نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا لسايمون كير من الرياض، حول التحديات المالية التي تواجه
الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي تسلم الحكم الشهر الماضي، وتبع تقاليد عائلته بإعلان زيادة النفقات.
ويبين التقرير أن الملك سلمان أعلن عن صرف مبالغ إضافية لموظفي الحكومة والمتقاعدين. وأعلن عن استثمارات كبيرة في البنية التحتية. وتعد النفقات الإضافية، التي تقدر بـ 32 مليار دولار، ضرورة سياسية في هذا البلد، حيث تقدم العائلة المالكة الخدمات والمساعدات مقابل الحصول على الولاء.
وتنقل الصحيفة عن الأستاذ في جامعة "لندن سكول أوف إيكونوميكس"، الدكتور ستيفن هيرتوغ، قوله: "المكافآت هي عادة عندما يكون هناك عملية انتقال للسلطة.. مع أن البعض توقع عدم حصولها بسبب الأسعار المتدنية للنفط".
ويرى كير أن هذا الإجراء، الذي يحظى بالشعبية، قد يؤدي إلى نشاط استهلاكي على المدى القصير، ولكن المحللين يعدون هذه المنح ليست إجراء اقتصاديا حصيفا، كما إنها قد تشير إلى تردد في القيام بإصلاحات.
ويعلق الكاتب أنه على مدى عشرة أعوام الماضية قامت المملكة بتكوين احتياطي بقيمة 730 مليار دولار، وهو ما يساوي ثلاث سنوات من الاستيراد، كما أن المملكة تخلصت من الديون.
ويستدرك التقرير بأن الملك سليمان تسلم العرش في ظروف صعبة، حيث يتوقع أن تنخفض عائدات
النفط بمقدار الثلث عن العام الماضي. وفي الوقت ذاته، وبحسب توقعات البنك الأمريكي "سيتي بانك"، فإن
السعودية تسعى لتخفيف اعتمادها على النفط، وتعتزم إنشاء نظام اقتصادي متنوع يعتمد على القطاع الخاص.
وتنقل "فايننشال تايمز" عن المدير الإقليمي لمجموعة آشمور، جون سفاكياناكيس، قوله: " ليس من السهل التعامل مع القضايا المتعلقة بالعمال والاستهلاك المحلي للنفط، عندما يكون سعر برميل النفط 50 دولارا .. ولكنها فرصة للإصلاحات على الأقل".
ويشير التقرير إلى أن الملك الراحل عبد الله قد أحرز تقدما في
الإصلاحات الاقتصادية، حيث فتح البلد للمستثمرين الأجانب، وسعى لتوظيف المزيد من السعوديين، وتغريم توظيف الأجانب.
وتوضح الصحيفة أن وزير الاقتصاد محمد الجاسر طمأن أمس المستثمرين، خلال مؤتمر في الرياض، بأن "الإصلاحات التي بدأت أيام الملك عبدالله ستستمر بزخمها الكامل في عهد الملك سلمان".
ويذكر الكاتب أن ابن الملك سلمان، الأمير محمد بن سلمان (34 عاما)، الذي يدير مؤسسة جديدة تعنى بالاقتصاد، بالإضافة للديوان ووزارة الدفاع، سيقوم بتنسيق التغيير. وسيواجه هذا الأمير تحديا كبيرا، حيث ستترتب على إدارته هو والحكومة للاقتصاد نتائج سياسية عميقة.
ويفيد التقرير بأن السعودية أنفقت مبالغ سخية خلال فترة الثورات العربية عام 2011؛ لتحقيق الاستقرار، واستطاع الملك سلمان تقديم ربع ما قدمه الملك الراحل عبدالله، حيث أعلن عن رزمة قيمتها 130 مليار دولار، بعد الإطاحة بديكتاتوريي تونس ومصر واليمن، وساعد سخاء الملك على شراء الهدوء خلال سني حكمه الأخيرة.
