نشرت صحيفة الغارديان مقالا للكاتب جوناثان ستيل قال فيه إن دمشق تعيش ظاهريا حياة طبيعية، فليس هناك عائلة لم تتأثر فيما يجري، وتضاعف عدد سكان وسط المدينة في دمشق؛ بسبب هجرة الكثير من سكان الضواحي ليعيشوا مع أقاربهم في وسط المدينة. أما الشباب فقليلا ما تراهم باللباس المدني، إلا إن كان وحيد والديه، لأنه يتم استدعاء الشباب للخدمة العسكرية لمدة 30 شهرا قابلة للتجديد إلا من هرب منهم خارج البلاد.
وخسرت الليرة السورية نصف قيمتها على مدى السنة ونصف الماضية، وارتفعت أسعار السلع الأساسية مثل غاز الطبخ والتدفئة بشكل كبير.
ويتابع ستيل: "أما ضواحي المدينة فهي مدمرة جراء القصف المدفعي على مواقع الثوار، وكذلك القصف الجوي من طائرات الميغ السورية".
ويشير إلى أن جيش النظام قد حقق تقدما الأسبوع الماضي في دمشق، حيث أعاد سيطرته على "عدرا"، وهي منطقة صناعية أصبحت ملجأ لآلاف النازحين، ولكن هجوما استمر شهرا على جوبر، والتي تقع أقل من 4 أميال عن وسط المدينة، فشل في القضاء على الثوار، كما أن الدخانية تم احتلالها من قبل ثوار آخرين قبل أسبوعين.
في دمشق نفسها ليس هناك خوف من "
داعش"، فلا دليل على تسلل سوى أعداد قليلة من مقاتليها لمجموعات الثوار، وقد وعد باراك اوباما بزيادة تمويل الثوار غير الإسلاميين، ونتج عن هذا ظهور علامات عملية مخالفة للأسلمة، بحسب أحد مسؤولي الأمم المتحدة، فبدلا من حمل أسماء إسلامية للحصول على مساعدات من السعودية ودول الخليج، بدأت تظهر مجموعات بأسماء علمانية مثل جيش الأمة، كما أورد المقال.
ويبين ستيل أنه بالحديث الى التجار داخل المدينة القديمة يتكشف مدى اليأس، الذي وصل إليه الناس، حيث انعدمت الحركة التجارية، وأصحاب الدكاكين يفضلون الحديث في دكاكين فارغة على البقاء في البيت. هؤلاء التجار، الذين حداهم الأمل العام الماضي أن يتمكن مؤتمر جينيف من تحقيق السلام، استسلموا بعد فشله لاحتمال استمرار الحرب 10 سنوات أخرى. وكثير ممن أيدوا الاحتجاجات ضد النظام أصلا يقولون إنه تمت مصادرة تلك الاحتجاجات عن طريق قوى أجنبية منذ زمن بعيد والآن هم يريدون فقط أن ينتهي الصراع.
ويبدي الكاتب البريطاني اعتقاده بأن ضربات أوباما الجوية لا ينظر إليها على أنها ستغير كثيرا، وينظر الناس إليها هناك بشك، خاصة بالنظر إلى سجل الولايات المتحدة في العراق وليبيا وموقفها من إسرائيل، وبعد بدء الغارات الأميركية قل عدد السيارات في وسط المدينة، حيث خشي البعض أن تقوم أميركا بضرب النظام.
ولكن المسؤولين الكبار في نظام بشار
الأسد يبدون متأكدين من أن أميركا لا يمكن أن تقدم على ضرب النظام، حيث تقول بثينة شعبان: "رحبنا بالجهود التي يبذلها آخرون في الحرب ضد الإرهابيين المجرمين والذين قاتلناهم على مدى السنوات الثلاث الماضية".
وتضيف الصحيفة إنه بعكس الحكومة العراقية، التي طلبت الضربات الجوية، فإن
سوريا كانت تقول إن أي ضربات دون تنسيق ستعتبر عملا عدائيا. وتقول المعارضة إن الأسد حقق الأفضل، فهو حصل على الضربات الجوية لـ"داعش" دون أن يطلبها، كما أن الجدار الذي أقامه الغرب ضده بدأ يتهاوى.
