يعتبر موسم حصاد القمح والشعير وغيرها من الحبوب مناسبة مبهجة للفلاح
الفلسطيني، يجني فيها ثمرة جهده ويحصل على مصدر رزق يغنيه عن سؤال الآخرين، إلا أن
الاحتلال ومستوطنيه لا يجعلون هذه المناسبة تمر إلا بغصة وألم، إما بحرق المحاصيل الزراعية أو بمنع دخول المزارعين إلى أراضيهم.
خربة يانون، والتي تتبع بلدية عقربا جنوب شرق نابلس مثال حي على وجع الأرض والإنسان، القرية التي يلفها صمت المقابر بعد أن هجرها معظم سكانها بعد الاعتداءات المستمرة لجنود الاحتلال والمستوطنين ومصادرة 85 في المائة من أراضيها والبالغة 17 الف دونم بحسب مصادر محلية، فيما منعت المزارعين من الدخول إلى الأراضي غير المصادرة إلا بتنسيق.
الخنازير تدمر المحاصيل الزراعية
ولا تتوقف الاعتداءات عند هذا الحد، فيتعمد المستوطنون إطلاق الخنازير على أراض المواطنين ومزروعاتهم كما قال المزارع راشد مرار لـ"عربي21"، وأضاف: "تضررت مزروعاتي من الخنازير، ففي هذا العام زرعت خمسة دونمات وتلفت كلها بسب الخنازير، وحتى الآن لم يعوضني أحد، كذلك زرعت في فصل الشتاء دونمي "فول"، قامت الخنازير بأكلها كلها، وكل ما نقوم بزراعته من قمح وشعير تأكله الخنازير وفي النهاية لا يبقى لنا من المحصول إلا 20-30 في المئة".
وأوضح أن المزارع في يانون يخسر أكثر من 1500 دينار أردني، إضافة إلى أن هذا الموسم بطبيعته كان سيئا بسبب قلة الأمطار.
ويمارس جيش الاحتلال ضغوطاته على المزارعين ويمنعهم من فلاحة أرضهم، يقول مرار: "الجيش يضيق علينا في يانون ويمنعنا من الحصاد مع العلم بأننا نملك أوراقا ثبوتية لهذه الأراضي وقمنا بتسليم هذه الأوراق للارتباط الفلسطيني والإسرائيلي، ورفعنا قضية عليهم وكانت نتيجتها بالسماح بالعمل وزراعة الأراضي كما نريد، لكن على ارض الواقع يطبقون العكس ويعيقون عملنا في أرضنا".
يانون المشهورة بشجر الزيتون وخصوبة أراضيها لا تجني من الزيت إلا القليل، يقول مرار: "نعاني خلال موسم الزيتون، فالأراضي قريبة من المستوطنات، لذلك يحدد الارتباط مدة محددة لنقطف الزيتون فيها، وفي الغالب تكون هذه غير كافية أو في وقت غير مناسب، وتحديد فترة معينه للدخول لهذه الأراضي مره في السنه يمنعنا من العناية في الأرض والزيتون بالشكل المناسب مما يؤدي إلى انخفاض إنتاجها بشكل كبير جداً، كما في أغلب الأحيان نجد المستوطنين يرعون أغنامهم طول العام فيها ويقومون بسرقتها، ففي العام الماضي قمت بحصاد 300 زيتونة لم انتج منها إلا كيلو واحد فقط من الزيت حملته بيدي وعدت به إلى البيت، فيما كانت في الماضي تنتج نحو 100 تنكه من الزيت".
وتحيط المستوطنات بالخربة من كل الجهات، وهي بؤر استيطانية امتدادا لمستوطنة "إيتمار"، فمن الجهة الغربية للخربة بنيت البؤرة الاستيطانية "جيفعات عولام افري آران"، ومن الجهة الشمالية "جدعينيم" ومن الشرق بؤرة "777"، ومؤخرا بدأ المستوطنون ببناء بؤرتين جديدتين من الجهة الشمالية الشرقية ومن الجهة الشرقية الجنوبية، ويستعمر في الضفة الغربية نحو نصف مليون مستوطن في 120 مستوطنة.
ويشاطر المزارع اليانوني كمال يوسف زميله مرار رأيه بصعوبة الأوضاع على المزارعين وأراضيهم وتفاقمها، وقال لـ"عربي21": "الخنازير أكلت الشعير الذي زرعته هذا العام، حتى أغنامي لا ترعى فيها بسبب رائحة الخنازير الموجودة فيها، وكان يوجد لدي أراض أخرى مزروعة بالفول هاجمتها الخنازير أيضا، والآن عندما ينضج القمح اذا لما تأت آلات الحصادة لحصده ستهاجمه الخنازير ومع ذلك لا يقوم أحد بتعويضنا، في هذه العام خسرت بسبب الخنازير ما يقارب 50-60 في المئة من محصولي الزراعي، مع ذلك ومع هذه الخسائر فنحن مصرين على زراعتها حتى لا تتم مصادرتها، بالرغم من انخفاض الدعم الموجه إلينا".
ويشير إلى أن الاحتلال صادر كل الأراضي التي يمكن زراعتها ولم يبق إلا الموجودة بين المنازل، وبذلك قلل من الأراضي التي يزرعها أهالي يانون وقلل مساحة المراعي أيضا.
واستدرك يوسف بقوله: "لقد انخفض عدد الأغنام التي نملكها إذ كنت أملك نحو 250 رأسا من الأغنام لكن الآن لا أملك إلا 70 رأسا".
مساعدات محدودة
وفي ظل هذه الأوضاع الصعبة التي تعيشها يانون وشبيهاتها من القرى والبلدات الفلسطينية، يظل السؤال مطروحا من يقدم لهذه القرى يد العون؟
نائب رئيس بلدية عقربا، التي تتبع لها يانون، بلال عبد الهادي أكد في حديثه مع "عربي21" محدودية المساعدات المقدمة لها مقابل النكبة التي تعانيها؛ "كبلدية نزودهم بخدمات الماء والكهرباء، ونساعدهم عن طريق الإغاثة الزراعية وجمعيات أخرى لتخفيف الإضرار الواقعة علهم، كإرسال الأعلاف، ولكن على صعيد المساعدة المالية فذلك صعب لأنه غير مدرج في الموازنة المالية للبلدية".
وأشار عبد الهادي إلى أن يانون خسرت أغلب أراضيها الزراعية ولم يبقى منها إلا البيوت وقليل من الأراضي التي تجاور هذه البيوت، أما بالنسبة للسهول والجبال فكلها تم الاستيلاء عليها، وهذا أدى إلى خسارة اغلب المراعي مما نتج عنه تقليل الثروة الحيوانية فيها بشكل كبير، كما تسببت مضايقات الجيش والمستوطنين بهجرة المزارعين الذين يمتلكون إعدادا كبيرة من الأغنام للعيش في عقربا بسبب عدم وجود المراعي وقلة الإمكانيات المادية".
وتعتبر محافظة نابلس من أكثر المحافظات التي يعتدي فيها المستوطنون على الأراضي والمزارعين متسببين في اتلاف المزروعات وقتل الماشية وإحراق الأشجار.