مقالات مختارة

مراجعات نهاية عام الكوارث العربية والفلسطينية

إكس
سيستقر في الذاكرة ما دمنا أحياء أن عام 2024 كان الأقسى والأمرّ والأكثر دموية على الشعب الفلسطيني، منذ نكبة عام 1948.

ومراجعة سريعة لآخر التطورات في سنة المصائب هذه، تتدفق علينا الأخبار التي تتحدث عن قصف مستشفيات كمال عدوان والمعمداني والإندونيسي في غزة، واستشهاد العشرات من بينهم عائلات بأكملها شرقي خانيونس. ومن بين الضحايا صحافيون وعمال إغاثة وممرضون وأطفال ونساء. يصل عدد الشهداء إلى أكثر من 45 ألفا والمفقودين بعشرات الألوف والجرحى يزيدون عن المئة ألف. 10% من سكان غزة سقطوا ضحايا لحرب الإبادة التي يشنها على الشعب الفلسطيني التحالف الصهيوأمريكي وزبانيته الأوروبيون وعرب التطبيع والخيانة.

وفي الضفة الغربية استشهد ما يزيد عن 736 فلسطينيا خلال الفترة بين 7 أكتوبر 2023 وحتى 31 أكتوبر 2024 من بينهم 430 فلسطينيا استشهدوا منذ بداية عام 2024 دون أن نضيف إليهم شهداء ديسمبر، وبينهم من سقطوا على أيدي سلطة التنسيق الأمني «المقدس»، آخرهم ثمانية شهداء في مخيم طولكرم. أما عنف المستوطنين فلا حدود له، فقد أصبح ممارسة يومية تشمل اقتحام القرى بحماية الجيش وقطع الأشجار وسرقة محاصيل الزيتون وحرق المساجد وتدمير المباني وسرقة الأغنام وطرد السكان من منازلهم.

لكن الأكثر وجعا، أن يقوم رجال الأمن الفلسطينيون بتوجيه بنادقهم لرجال المقاومة في جنين، واستهداف للمناضلين واتهامهم بأنهم عملاء إيران وإرهابيون، وتضيف السلطة مصطلح «الخارجين عن القانون».

ونود أن نعرف أين هو ذلك القانون الذي يخرقه المناضلون والثوار: قانون التنسيق الأمني؟ قانون الانصياع والهدوء وتقبل الذل وتجرع الهزيمة؟ قانون يحمي المستوطنين ولا يحمي أولاد وبنات البلاد؟ هل يحتاج فلسطيني حر تعليمات من أي جهة في العالم لتجعله يقف ضد الاحتلال ويعمل على إنهائه بالطرق المناسبة؟ أفيدونا ما هو هذا القانون الذي تتمسكون به؟ قانون إلغاء الانتخابات؟

قانون تمديد الرئيس لولايته شخصيا مرة وراء مرة؟ قانون تحويل منظمة التحرير الفلسطينية إلى دائرة من دوائر السلطة؟ قانون إصدار الفرمانات الشخصية لضم أعضاء جدد للجنة التنفيذية واللجنة المركزية، وحل المجلس التشريعي؟

كيف يمكننا أن ندافع عن حقوق الشعب الفلسطيني في المنابر الدولية وهناك من داخل الساحة الفلسطينية من يعتدى على حق الفلسطيني برفض الاحتلال ومقاومته، واختصار أسباب المقاومة إلى تعليمات من إيران أو «داعش»؟ اي خطل وجنون أكثر من هذه الذرائع؟

يتم قمع المظاهرات التي تدعو لحقن الدم، بل ترفض الأجهزة استقبال الوفود الشعبية التي تدفقت على جنين ومخيمها لوقف الاقتتال وتعتقل كل شريف في أجهزة الأمن يرفض التوجه إلى جنين لتسديد رصاصه على إخوته وأبناء عمه وأهله. في رأيي «هذه المصيبة لا يرقى الحداد لها- لا كربلاء رأت هذا ولا النجف». مشكلة هؤلاء أنهم يتعاملون مع شعب واعٍ لا يهمه ما يقوله المتحدث الرسمي للأجهزة الأمنية. فاستطلاعات الرأي لم تعطهم أكثر من 5% من التأييد.

توقيت هذه الهجمات ورفض كل الوساطات رسائل تقدمها السلطة سلفا للحصول على شهادة الأهلية لترضى عنهم الإدارة الأمريكية المقبلة، التي تأتمر بأوامر تل أبيب.

– انشغلت المنظومة الدولية بكاملها خلال هذا العام بمجازر غزة. مجلس الأمن الدولي عقد أكثر من 40 جلسة بعضها على مستوى الوزراء، وبعضها عقد بصورة طائرة. اعتمد المجلس قرارين لوقف إطلاق النار، دون أن تعطي لهما إسرائيل أي انتباه. كما استخدمت الولايات المتحدة الفيتو ثلاث مرات.

واعتمدت الجمعية العامة العديد من القرارات (غير الملزمة) مثل أهلية فلسطين للعضوية الكاملة والوقف الفوري وغير المشروط لوقف إطلاق النار، ودعم الأونروا وإحالة القرار الإسرائيلي بحظر الأونروا إلى محكمة العدل الدولية.

