كتاب عربي 21

الإخوان خطوة للخلف.. إلى الأمام يا روميل!

1300x600
أينما تولي أذنك ستسمع دعاوى موجهة لجماعة الإخوان بخطوة للخلف. فبعض أنصار الانقلاب يطالبون الجماعة بهذه الخطوة، والعودة إلى مرحلة "النشأة والتكوين" جماعة دعوية. فإذا صرفت أذانهم تلقاء القوي الموالية للشرعية، سمعت نفس الدعوة للجماعة بالعودة خطوة للخلف، وكل منهم له في مدح النبي غرام.. كما يقول المثل الشعبي!.

لا تطالب القوى السياسية الفاشلة الجماعة بذلك، لأنها تعيش على أزمة الإخوان مع سلطة الانقلاب، وعندما فُهم من كلام للسيسي أنه يمكن أن يتصالح مع الجماعة، نفروا خفافاً وثقالاً، وعملوا من أجل تذكير رئيس الانقلاب بخطورة الجماعة، وباعتبار أنه لن يجد "الأمان العاطفي" إلا معهم هم. وهؤلاء لا يطلبون من الجماعة أي تراجع، حتى لا يفقدوا مبرر وجودهم، وهم في الصدارة بقرار من السلطة وليس بالإرادة الشعبية، مثلهم في ذلك مثل أحزاب الأقلية إبان الاحتلال الأجنبي لمصر، التي كانت تحكم بقرار من المحتل وليس بإرادة الشعب التي كان يحوز عليها حزب "الوفد".

في سنة 2010 كتبت أطالب الجماعة بالانسحاب من المشهد السياسي، ولم أضحك علي نفسي لأطالبها بالانشغال بالعمل الدعوي، فهذا عمل لن يكون مسموحاً لها به ، وقد صار ملفاً أمنياً بالأساس.. ومصر كلها كانت في الواقع ملفاً أمنياً بيد وزير الداخلية وأجهزته المعاونة. فلن يكون مسموحاً للجماعة إذا تركت السياسة العمل بالدعوة.

كانت وجهة نظري، أن نظام مبارك يمارس الاستبداد وتزييف إرادة الجماهير، ويجد رضا غربياً مع ذلك، لأن تطبيق الديمقراطية يعني سقوطه ليحكم بديله الوحيد وهو تيار الإسلام السياسي، الذي سيعرض المصالح الأمريكية والإسرائيلية للخطر. وكان رأيي لابد من وضع هذا النظام في مواجهة الحائط، بانسحاب الإخوان من المشهد السياسي، ولم أكن أعلم أنه بهذا الغباء إلا عندما عامل الأحزاب المدنية معاملة الإخوان فزور الانتخابات حتى لا يفوز مرشحوها، وكانت النهاية عندما شعر الشعب المصري بانسداد الأفق السياسي وآمن بأنه لا بديل عن الثورة على هذا النظام المجنون.

لو تراجع الإخوان خطوة للخلف، وتركوا السياسة فلن يكون مسموحاً لهم بالعمل الدعوي، بل لن يتوقف قرار العمل على تصفيتهم لأن التصفية هي "سبوبة " عبد الفتاح السيسي، فهو شخص فاقد للشرعية وللقيمة، ويستمد مبرر قبوله دولياً على مضض، من كونه يقوم بتصفية التيارات الدينية ويقضي عليها قضاء مبرماً.

من بين القوى الموالية للشرعية، من تطلب الإخوان بخطوة للخلف، ولكن ليس علي قاعدة أنصار عبد الفتاح السيسي، فهم يرون أن عودة وحدة الثوار كما كانت صبيحة يوم 25 يناير، لن تتأتى إلا اذا تخلى الإخوان عن شعاري "رابعة" و"عودة مرسي". وقد أتفهم فكرة التخلي عن عودة الشرعية، باعتبار أن الرئيس محمد مرسي لم يقدم نموذجاً مرضياً للحركات التي شاركت في الثورة في 25 يناير، كما شاركت في الثورة المضادة في 3 يوليو، والذين استشعروا الآن أن السيسي هو الامتداد لنظام مبارك، لكنهم لن يعودوا للصف إلا بتخلي الإخوان عن المطالبة بعودة الشرعية، والتوقف عن رفع شعار "رابعة"!.

