علق المحلل الاستراتيجي أنتونني كوردسمان، الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، على النقاش الدائر في واشنطن حول إرسال
قوات برية للعراق أم لا.
ورأى أن الأمر يتعلق بفرضيات، منها أن المسألة الأساسية في
العراق ليست قتال "تنظيم الدولة" المعروف بـ "
داعش"، ولكنه بناء عراق موحد لا يعتمد على إيران، أو عراق مقسم بين السنة والشيعة والأكراد. مشيرا إلى أن هناك حاجة ماسة لإرسال قوات برية.
ويقول كوردسمان في نقاشه "لن يكون هناك أي انتصار عسكري ذي معنى دون استقرار سياسي في العراق، وتغيير في كفاءة وطبيعة الحكم، الذي يمنح كل مكون من مكونات المجتمع العراقي أملا وحوافز للتعاون بطريقة يتم فيها تأمين البلد".
ويضيف كوردسمان "هذا ليس قتالا موجها ضد تنظيم الدولة في
سوريا، مع إن أحسن نتيجة لإضعاف وتدمير التنظيم لن تؤدي لانتصار ضد التطرف الإسلامي، ولن يُهزم التطرف في العراق وسوريا، ولكنه سيقمع بطريقة تجد فيها الفصائل الطائفية والعرقية الرئيسية بديلا أفضل، رغم أن تهديد التطرف الديني سيظل ينمو في بقية أنحاء العالم الإسلامي".
ويؤكد أن الحرب، ستترك سوريا مقسمة بين نظام الأسد، الذي تسبب في ضحايا ومعاناة إنسانية أكثر من تلك التي تسبب بها "داعش"، وسيقوم باستعادة السيطرة على نسبة ما بين 69-70% من سكان سوريا، وبين الفصائل المتعددة.
وستبقى أزمة اللاجئين داخل البلاد وخارجها، والتي تقدر الأمم المتحدة عددهم بـ 9 ملايين لاجئ، في خطر. فيما سيبقى الخيار الأنسب، الذي ستقوم به الولايات المتحدة والدول العربية المتحالفة معها لإنشاء بديل سياسي وعسكري أفضل، بعيد المنال، ويحتاج لسنوات من أجل بنائه، بحسب كوردسمان.
ويرى كوردسمان أن هذه هي الأهداف الرئيسية التي يجب العمل عليها لقتال "داعش"، وهي هدف الاستراتيجية الأميركية في كل من سوريا والعراق، بالرغم من بعض القيود على أي تواجد بري للقوات الأميركية، التي تريد تحقيق الأهداف، مذكرا بالقول "ليست هذه هي الفترة 2003- 2011، فالولايات المتحدة لم تعد القوة الغازية وعليها التدخل في البلد الذي قسمه المالكي وأضعفه ودفعه نحو الحرب الأهلية".
مضيفا أن التاريخ سيحكم إن كان المالكي أسوأ من صدام، ولكن أي استخدام أميركي للقوات البرية يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الحقائق على الأرض، وأن أي قوة ترسل للعراق اليوم يعني تورطها في حرب أهلية، أشعلها المالكي عام 2011، ولن تتجنب في هذه الحالة الوقوع في المعركة الدائرة بين السنة والشيعة وقوات البيشمركة. فقد سيس المالكي وأسهم في إفساد القوات العراقية المسلحة، وهمش الصحوات العراقية، وأصدر أحكاما بالإعدام على قادة السنة السياسيين، وشل الاقتصاد العراقي والبيشمركة، واستخدم الجيش والشرطة لقمع السنة المهمشين في غرب وشمال البلاد، وخلق فراغا في السلطة سمح فيه لـ "تنظيم الدولة" بالسيطرة على معظم البلاد.
ويعتقد كوردسمان أن وجود حكومة موسعة وصادقة قد يكون قادرا على التغلب على هذا الإرث، ولكنها محاولة لها محاذيرها؛ فستجد الولايات المتحدة نفسها مجبرة للتعاون مع فصائل سنية وشيعية ترى فيها عدوا، والتعامل مع شعب يحتاج لمساعدة من أميركا، في الوقت الذي يرى الرأي العام العراقي أنها هي سبب كل مشاكله وبؤسه. وقد تجد الولايات المتحدة نفسها رهن صراعات سياسية يحاول كل طرف الاستفادة منها ضد منافسه. ومن هنا فنشر قوات برية في ظل هذه الظروف لن يجد دعما فيما يتعلق بالسياسة المحلية الأميركية، ولن تجد دعما شعبيا، باعتبارها قوة غير مسلمة سينظر إليها كطرف في الحرب تدعم هذا الجانب على ذلك الطرف، مما سيؤدي لخلق عدد من المشاكل التي ستؤثر على الوحدة السياسية في العراق، وستمنع كل طرف من الأطراف من اتخاذ المبادرات لبناء قوات أمنية تكون قادرة على احتواء وهزيمة "داعش" وكل القوى التي تؤلب وتشعل العنف المتطرف.
ومن المتوقع تغير هذا الوضع مع مرور الوقت، كما يقول الكاتب، ففي حالة تحققت الوحدة السياسية، وأنشأ العراقيون قوى أمنية موحدة فعندها قد يترك نشر قوات أميركية محدودة أثره. وفي حالة تحقق هذا فمن غير المحتمل أن تكون هناك حاجة لمثل هذه الترتيبات الأميركية، ولن تكون بالضرورة هناك حاجة لمثل هذا في حال لم يحقق العراق تقدما.
ويشير الكاتب إلى أن الجيش العراقي أظهر قدرة على القتال، سواء الأكراد أو الإيرانيين أو أثناء الاحتلال الأميركي، لكن العراق اليوم بحاجة لتدريب واستشارة وتحسين أساليب الحكم، وتشارك في الثروة النفطية، ويحتاج للمساعدة في الأمن والاستخبارات وإدارة مجاله الجوي، ويحتاج لدعم في التسليح واستيراده والتدريب على استخدام المعدات الجديدة.
ويعتقد الكاتب أن العراق لديه وحدات قادرة على القتال رغم ما فعله المالكي، ولكنها بحاجة لقوات أمامية وقوات خاصة ووحدات متخصصة للتنسيق ما بين القوى الجوية والدبابات والقوات البرية.
ويقول إن خبرات الولايات المتحدة في فيتنام وأفغانستان والأيام الأولى لغزو العراق والحرب البطيئة في اليمن، تؤكد الدروس المهمة للتاريخ العسكري؛ وهي أن قوات بلد مضيف ضعيفة ومنقسمة، تحتاج للدعم على مستوى الوحدات القتالية، كي تطور نوعا من التماسك والقيادة العسكرية الفاعلة ومهارات قتالية.
ويخلص الكاتب إلى أن التوصية بقوات برية تعتمد على كيفية إدارة الحملة الجوية، وتطور الحملة في سوريا وعمليات تدريب المعارضة السورية. ويرجع الأمر لقادة الولايات المتحدة العسكريين.