أشارت صحيفة "أوبزيرفر" في افتتاحيتها إلى الغضب الذي أبداه الأردن على حرق طياره الملازم أول معاذ الكساسبة؛ فبعد أن أدى دورا ثانويا في الغارات التي يشنها التحالف الأمريكي على تنظيم
الدولة الإسلامية، وبعد أن أقسم الملك عبدالله الثاني على الانتقام من الدولة، فإن الأردن يقوم اليوم بقيادة الغارات عبر سلسلة من العمليات الانتقامية، التي يقول إنها ضربت معسكرات تدريب ومخازن أسلحة.
وتلفت الافتتاحية إلى ما قاله وزير الخارجية الأردني ناصر جودة، بأنه "سيتم ضرب الإرهابيين بكل شيء".
وترى الصحيفة أن "التصميم الأردني المفاجئ مثير للإعجاب، ولكنه يدعو إلى التساؤل، حيث إنه لا يمكن بناء استراتيجية وطنية على الغضب". لكن ما يقوم به الأردن هو على النقيض تماما من المشاركة الضعيفة لبريطانيا.
وتذكر الافتتاحية، بحسب تقرير اللجنة الأمنية في مجلس العموم، أن مشاركة
بريطانيا في الغارات لا تزال "متواضعة". ويقول النواب أعضاء اللجنة: "فوجئنا، ونشعر بالقلق من أن بريطانيا لا تفعل الكثير".
وتتابع الصحيفة بأن مستوى إضعاف وهزيمة الدولة الإسلامية، وهي الاستراتيجية التي أعلن عنها الرئيس باراك أوباما، ودعمها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، تعتمد على النظر وتقييم طبيعة التهديدات التي يمثلها تنظيم الدولة.
وتقول الصحيفة إن الدولة عانت من تراجعات في الأشهر الأخيرة؛ فقد كسر المقاتلون الأكراد الحصار الذي دام شهورا وفرضه مقاتلوها على بلدة عين العرب (كوباني)، وخسرت فيه عددا ضخما من مقاتليها، نتيجة للغارات الجوية الأمريكية، وأصيبت بخسائر فادحة في عاصمتها الرقة.
وتستند "أوبزيرفر" في تقييمها إلى ما كتبه كينيث بولاك في صحيفة "نيويورك تايمز"، حول الدور الذي يؤديه الطيران الأمريكي والمقاتلون الأكراد في تغيير معالم اللعبة ضد الدولة الإسلامية، والدليل على هذا هو أن الدولة لم تقم بأي "غزو" كبير منذ الصيف الماضي، "كما أن القادة الأمريكيين واثقون من قدرة الجيش
العراقي بعد تدريبه من جديد على استعادة العراق في الأشهر الستة القادمة، وسيتم طرد تنظيم الدولة من العراق في فترة تتراوح ما بين 6 و18 شهرا"، بحسب بولاك.
وتبين الافتتاحية أن الدولة تعاني على جبهة أخرى، وهي شرعيتها، فدائما ما قدمت الدولة نفسها مدافعا عن الإسلام. لكن حرق الطيار أدى إلى إعلان الشجب من قبل القيادات الإسلامية في أنحاء العالم الإسلامي كله، من مصر إلى تركيا، مع أن "الدولة" تبرر مواقفها، بناء على تفسيرات منتقاة من التاريخ الإسلامي.
وترى الصحيفة أن حسابات الدولة كانت في غير محلها، فالرد الأردني أفشل ما كانت تريده من إضعاف قوة المشاركة العربية في التحالف الدولي.
وتؤكد الافتتاحية أنه في الوقت الذي تتراجع فيه الدولة في مناطق عدة، إلا أن المشاكل التي تغذيها لا تزال دون حل، وهي انتشار التطرف والانقسام السني- الشيعي والمظاهر الإجرامية، وفشل حكومتي كل من بغداد ودمشق. وتقول إنه "منذ قام كل من جورج دبليو بوش وتوني بلير بركل الباب قبل 12 عاما فإنها لم تظهر استراتيجية غربية حقيقية لبناء ديمقراطية تشمل الكل في العراق.. أما بما يخص
سوريا، فقد تخلت كل من بريطانيا والولايات المتحدة على ما يبدو عن محادثات جنيف، نظرا لاستمرار بشار الأسد في السلطة، ومنحتا المبادرة لموسكو".
وتضيف الصحيفة أن الأمر ينطبق على ليبيا، التي تعيش حالة من الفوضى، ويوجد فيها مقلدون وأتباع لتنظيم الدولة الإسلامية. ويثير وصول الدولة إلى باكستان وأفغانستان المخاوف من عودة العنف الطائفي من جديد.
وتجد الافتتاحية أنه بناء على هذا الوضع، فإنه يجب أن يكون لدى كل من بريطانيا وحلفائها الغربيين والعرب وضوح في ما يمكنهم جميعا فعله وما لا يستطيعون فعله مع "الدولة". فمن الحماقة التفكير بعمل عسكري واسع في العراق وسوريا "فقد كنا هناك من قبل"، وتدخل على هذه الطريقة يعني الدخول في مستنقع جديد.
وتوضح الصحيفة أن هذا لا يعني الوقوف دون فعل شيء، وما نحتاجه هو استراتيجية شاملة تتعامل مع المشاكل المرتبطة بالدولة، أي سوريا وإيران. فرغم ما يقوم به رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من محاولات لإصلاح الضرر، الذي تسبب به سلفه نوري المالكي، إلا أن السنة خائفون من تصاعد اضطهادهم على يد الجماعات الشيعية المدعومة من
إيران. وفي حال لم يتم تطمين السنة فإنه سيندفع الكثيرون منهم إلى أحضان الدولة. وحتى ينجح العبادي، فهو بحاجة إلى سياسة أكثر قوة في التعامل مع الوضع وإلى دعم أمريكي وبريطاني ومن دول الخليج، كي يقوم بإصلاح الجيش العراقي الفاسد.
وتوافق الافتتاحية على دعوات لجنة الدفاع في مجلس العموم، التي تطالب بإرسال ضباط لتدريب الجيش العراقي وبدعم مالي. وترى أن إرسال طائرات دون طيار وقوات خاصة لن يكون بديلا عن قوات محلية قوية.
وتذهب الصحيفة إلى أنه يجب على بريطانيا والولايات المتحدة الاعتراف بأن جهودهما للإطاحة بالأسد قد فشلت. ولا بد من تعاون محدود على المدى القصير للحد من الكارثة الإنسانية التي تؤثر على استقرار المنطقة. وعلى الصعيد العسكري، فالتعاون الفعلي قائم، حيث إن الطائرات الأمريكية تقوم بالتحليق في الأجواء السورية، وهناك وقت كاف لمناقشة مستقبل الحكم في سوريا عندما يتم دحر الدولة.
وتختم "أوبزيرفر" افتتاحيتها بالإشارة إلى أنه وفي السياق ذاته، يجب الاعتراف بمصالح إيران الأمنية والاقتصادية. فإيران لا تحب الدولة الإسلامية، ولكن قدرتها على عرقلة الحل في العراق وسوريا كبيرة، وعليه فإنه يجب الاعتراف بالدور الإقليمي لإيران. ويقتضي هذ الواقع حلولا إبداعية من الولايات المتحدة وبريطانيا.