"رابعة" هي الفاتحة بالنسبة للصلاة، فهي القضية الوحيدة المهمة إنسانيا في معركتنا ضد الانقلاب، وقد شاهدنا كيف أرقت الضمير الإنساني بعد تقرير "هيومان رايتس"، الذي فضح إجرام الانقلاب، وجعل الأنظمة التي انحازت له في حرج شديد أمام شعوبها.

لو تعاملنا بمنطق حسن النية، فإن هذه الحركات ولأنها حرضت علي المجزرة، وفوضت سلطة الانقلاب في ارتكابها، فهي تريد طي هذا الملف، حتى لا يكون موقفها وهى في حالة السكرة يسقط الثقة والاعتبار عندما تحل الفكرة وينقشع الغبار ويسقط الانقلاب.

في السياسة فإن سوء النية من حسن الفطن، ولو تخلى الإخوان عن عودة مرسي، وشعار "رابعة" فسوف يفقدون ظهيرهم الشعبي.

 ويبدو أن هذا مطلوباً في حد ذاته، لتفقد الجماعة أهم ما تتميز به في معركتها السياسية، وتصبح مجرد حركة لا وجود لها في الشارع، شأن الحركات التي تتعالى الآن بلا مبرر موضوعي.. و تصدق فيها المقولة الشعبية، الدالة على قلة الأنصار: "عد غنمك يا جحا".

 ومن المعروف أن جحا رد بقوله: " واحدة نائمة وواحدة قائمة". فلا مبرر إذن لقيامه بالمطلوب منه!.

ولو كان في هذا التخلي وبيع الأنصار ما سيحقق "وحدة الثوار" لكان هناك مبرر لمناقشته ووجاهة لقبوله، فالمطلوب من الإخوان أن يضحوا بما في أيديهم بحثاً عما في جيوبهم ولن يجدوه حتماً، لأن الجيوب مثقوبة وثقوبها بددت ما فيها.

 الحديث عن "وحدة الثوار" يختزل المشهد الشعبي العام في يوم جمعة الغضب 28 يناير 2011 وما تلاه، في حركات سياسية بعينها لا وجود شعبي لها يذكر ، بل كانت نقطة الضعف التي كان ينفذ منها خصوم الثورة بطعنهم لها، بالحديث عن الارتباطات الأجنبية للثورة، والتمويل الأجنبي لها.

القوي الموالية للشرعية نسيت جريمة هذه الحركات في حق الثورة، ومن أول خيانة مبادئها بالانحياز لحكم العسكر، والتحالف مع خصومها ومن خرجت لتسقطهم هذه الثورة، لنشاهد يوم 30 يونيو مشهداً إجراميا بامتياز عندما دخل ميدان الثورة المصرية قاتل الشاب "جيكا" مع من وجهوا له الاتهام بالقتل، وعندما اصطف الضحايا بجانب الجناة!.

لقد تم التجاوز عن جريمة هذه الحركات في حق الثورة، لتصبح في وضع يجعلها تطالب بالمزيد من التنازلات لتتحقق "وحدة الثوار".

مثلي يتفهم أن تخرج هذه الحركات تطالب بإسقاط حكم العسكر وتكفر عن ذنوبها  في حق الثورة، وهي مثل زبد البحر، لو كان هناك تياران في الشارع واحد يطالب بإسقاط حكم العسكر وعودة الشرعية ويرفع شارات رابعة، وآخر يطالب بإسقاط حكم العسكر، ويرفض حكم الإخوان، ويرفع صور شهداء الثورة من 25 يناير إلى الآن، ولا مانع عندي من أن ترفع صور شهداء 30 يونيه إن وجد شهداء لها أو مصابين ولو بقرصة "برغوت" أحمق!.

