بوادر انفراج وتوافق غربي - عربي - إيراني شهدته الساحة السياسية في الأسابيع الماضية، تجاذبات سياسية لم تتعد رعدا خلبيا أضفى على الأجواء السياسية وعلى المتابعين لها بعض الإثارة التي أنعشت جلسات الحوار المبتذلة، وأثمرت تعاونا واتفاقيات سياسية واقتصادية مربحة ومريحة لكل الأطراف ما عدا الجانب السوري، شعبا وليس حكومة.
ولم لا، ما دامت قيادات المعارضة الممثلة للشعب السوري كانت ومازالت راضية بحظرها واستبعادها عن الغرف التي يناقش فيها القرار ويتخذ ويوقع، مازالت خانعة ومتقبلة بأن تفرض عليها الرؤى والحلول والاستراتيجيات والتي تمثل مصالح اللاعبين الإقليميين والدوليين في المنطقة دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح ومطالب الشعب السوري.
الغالبية من السوريون اليوم يعتقدون بأن بلادهم دخلت في صراع لن يتوقف قبل الإنهاء على معالم الدولة السورية كاملة، ولم يعد من أمل لدى البعض في تحقيق أهداف ثورتهم في الحرية المأمولة، وبات جل همهم إيقاف عجلة الموت والدمار التي لا ترحم شيخهم ولا صغيرهم، والسؤال اليوم، ما الذي يمكن لقيادات المعارضة فعله من أجل إعادة إحيائها وتقوية دعائم مجالسها ودعم قراراتها ومواقف ممثليها والأخذ بها دوليا قولا وعملا؟
إن الشعب السوري الثائر وبكل وضوح لا يمكنه الاستغناء عن جسد سياسي يمثله دوليا ويطرح مطالبه في المحافل الدولية ويقوم بدور القيادي في التخطيط للمرحلة القادمة، فيوفق في وجهات النظر بين مختلف أطرافه، ويقارب بينها، ليجمعها في حزمة عصية على التكسر والانحناء و التبعثر.
والواقع الذي لا يمكن التغاضي عنه اليوم وإن كنا نغص بحقيقته أن الائتلاف السوري المعارض كهيكل سياسي هو الأكمل لتحقيق هذا الهدف، نتيجة الاتفاق الدولي على أنه الممثل الشرعي وإن لم يكن الوحيد للمعارضة السورية، ومن المعروف سياسيا صعوبة تحصيل الاعتراف الدولي والوقت الذي يحتاجه أي مجلس معارض ليصبغ بهذه الصفة والتي وإن فشل أعضاؤه في استغلالها بشكل جيد، إلا أنه من الواجب الأخذ بها واستثمارها على الساحة الدولية.
ومن منطلق العمل المؤسساتي، وبدافع المصلحة العامة للثورة والدولة السورية، يمكن اعتبار الائتلاف هيكل فارغ يمكن إعادة تشكيله، مع التنبه إلى الخلل الذي أصاب تشكيلاته السابقة لسدها عن طريق:
1. الفصل بين الثوري والسياسي وتحديد دور كل منهما.
2. التدقيق في التمويل الخارجي لما يفرضه من مسارات سياسية قد لا تتفق مع مسار الثوار.
3. ايجاد قنوات الاتصال بين الداخل والخارج تخترق التشديدات الأمنية العنيفة.
4. منح معاناة الناس مزيدا من الاهتمام والتفاعل مع ما يحدث على أرض الواقع من جرائم وانتهاكات، وسرعة التجاوب مع مطالب الثوار المحاصرين، والعمل على تلبيتهم.
5. التنبه لما يحاك من فتن تفرق جموع المعارضة.
6. الشفافية في التعامل، فالشعب الذي ثار ودفع ثمن التغيير، يستحق أن يعرف ماذا يحدث؟ وماذا يخطط له؟ يستحق أن يعرف عدوه من صديقه، حتى يقتنع بممارسة دوره كحاضنة ثورية شعبية .
لقد تمكنت المعارضة من النهوض في ظروف عمل قاسية، وتشكيل هيكل سياسي معترف به دوليا، و المتمثل بالائتلاف السوري المعارض والذي انتخب توافقيا، وحرص على أن يضم في هيكله، أغلب التيارات والكتل والفصائل المعارضة والثورية ولكنه وعلى الرغم من القوة الدولية التي دعمته، وشرعته، لم يستطع أن يكون مقنعا شعبيا ولا دوليا، بل تسرب منه كثير من العقول المخلصة للوطن لعدم قناعتها بأدائه، مما أدى إلى هزاله، ونشوء معارضات تنافسه في المكانة. بل ربما تكسب شرعية نراها تنفلت من يده يوما بعد يوم.
أليس التوافق الإيراني- الروسي- الغربي يشير إلى ذلك؟ ألا تنبئ الاجتماعات التي تتم في السر والعلن مع المسؤولين الإقليميين والدوليين ولا يدري بها الائتلاف ولا يدعى إليها بذلك؟
ترى ما مصير الائتلاف وهل سيحل نفسه، بعدما آل إليه حاله؟
الائتلاف السوري مهمش كليا عن صناعة القرار والأسباب واضحة فهو لا يمتلك الحد الأدنى من السلطة على المعارضة الشعبية والمسلحة، ولا يرون فيه أكثر من واجهة سياسية غير جذابة. فاليوم هناك شبه اتفاق دولي على حل الصراع بين المعارضة والنظام سياسيا، ومن المهم جدا وجود جسد سياسي ناضج وقوي ومقنع للمعارضة، قادر على استيعاب المرحلة وضبطها. يبقى لنا أن نحذر بأن الوقت شارف على الانتهاء والحل السياسي يجب أن يقر قبل إعلان الإدارة الأميركية انتهائها من التحضيرات لعمليات برية واسعة ضد تنظيم الدولة على الأراضي السورية، وروسيا أدركت تماما أهمية المرحلة، وتسعى إلى تبني تشكيل سياسي سوري، متعاون، وقادر على أن يتفهم دورها ومصالحها في المنطقة، وينتج جسد معارض يتناسب مع المقاييس الدولية المطلوبة -جنيف واحد وجنيف اثنين- وهو بكل تأكيد ما عجزت المعارضة عن تحقيقه.
اليوم: على المعارضة السورية أن تدرك جيدا، بأن استمرار هذا التشرذم والتشنج في المواقف بينها هو ضد المصلحة العليا للثوار في الداخل، ويطيل من أمد وعمر الصراع أكثر، ويصب في مصلحة النظام والنظام فقط، وروسيا وغيرها اليوم، قادرة على استقطاب شخصيات سياسية معارضة أكثر من مؤهلة، وإعطائها شرعية تجعل منها الممثل الملائم للمعارضة، في المرحلة القادمة معه يكون التفاوض والاتفاق والعمل. عندها ستجري الرياح بما لا تشتهي السفن.