ويقول أستاذ العلوم السياسية، عبد الخالق عبدالله من الإمارات: "إن السعودية تعاني من المشاكل التي تعاني منها دول الربيع العربي ذاتها، ولكنها لديها إمكانيات كبيرة كأي دولة خليجية.. فعندهم ما يكفي من المال للتعامل مع هذه المشاكل"، بحسب الصحيفة.
ويجد الكاتب أن الإجراءات الاقتصادية الصعبة، التي يقول الاقتصاديون أن هناك حاجة لها، مثل رفع أسعار البنزين والكهرباء، قد تؤدي إلى اشتعال غضب شعبي، أو قد تؤثر على مقدرة المملكة التنافسية في الصناعة.
ويلفت التقرير إلى أن الصندوق الدولي طلب من الحكومة تخفيض مصاريفها أكثر، وخاصة الإنفاق على الرواتب ودعم السلع والتركيز على الاستثمار في البنية التحتية، ولكن الاقتصاديين قلقون أيضا بسبب انخفاض أسعار النفط، ما يؤثر على نفقات الحكومة على رؤوس الأموال، الأمر الذي يهدد النشاط الاقتصادي في السنوات القادمة.
وتنوه الصحيفة إلى اعتقاد المسؤولين بأن الإدارة السعودية ستركز على تطوير الاقتصاد بوتيرة أعلى، وذلك لإعطاء زخم لتوفير الفرص. ويقولون بأن الحاجة للعمالة الوافدة، التي تشكل 85% من القوة العاملة في القطاع الخاص، ستستمر حتى يتم تحسين إمكانيات العامل السعودي، ليملأ المزيد من الوظائف الشاغرة.
ويشير وزير العمل، عادل الفقيه، إلى أن فرص العمل المستحدثة خلال أربعة أعوام الماضية تزيد عما استحدث خلال أربعين عاما التي سبقتها. وبينما انضم 600 ألف سعودي للقطاع الخاص منذ عام 2009، سينضم أكثر من مليون خلال العقد القادم، بحسب سفاكياناكيس، والحكومة تعلق آمالها على القطاع الخاص لاستيعابهم.
ويقول كير إن الحكومة، التي قدمت 60% من الاستثمارات على مدى ثمانية أعوام الأخيرة، ستؤدي دورا رائدا في اقتصاد البلاد، بحسب مسؤولي المصارف، ما قد يؤدي إلى زيادة المديونية، واستخدام الاحتياطي للإبقاء على الإنفاق الذي يعتمد عليه القطاع الخاص.
ويضيف الكاتب أن الحكومة ستحاول زيادة الاستثمار الأجنبي، فحوالي 5% من ثلاثة تريليونات ريال سعودي، التي استثمرت في قطاع الكيماويات والبتروكيماويات في ثمانية أعوام الماضية، كانت من مصادر أجنبية.
وتورد الصحيفة أن مدير السلطة السعودية العامة للاستثمار، عبداللطيف عثمان، يأمل أن يجذب استثمارات أجنبية في مجال النقل والصحة بقيمة 140 مليار دولار.
ويبين التقرير أن مشروع مدينة الملك عبدالله الاقتصادية على شاطئ البحر الأحمر جذب شركات مثل "مارز" و"بفزر"، ويتوقع المزيد من الطلب، بحسب الرئيس التنفيذي فهد الرشيد. واستفادت المدينة من الشراكة الخاصة مع شركة "إعمار "من قروض حكومية ساعدتها على تجاوز الأزمات المالية، وتأمل في تطوير المشروع من 3000 ساكن إلى 50 ألف ساكن.
ويختم الكاتب تقريره بالإشارة إلى قول الرشيد إنه يأمل أن تقود المدينة دورة النمو في القطاع الخاص "فالزخم الأكبر يأتي الآن من القطاع الخاص، بينما نستثمر تطوير الحكومة للبنية التحتية والتطوير البشري.. وهذا سيؤدي إلى ازدهار جديد".