!

وقد كشف وزير الصناعة الجزائري السابق الهاشمي جعبوب، أنه لما تسلم الوزارة وجد أن صنصال كان يتصرف كما يشاء، وأنه لما استفسره عن غيابه وسفرياته المتعددة إلى فرنسا، أجابه الأخير بأنه مكلف بمهام من أعلى مسؤولين في النظام، وهي تتجاوز الوزير نفسه!

كان ذلك في بداية الـ2000 عندما بدأ نجم صنصال، الذي جاء متأخرا للكتابة في الخمسينيات من العمر، يبزغ في فرنسا بروايته الأولى "قسم البرابرة"، وبدأت خرجاته المدغدغة والمغذية للكليشيهات تطرب اليمين العنصري المتطرف في فرنسا، من دفاعه عن اللغة الفرنسية بملكية أكثر من الملك إلى هجومه على المسلمين والإسلام، وادعاءاته بخطره على الغرب والترويج للنظرية اليمينية العنصرية المتهافتة عن "العدو الداخلي الإسلامي الذي يتغلغل في أوروبا وسيسيطر عليها"، ودغدغته لـ"قسم الصهاينة" باستعارة عنوان روايته!

في تعليق له على حبس صنصال قال الوزير والدبلوماسي الجزائري السابق عبد العزيز رحابي إن صنصال بكلامه يعيد إحياء السردية الاستعمارية وما تحمله من مغالطات تاريخية، وأنه لا يدرك مدى عدم احترامه للمشاعر الوطنية الجزائرية. وأنه يعلم جيدًا أن اعتقاله سيخدمه شخصيًا، في الوقت الذي سيسيئ فيه إلى صورة الجزائر على الساحة الدولية.

وقد استنفرت السطات الفرنسية والأذرع السياسية والإعلامية في فرنسا للتنديد باعتقال صنصال المواطن الفرنسي، بينما صمتت مثلا عن حبس الناشطة الحراكية السلمية والفنانة الفرنسية الجزائرية جميلة بن طويس، التي تقبع في السجن منذ أكثر من عام بسبب أغنية، بعد اعتقالها خلال زيارتها لبلدها الأصلي لحضور جنازة والدتها، وقد تركت عائلتها وأولادها في فرنسا، حيث تقيم منذ عقود، وحصلت على الجنسية الفرنسية بحكم قوانين الإقامة عكس صنصال!

وكنماذج لردود الفعل في حبس صنصال، موقف رئيس الوزراء الفرنسي السابق إدوارد فيليب الذي كتب: “إنه يجسد كل ما نعتز به.. الدعوة إلى العقل والحرية والإنسانية ضد الرقابة والفساد والإسلاموية".

من جانبها، طالبت زعيمة حزب "التجمع الوطني" اليميني العنصري المتطرف، مارين لوبان، الحكومة الفرنسية بـ "التحرك من أجل الإفراج الفوري" عن بوعلام صنصال، ووجهت التحية لـ”المناضل من أجل الحرية والمعارض الشجاع للإسلاميين".

ماريون ماريشال، عضو البرلمان الأوروبي، ابنة أخت مارين، وحفيدة جون ماري لوبان، مؤسس حزب اليمين العنصري المتطرف، والمتهم بممارسة التعذيب كضابط في جيش الاحتلال الفرنسي، خلال الثورة الجزائرية، للمطالبة بمقايضة الكاتب بمن وصفتهم بـ“المجرمين الجزائريين القابعين في السجون الفرنسية".

من جهتها أفردت مجلة "شارلي إيبدو" اليمينية المتطرفة غلاف عددها الأخير لصنصال وكتبت عليه: "أيها الجزائريون خذوا أئمتكم، وأعيدوا لنا كتّابكم"!.

من جانبه عبَّر المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا في تدوينة عن "دعمه لبوعلام صنصال، المعتقل في الجزائر". ووصفه بـ"كاتب النور المدافع عن القيم العالمية، الذي يواجه الظلامية". وطالب بـ"الإفراج الفوري عنه".

وكان صنصال قبل نحو عام ضيفا في ندوة خاصة نظمها هذا المجلس له، زايد فيها صنصال على الحاضرين بالقول إنه تردد على الكنيس اليهودي، وقرأ التوراة أكثر من الكثيرين من اليهود الحاضرين! وأعاد صنصال في الندوة ترويج رواية اتُهم باختلاقها لدغدغة الأوساط الصهيونية بزعمه أن حاخاما يهوديا رعاه ورعى والدته في حي بلكور بالجزائر العاصمة، وأعطاهما غرفة في كنيس يهودي للإقامة فيه، وأن صنصال الطفل تربى عمليا على يد هذا الحاخام.

