دعا جوناثان باول، الذي عمل في حكومة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، للتحاور مع تنظيم الدولة "
داعش"، وقال في مقال نشرته صحيفة "التايمز"، "تحاورنا مع الجيش الأيرلندي الحر فلماذا لا نتحاور مع (داعش)".
وأشار الكاتب هنا لما قاله الرئيس الأميركي باراك أوباما في كلمته أمام الجمعية العامة المتحدة الشهر الماضي، والتي استبعد فيها أي حوار مع "داعش" إلا بلغة القوة "لن يكون هناك حديث، لا مفاوضات مع هذه الماركة من الشر، فاللغة الوحيدة التي يفهمها القتلة هي لغة القوة".
وقال أوباما إن هدفه هو "إضعاف وفي النهاية تدمير (داعش)". وتذكر لغة أوباما بتلك التي استخدمها نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني "لا نتفاوض مع الشر، نهزمه". ويقول باول هذه هي لغة كل حكومة حينما تواجه جماعة
إرهابية جديدة، بحسب الصحيفة.
والمشكلة، كما يقول باول، أن "التاريخ يجد أن هذا الكلام غير صحيح. فنادرا ما هزمنا الإرهابيين، وغالبا ما تجدنا نتحدث معهم إن أردنا تسوية دائمة".
ويرى الكاتب أن الحديث العاطفي طبيعي "من الطبيعي الرد بعاطفية على مشاهد الوحشية المثيرة للغثيان. ولكن إن أردنا النجاح فعلينا التوقف، والتفكير بوضوح، ويجب أن تكون لدينا استراتيجية طويلة الأمد تستفيد من تجربتنا السابقة".
ويضيف أن "القصف هو خطوة أولى معقولة لوقف تقدم تنظيم الدولة، ولكن لا أحد يزعم أن الغارات ستخرجه من المناطق الواقعة تحت سيطرته".
ويتفق الكاتب مع الجنرال ديفيد ريتشاردز، الذي يطالب بإرسال
قوات برية إن أراد الغرب هزيمة "داعش". والسؤال: جنود من سنرسل إلى سوريا والعراق؟
ويجيب باول: "في السياق السياسي الحالي، لا أرى وبالمطلق أي منظور لإرسال قوات أميركية وبريطانية".
ويوضح باول: "نحن نقوم بتسليح الأكراد العراقيين والجيش العراقي والجيش السوري الحر للقيام بالمهمة. ولكن هناك منظورا قليلا لقيام الأكراد بالتقدم أبعد من الموصل، أو قيام الجيش العراقي بغالبيته الشيعية بالتقدم في قلب مناطق السنة في العراق. والطريقة الوحيدة لهزيمة تنظيم الدولة في هذه المناطق هي إحياء الصحوات في الأنبار، والتي وحدت بنجاح العشائر السنية ضد تنظيم القاعدة في العراق. بالطبع تشعر الحكومة العراقية بالقلق من التداعيات طويلة الأمد من ميليشيا سنية، والطريقة الوحيدة لتحقيق هذا هي انخراط الأميركيين والعمل مباشرة مع العشائر".
ويشير الكاتب إلى أنه "في سوريا فالمشكلة أكبر من تلك في العراق. فسجل الجيش الحر ليس مشجعا، ربما كان قادرا على القيام بالمهمة أحسن عندما نقوم بتسليحه، ولكننا لا نقوم بتسليح الجهة التي واجهت وبقوة تنظيم الدولة -أي أكراد سوريا- لأننا نخشى من رد الفعل التركي، خاصة أن هؤلاء المقاتلين هم من أفراد حزب العمال الكردستاني (بي كي كي). وأبعد من هذا فيجب أن نفهم محدودية ما يمكن تحقيقه بالوسائل العسكرية".
ويواصل: "فالغارات والقوات البرية ستقوم باحتواء التهديد وتخفيض عدد القتلى (لمستوى مقبول) كما كنا نقول في أيرلندا الشمالية. ولكن هذه الوسائل لن تمحو التنظيم إلا إذا كنا نفكر بجدية أننا سنقتل كل واحد من أفرادها".
