تحرص أم أحمد (39 عاما) على القدوم باكرا إلى وسط مدينة كيلس التركية المحاذية للحدود السورية، مصطحبة معها بعض الأواني البلاستكية الفارغة، على أمل أن تستطيع ملء فراغ الآنية بقليل من الطعام الذي توزعه جمعية "كيمسا يوكمو" الخيرية التركية على العائلات السورية المقيمة في المدينة.
ورغم صعوبة الأحوال الجوية والأمطار الغزيرة، إلا أن أم أحمد لا تملك غير الانتظار، غير مبالية بنظرات المارّة التي ترمقها، وعشرات النسوة السوريات المتجمهرات حول كرفان الطبخ، لا حبا بالانتظار، بل لأن أطفالها الثلاثة ينتظرونها حتى تعود لهم بصحبة بعض اللقيمات التي قد تبعد عنهم الجوع ولو مؤقتا.
تبدأ فصول حكاية هذه العائلة منذ وصولها إلى كيلس، أي قبل نحو عام ونصف العام، هرباً من جحيم القصف بالبراميل المتفجرة الذي طال مسقط رأس العائلة في حي القاطرجي، وهو أحد الأحياء الفقيرة شرقي مدينة حلب، لتقرر على إثرها ترك الحي.
تروي أم أحمد حكايتها في حديث خاص مع "عربي21": "قدمنا من حلب، ونحن لا نملك إلا الثياب التي نلبسها".
وتضيف: "اضطررنا فور الوصول للسكن في مركز أقامه أتراك خيّرون، كمركز مؤقت لاستيعاب النازحين. ودامت إقامتنا إلى أن استطاع زوجي تأمين فرصة عمل في محل لبيع الأدوات المنزلية، بأجر متواضع لا يتعدى الـ500 ليرة تركية شهريا".
وتضيف: "لم نعط أولوية للراتب الضعيف الذي خصص لزوجي، على اعتبار أن صاحب العمل أعطانا منزلا قديما يضم غرفة واحدة صالحة للسكن مجانا، وحتى الآن نسكن فيها أنا وأولادي. لكن الراتب الذي يتقاضاه زوجي لا يسدّ كل حاجاتنا، فضلا عن فواتير الكهرباء والماء الشهرية، ولهذا أنا أقصد هذا المطبخ، وخصوصا في فترة آخر الشهر؛ لأن الراتب بحوزة زوجي يكون قد نفد بالكامل".
وإلى جانب أم أحمد تقف فاطمة، المرأة الخمسينية، وهي أرملة وأم لخمسة أولاد. تبيّن فاطمة لـ"عربي21" الحال الذي أجبرها على الوقوف هنا بالقول: "أحد أولادي يتلقى العلاج هنا، بعد تعرّضه للإصابة، ولا معيل لي غيره هنا. أما بقية أولادي فيقطنون في الداخل، وبالكاد هم يتدبرون أمرهم هناك".
وتحرص فاطمة على إخفاء فاقتها، إلا أن رثاثة ثيابها تفصح عن مستوى العوز الذي تعانيه، لتضيف في حديثها لـ"عربي21" قائلة: "قد لا تكون كمية الطعام المطبوخ الذي نحصل عليها كافية، لكن ليس بالإمكان أفضل مما كان. بالمقابل، إننا نثني على القائمين على أمور هذا المطبخ التركي".
ويقدّم المطبخ وجبة غداء جاهزة يومية لحوالي 300 عائلة، وعادة ما تحتوي هذه الوجبة على الأرز أو البرغل، والشوربة، بالإضافة إلى قطعتين من الخبز، دون الالتفات إلى حجم العائلة.
ووفق فاطمة، فإن المنظمات التركية الإغاثية تساعد النازح السوري على مواجهة الحياة في
تركيا، بعكس المؤسسات السورية المتواجدة فوق الأراضي التركية التي زادت من أعباء اللاجئ، بدءا بالحكومة السورية المؤقتة، ومرورا بكل المؤسسات الإغاثية.
ويعيش النازح السوري في مدينة كيلس أوضاعا بالغة في التعقيد، بسبب كثرة أعداد النازحين مقارنة بعدد السكان الأتراك. وتفيد آخر الإحصائيات غير الرسمية بأن المدينة على صغر مساحتها تستقبل قرابة 70 ألف نازح سوري، وعزت هذه الأرقام الكبيرة لجودة الخدمات الإغاثية المقدمة لهم، بالرغم من غيابها المطلق في بعض الأحيان.