كانت أم قيس مستبشرة بتحسن الوضع في
الموصل، بعد دخول تنظيم الدولة "
داعش" إلى المدينة، حيث إنها رأت في الأيام الأولى معاملة حسنة من قبل أفراد التنظيم تجاه سكان الموصل.
أم قيس التي تبلغ من العمر 51 عاما لديها سبعة أبناء، بدأت بتغيير نظرتها الإيجابية نحو التنظيم، بعدما اعتقل ابنها قيس ومعه أخوه الأصغر عبد الملك في بداية شهر أيلول/ سبتمر الحالي، حيث تم اقتياد عبد الملك إلى جهة مجهولة في بادئ الأمر بعدما اقتحم عناصر التنظيم بيته وأغمضوا عينيه.
يقول عبد الملك الذي بقي في سجون تنظيم الدولة في الموصل لمدة ثلاثة أيام فقط لـ"عربي21"، إن عناصر التنظيم وجهوا له تهمة "الحديث بكلام سيئ" عنهم، متابعا "لم يبدر ذلك مني، ولكن يبدو أن هناك من كان يريد السوء بعائلتنا فاتهمني بذلك".
وبين أنه "بعد خروجي من سجون التنظيم بأيام ذقت فيها جميع أنواع الضرب والسباب، جاء العناصر أنفسهم إلى البيت مرة أخرى وقاموا باعتقال أخي الأكبر قيس، بحجة أنه يقوم بنصب أبراج الإنترنت في الحي دون علم التنظيم".
قيس الذي التقته "عربي21" وهو في طريق الهرب إلى تركيا وهو يعاني حالة نفسية سيئة، قال في حديث خاص: "تم عرضي على القاضي الشرعي، الذي أصدر أمرا بمصادرة الهواتف النقالة وأجهزة الحاسوب، وأمر أيضا بجلدي 80 جلدة"، مضيفا: "لم أفهم إلا لماذا أصدر علي هذا الحكم، وناقشته، فأجابني نصا: مثلك لا يناقش وهذا حكم الله".
ويشير قيس إلى أنه بالفعل تم جلده 80 جلدة، بالإضافة إلى حلق شعره بالكامل، ومن ثم تم إخراجه من السجن، مؤكدا أنه لم يفكر وعائلته بالخروج من الموصل حينها إلا عندما وصلتهم أنباء من مقربين من "داعش" بأن عناصره ينوون اعتقالهم مرة أخرى.
حزم قيس وأبوه وأمه وإخوته جميعا أغراضهم دون أن يشعر بهم أحد في المدينة، وخرجوا من الموصل باتجاه مدينة أربيل في إقليم كردستان، لكن الطريق المباشر الرابط بين الموصل وأربيل غير مؤهل للتنقل فيه، بسبب المعارك المستمرة بين تنظيم الدولة وقوات البيشمركة الكردية، فقررت عائلة قيس المضي إلى أربيل عن طريق كركوك، حيث يستغرق الطريق أكثر من خمس ساعات.
وفي الطريق إلى كركوك، اعترضت نقطة تفتيش تابعة لتنظيم الدولة عائلة قيس، وتم استجوابهم حول ما إذا كان من بينهم "مرتد من الشرطة والجيش"، وبعد التأكد من هوياتهم تركوهم يرحلون.
لكن قيس وعائلته التي كانت تقيم في منطقة قديمة في الموصل بجوار جامع النبي شيت الذي فجره التنظيم، تفاجأوا بأن دخول أربيل عن طريق كركوك يتطلب وجود كفيل كردي من داخل المدينة، وبقوا ساعات في شوارع كركوك حتى وجدوا كفيلا، لكن المفاجأة الكبرى - كما يقول قيس – هي أن قوات الأمن الكردية لا تسمح بدخول أحد إلى أربيل سوى المقيمين فيها.
ويقول قيس في اتصال هاتفي من "عربي21"، وهو عند حدود كركوك أنه قرر هو وعائلته الرحيل إلى بغداد، ليجدوا من هناك منفذا للسفر إلى إسطنبول.
وأضاف: "نحن الآن نركب سيارة تقلنا إلى بغداد، والسائق أخبرنا بأن الطريق سيستغرق قرابة 10 ساعات، وأنه مليء بالميليشيات الشيعية التي قد تعترض طريقنا".
ويؤكد قيس أن عائلته باتت لا تخشى على نفسها بل على الأم التي تعاني من مرض شديد في القلب، ويقول: "وصلنا بسلام إلى بغداد وما هي إلا أيام حتى استطعنا أن نحصل على حجز إلى إسطنبول، التي توجهنا منها إلى أنقرة لنقدم على
اللجوء لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة".
ويتابع قيس بأن موعد المقابلة معهم سيكون بعد أكثر من سبعة أشهر، لافتا إلى أنهم سيعيشون مرحلة مجهولة أخرى، كالتي عاشوها سابقا في الموصل.