كما أصدرت محكمة العدل الدولية ثلاث رزم من الإجراءات الاحترازية المستعجلة لوقف إطلاق النار في غزة وإيصال المساعدات والاحتفاظ بالأدلة والوثائق، التي يمكن أن تساهم في تصنيف ما يجري في غزة بـ»حرب إبادة». كما أصدرت فتوى قانونية يوم 17 يوليو تطالب بإنهاء الاحتلال فورا، وترحيل المستوطنين وتفكيك المستوطنات. وتبنت الجمعية العامة يوم 19 ديسمبر تلك الفتوى وأعطت إسرائيل مهلة 12 شهرا لإنهاء الاحتلال.

تحية لشهداء المقاومة الأبطال، الذين سطروا بدمائهم صفحات من الشرف والعزة والكرامة والتحقوا بمن سبقوهم من أبطال المقاومة الفلسطينية على مر السنين.

– لبنان كان الطرف الثاني الذي تعرض لجرائم الحرب الصهيوأمريكية. وكان موقف المقاومة بإسناد غزة موقفا مبدئيا وشجاعا، لا يجوز لأحد أن يقلل منه أو يحاول تفسيره بليّ عنق الحقائق، فقد دفعت المقاومة والشعب اللبناني، خاصة سكان الجنوب والضاحية وبيروت ثمنا باهظا لذلك الموقف.

وما زال اللبنانيون يحصون شهداءهم ويعاينون دمار قراهم. ولا بد هنا أن نترحم على سيد المقاومة الشهيد وقيادات المقاومة الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم من أجل فلسطين وغزة والقدس وكرامة لبنان وحريته.

– أما السودان فقد واجه سنة 2024 أزمة إنسانية هي الأكبر في العالم بعد 20 شهرا من الحرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي».

وتقول الأمم المتحدة إن هناك نحو 18 مليون شخص في البلاد يعانون بالفعل من الجوع الشديد، ويعاني 3.6 مليون طفل من سوء التغذية الحاد. وقال المكتب إن هؤلاء الأطفال معرضون لخطر شديد، لأنهم أكثر عرضة للوفاة بنسبة 10 إلى 11 مرة مقارنة باليافعين، الذين يتلقون ما يكفي من الطعام. ولا نذيع سرا إذا قلنا إن دولة خليجية تمول انشقاق حميدتي وتقدم له ما يحتاجه من سلاح ومعدات وذخائر. لقد شهد مجلس الأمن مشادات عنيفة بين ممثلي البلدين.

– اليمن وليبيا: ما زالت الدولتان تعانيان من انقسامات عميقة تعززها دول من الخارج. صحيح أن المواجهات المسلحة تراجعت في البلدين لكن بوادر الحل على أرضية الوحدة والاحتكام للصندوق ما زالت بعيدة. الوضع الداخلي في اليمن أفضل من السابق بسبب جبهة إسناد فلسطين، التي لا يختلف عليها يمنيان. ما نريده في العام المقبل المصالحة والتوافق والوحدة في البلدين العزيزين.

– تونس خيبتنا الأخيرة – لقد ظللنا نعتبر أن تجربة تونس هي الاستثناء الذي يبرر القاعدة، فقد شهدت البلاد تحولا سلميا نحو التعددية والانتخابات الحرة والتغيير السلمي للسلطة وتمكين المرأة، إلى أن قام قيس سعيّد بانقلابه الدستوري في 25 يوليو 2021، حيث استنسخ التجربة المصرية فزج الآلاف في السجون وقيد الحريات وهبط بمستوى البلاد إلى الحضيض، ولا أرى فرقا بين وضع الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي في السجن ووضع راشد الغنوشي. الاستبداد واحد والتعبيرات عنه متعددة. لعل ما حدث في سوريا يرسل رسالة قوية لهولاء الطغاة.

– نقطة الضوء الوحيدة التي جاءت في نهاية عام 2024 ومنحتنا جرعة أمل في حيوية هذه الأمة هي انهيار النظام الفاشي الدموي في دمشق الذي شدد الخناق على الشعب السوري لمدة 54 سنة، وانتهى بهذا الشكل المذل. إن هبة الشعب السوري بكامله ضد نظام البراميل والسجون والتعذيب يستحق الإطراء، لكن من المبكر أن نقرأ المستقبل.

فهناك قوى كبيرة جاذبة، كل طرف يريد أن يجر سوريا إلى مربعه. نتمنى للشعب السوري التعافي وبناء دولة ديمقراطية حرة سيدة عزيزة مستقلة على كامل تراب سوريا، وألا تتكرر تجربة ليبيا واليمن والسودان ومصر. ثقتنا بالشعب السوري ووعيه وتجاربه وحبه لوطنه عالية.

ونأمل أخيراَ أن يكون عام 2025 أفضل من سابقه وأن يواجه العرب رعونة إدارة ترامب المقبلة بمواقف جادة تحمي كرامة الأمة وثرواتها وأمنها القومي.

القدس العربي