 لو كان هذا قائماً لكان من الطبيعي أن يلتقي الطرفان، ويبدأ حوار الثوار، ويكون التنازل عندها مقبولاً ومقدراً، لكن نحن نشاهد القوي الموالية للشرعية هي التي تناضل، على قاعدة: "الثورة مستمرة" في حين أن الآخرين يتلخص كل نضالهم في الإفراج عن أحمد دومه وإخوانه، ووقف العمل بقانون التظاهر، قبل أن ينحصر مطلبهم في تعديل هذا القانون.

المعنى أن هذه الحركات تريد أن تتعايش مع سلطة الثورة المضادة، مع هامش بسيط من الحرية يسمح لها بالتظاهر كما كان الحال في عهد مبارك، ولا أعرف على أي قاعدة الآن يجري الحديث عنها باعتبارها حركات ثورية؟!.

لا بأس، الإخوان باعوهم في "محمد محمود"، وتفاوضوا مع العسكر، ولم يحكموا حكماً ثورياً، و ركبوا الثورة، وامتطوا الفيل أبو "زلومة".. فليكن خروج هذه الحركات ضد الجميع، وكما خرجوا على حكم الرئيس محمد مرسي، مع انتمائه ليناير، فليخرجوا الآن على حكم السيسي مع انتمائه لمبارك، وكل الأمور بعد ذلك قابلة للتفاوض، ومطالب العودة خطوة للخلف تكون لها وجاهتها.

ونأتي إلى "بيت القصيد"، و"مربط الفرس"، وهو مطلب البعض ممن يقفون في معسكر الشرعية ورفض الانقلاب، من الإخوان بخطوة للخلف، دون توضيح ويخفون في أنفسهم ما الله مبديه. فتأخر النصر يظهر ما في النفوس، فالخطوة للخلف لا تعني دعوة الإخوان للانسحاب من المشهد السياسي، ولكن ليكونوا قوة دافعة لهذا الشخص أو ذاك، فيتخلى الإخوان عن شرعية الرئيس مقابل تنصيب من يطالب – وهم أكثر من واحد – زعيماً، والبعض ممن يفتقدون للشعبية الجماهيرية مثلي، يريد أن يقترض "شعبية الإخوان"، لمسافة السكة. في سياق وهم بأن الجماعة ينقصها شخصاً يرتدي بدلة، ومعه كرافتة، وحذاء لميع، ويتحدث الإنجليزية، مع أن أغلي ربطة عنق عندي أهداها لي إبراهيم منير أحد قيادات التنظيم الدولي في زيارتي للندن في يناير 2009، ولم أقف علي قيمتها وأنها من واحد من أهم المتاجر في مدينة الضباب، إلا بعد أن قام الخبير العالمي في هذا المجال محمد القدوسي بفحصها، إذ كنت أظن طيلة السنوات الماضية، أن إخوانيا قديما، يشتري "كرافتة" فلابد أن يكون قد اشتراها من "سوق العتبة"، ولأنه كان ممنوعاً من دخول مصر، فمؤكد أنها اشتراها من "عتبة لندن".

عندي ملاحظات أوردتها والقوم في السلطة على حكم الإخوان، وعندي ملاحظات على أدائهم الآن، أتحدث فيها في إطاري العام كصحفي وليس كزعيم سياسي له جماهير في الشارع. ومن يري في نفسه الأهلية ليقدم أداء مختلفاً فليفعل، ولن يمنعه الإخوان، علي وعد بأنهم إن منعوه فسوف أخرج مع جماهيره هاتفاً بسقوط حكم المرشد، ومن يري في نفسه الأهلية لقيادة حركة الجماهير فليتقدم، وأنا خلفه، اهتف: " تقدم يا روميل"، لكن ليس على قاعدة: قدموني، وانتخبوني، واحموني، واصرفوا علي، وزوجوني شقراء بعيون عسلية، وقوموا اعملوا لي واحد شاي "في الخمسينة"!.

ويا قومنا، اعتبروا أن الإخوان تأخروا خطوة للخلف: فما هي طلباتكم إذن؟!.. كل قابل للنقاش إلا مطلب الشقراء ذات العيون العسلية، لوجود ندرة في هذا الصنف من النساء.