وقد تكللت دغدغات صنصال للكيان الصهيوني في أيار/ مايو 2012، بالتزامن مع إحياء الفلسطينيين الذكرى الرابعة والستين للنكبة، عندما دعاه الكيان الصهيوني للمشاركة كـ"ضيف شرف" في مهرجان أدبي بالقدس المحتلة، احتفالًاً بذكرى إنشاء الكيان الإسرائيلي، وقد لبَّى صنصال الدعوة، بل وعبَّر حتى في حوار مع صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، عن افتخاره بزيارة الكيان الصهيوني وتشوقه لزيارته مرة أخرى، ومدحه علنا لإرضاء اللوبي الصهيوني النافذ لأغراض جوائزية مفضوحة. وفي حواره مع الصحيفة الإسرائيلية نفسها في 2015، للتسويق لروايته التي تحمل عنوان "2084" صرخ صنصال عاليا: "تحيا اللغة الفرنسية وحدها في الجزائر"! وقال بأنه "يريد أن تكون هي اللغة الرسمية في الجزائر"!

خرجات صنصال الاستفزازية ستسمر، ففي 2016 نفسها صدَم الجزائريين وغير الجزائريين، من بينهم حتى الكثير من الفرنسيين، بتشبيه الإرهابيين "الداعشيين" الذين ينفذون عمليات إرهابية في أوروبا، بمجاهدي ثورة التحرير الجزائرية الذين كانوا ينفذون عمليات فدائية ضد الاستعمار الفرنسي.

وقبل ذلك ففي 2008 أصدر رواية بعنوان "قرية الألماني أو مذكرات الأخوان شيلر"، وقد ترجمت الرواية إلى الإنجليزية في أمريكا بعنوان "المجاهد الألماني"، فيما ترجمت ببريطانيا بعنوان مغاير "عمل غير منجز" ربما خوفا من ردود فعل غاضبة لهذا الخلط والتدليس، بربط ثورة التحرير الجزائرية ومجاهديها بالنازية وحتى كما يزعم صنصال الرابط بين "الأصولية الإسلامية" والنازية! ويقدم صنصال في هذه الرواية التشوهية "عربون ولاء آخر للصهيونية وإسرائيل، فـ"المجاهد الألماني"، كان ضابطاً نازياً لجأ إلى مصر، وأرسله جمال عبد الناصر لمساندة الثورة الجزائرية في خمسينات القرن الماضي!

استفزازت صنصال تواصلت إلى حد الترويج إلى احتلال جديد للجزائر وحتى للعرب والمسلمين.. باحتلال إيراني فارسي شيعي!

ففي حوار مع صحيفتي "الوطن" الجزائرية (بالفرنسية) و"هآرتس" الإسرائيلية للتسويق لروايته الجديدة "2084" (الصادرة خريف 2015)، أطلق صنصال تصريحات استفزازية خطيرة. ولعل أكثر هذه التصريحات شؤما هو محاولته التسويق ليس تخيلا روائيا، إنما واقعيا ومن منطلق غريب جاهل بالحقائق التاريخية والواقعية إلى "قَدرٍ" غريب، يُسلم فيه صنصال بمستقبل تخضع فيه الجزائر وشعبها وحتى شمال إفريقيا والعرب والأتراك وحتى الهند، لحكم احتلالي شيعي، يقبل به السنة ويسلمون القيادة لإيران الشيعية!

خرجات صنصال الاستفزازية ستسمر، ففي 2016 نفسها صدَم الجزائريين وغير الجزائريين، من بينهم حتى الكثير من الفرنسيين، بتشبيه الإرهابيين "الداعشيين" الذين ينفذون عمليات إرهابية في أوروبا، بمجاهدي ثورة التحرير الجزائرية الذين كانوا ينفذون عمليات فدائية ضد الاستعمار الفرنسي.
كما جاء في روايتة "2084"، التي تقع أحداثها في هذا العام ويسيطر فيها على العالم حكم ديكتاتوري عالمي للدولة الإسلامية، ليس "داعش" كما يصحح لمحاورته الإسرائيلية إنما إيران. وبقدر ما كان هناك "تسويق" يتماهى فيه أو بالأحرى يقدم فيه صنصال خدمة لرواية إسرائيل التلاعبية لخطر إيران (التي يعاني نظامها داخليا)، فإن هناك جهلا وتناقضا واضحا في ما يطرحه صنصال، الذي أجزم أنه لا يعرف الخلفية التاريخية الطائفية المشحونة والمعقدة في العالم الإسلامي بين الأقلية الشيعية والغالبية السنية.

ويذهب بوعلام صنصال، في حواره مع "الوطن" (وبدون مناقشة وبشكل غريب من محاوره حينها!) للزعم "أن الجزائر مُطعمة ضد الديمقراطية"، ويتمادى لحد تقزيم الجزائر في سياق هوسه "الهذياني" لتسليمها لحكم الملالي الشيعة في إيران بالقول بأن "الجزائر لا تساوي شيئا، وهي بلد صغير غير متسق، وسيتم ابتلاعها ومضغها كقطعة خبز صغيرة"!.

ولصنصال استقزازات أخرى لا يسع المجال لذكرها كلها، ولكن رغم ذلك فإنني أختم بالتأكيد مرة أخرى أن حبسه في الجزائر يقدم خدمة له ولرعاته، وأن مواجهته فكريا وكشف تناقضاته وتهافت طروحاته وطروحات رعاته المتداعية هو الرد الأفضل.

*كاتب جزائري مقيم في لندن