وكما قال الجنرال ديفيد بترايوس عن العراق إنه لا نستطيع "قتل وأسر كل واحد في مواجهة حركة تمرد واسعة".
ويلفت باول إلى أنه "إن لم نكن قادرين على تدمير تنظيم الدولة بوسائل عسكرية فعلينا إذا أن نقوم بالتحدث معه. وعلينا أن نتحدث مع المسؤولين البعثيين وجنرالات الحرس الجمهوري السابق الذين يشكلون عصب تنظيم الدولة، وهؤلاء ليسوا من المعجبين بالخلافة ولكن لديهم مظالم حقيقية بسبب الطريقة التي عاملتهم فيها الحكومة الطائفية في بغداد. وهم بحاجة لضمانات بدور لهم في العراق الموحد. فأحد أهم أخطائنا في العراق هو الفشل في تحقيق تفاهم بين السنة والشيعة، وحتى هذا لن يكون كافيا".
ويعتقد الكاتب أن "تجربة ثلاثين عاما سابقة تظهر أنه يجب التحدث مع هذه الجماعات إن كانت تتمتع بدعم سياسي جيد، فهذا لا يعني الجلوس حالا مع "داعش" والتفاوض معه، حتى لو وافق على
التفاوض معنا، فسيكون ذلك موقفا سخيفا، ولكن علينا فتح قنوات سرية تمكننا من التحدث معه".
ويتابع باول "لقد فتحنا قنوات مع الجيش الأيرلندي الحر عام 1972، وأبقينا عليه مفتوحا لعقود. فدون اتصالات سرية لم يكن من الممكن عقد المفاوضات بين جون ميجر ومارتن ماغينس في 1991-1993. وعادة ما لا يعرف الناس كم المدة المطلوبة من أجل فتح هذه القنوات والتفاوض عندما تدخل المعركة العسكرية حالة من الانسداد".
ويجد باول أنه "لهذا السبب علينا البدء بالعمل الآن. ففي صحيفة التايمز تساءل المؤرخ مايكل بيرلي قائلا: ماذا سنتحدث مع (داعش)؟ صحيح أن مطالبه مستحيلة، فكل مطالب الإرهابيين مستحيلة. فلم تكن هناك حكومة بريطانية لتوافق على أيرلندا موحدة من خلال فوهة البنادق، ولكن عندما بدأنا بالحديث مع شين فين (الجناح السياسي للجيش الأيرلندي الحر) وجدنا أنهم مستعدون للقبول بتسوية أخرى، ونفس الأمر سيحدث مع (داعش)".
ويمضي قائلا: "في كل مرة نقابل فيها جماعة إرهابية نقول إنها تختلف عن الجماعات التي واجهناها من قبل، في عام 2008 عندما تركت منصبي في الحكومة قلت علينا أن نكون جاهزين للتحدث مع حماس، طالبان والقاعدة. واعتبر زملائي كلامي تافها، حيث قالوا إن الحديث مع الجيش الأيرلندي الحر ومنظمة التحرير الفلسطينية مقبول، ولكنه ليس مقبولا مع الجماعات الجديدة هذه. وفي السنوات الست التي تبعت رحيلي من الحكومة تفاوضت الحكومة الأميركية مع طالبان للإفراج عن الجندي الأميركي باوي بيرغدال.
وتفاوضت أميركا وإسرائيل مع حماس لوقف إطلاق النار. وقال مسؤول سابق في الاستخبارات البريطانية – أم أي فايف – إن علينا الاستعداد للتفاوض مع القاعدة. فإذا كانت هذه الجماعات وبعد ستة أعوام لم يعد الحديث معها مثيرا للجدل، فمن سيقول إن التفاوض مع تنظيم الدولة غير مقبول؟"
ويختم باول بالقول "علينا التعلم من التجربة ورسم استراتيجية طويلة الأمد للتعامل مع تنظيم الدولة، والبدء بالتحاور مبكرا حتى لا يُقتل أعداد من البشر دون داع".