وبحسب شعبان: "يخبرنا (الأميركان) بالغارات، وهذا نوع من التعاون"، ولكن مسؤولين حكوميين آخرين قالوا إن الولايات المتحدة أرسلت لهم المعلومات من خلال طرف ثالث بأوقات وأماكن الغارات، وأعطت وعودا بعدم ضرب جيش النظام أو أي مبنى تابع للنظام.
ويلفت ستيل إلى تركيز مسؤولي النظام على جملة في خطاب أوباما في الأمم المتحدة، لم يتم تغطيتها بشكل جيد في الصحف العربية ولا الغربية، فبعد أن دعا أوباما الزعماء السياسيين في المنطقة لرفض الصراع الطائفي، قال: "هذه الخطوات يجب أن تتبعها هدنة واسعة، وليست هناك حاجة ملحة لهذا مثل ما هو في سوريا".
ويتساءل الكاتب: هل كانت هذه إشارة من أوباما إلى أنه يفضل هدنة في الحرب الأهلية الطويلة؟ إن الوقت بالتأكيد قد حان لتجريب الهدنة، فقد يكون ظهور "داعش" قد خلق فرصة لنتيجة إيجابية – جبهة موحدة بين الجيش السوري والمعارضة اللا جهادية لمحاربة "داعش".
وكان الجيش السوري قد تلقى ضربات شديدة من "داعش" خلال هذا الصيف، حيث خسر مطار الطبقة بالقرب من الرقة وقاعدتين في شمال شرق سوريا، ولكن الجيش السوري يبقى هو القوة الوحيدة المقنعة في وجه المتطرفين الإسلاميين، بحسب الصحيفة.
ويرى ستيل أنه بالنسبة لأوباما، وكي يستطيع تقديم جبهة موحدة، يحتاج إلى انعطاف للخلف قد لا يكون ممكنا سياسيا الآن، وإن كانت واشنطن توقفت عن القول بضرورة رحيل الأسد. ولكنها ما تزال تقول إنه خسر شرعيته، ولكن الشرعية يمكن أن يعاد كسبها. وبالنسبة للأسد أيضا سيكون من الصعب الاعتراف بأن أيا من معارضيه ليس إرهابيا.
ويذهب ستيل إلى أن الهدنة لا تحتاج إلى إعلان رسمي، في البداية على الأقل. وأفضل مكان تبدأ فيه الهدنة هو
حلب؛ فالثوار والحكومة ما يزالان يقتتلان للسيطرة على ثاني أكبر مدينة في سوريا مع أنها ستكون الهدف القادم لـ "داعش" بعد الانتهاء من هجمتهم ضد الأكراد في كوباني شرق حلب، إذ يجب أن يستنسخ التنسيق الصامت بين واشنطن ودمشق بين الحكومة والثوار في حلب.
ويشير إلى أنه لو تم إبرام اتفاقية بين الجانبين يمتنع فيها كل جانب عن محاولة أخذ مساحات إضافية من الجانب الآخر، فان كلاً من القوى الحكومية والثوار سوف يستطيع أن يركز جهوده على صد "داعش" ومنعها من التمدد شرقا. وقد يستطيعون الحد من تمدد التنظيم ونقل المعركة إلى الرقة. وإن رافق هذه الاتفاقية فتح الطريق للمساعدات الإنسانية يكون استفاد عشرات الآلاف من المدنيين المحاصرين في المدينة.
ويختم الكاتب مقاله بالقول إنه قد تم ترتيب عدة هدنات محلية في حمص وثلاث مدن أصغر منها، ولكن المنتقدين لها يسمونها استسلاما حتى ترفع الحكومة حصارها، ولكن هدنة يقدم فيها الطرفان تنازلات أمر مختلف، وإن نجحت في حلب فسيتم استنساخها في مناطق أخرى. والحل السياسي الذي تحتاجه سوريا لا يمكن أن يعتمد على مؤتمر جنيف، والأفضل أن يقوم على هدن محلية، وتشكيل جبهات موحدة ضد الجهاديين والاستعادة التدريجية لثقة المجتمع، وقد تؤدي في النهاية لحكومة أوسع يحلم بها الكثير.