نشرت مجلة "نيويوركر" مقالا لديكستر فيلكينز، يتحدث فيه عن الفشل الذريع لقوات التحالف في حربها ضد
تنظيم الدولة، متمثلا في احتلال
الرمادي خلال عطلة نهاية الأسبوع.
ويقول فيلكينز في مقاله، الذي اطلعت عليه "
عربي21" إن مقاتلي التنظيم دخلوا عاصمة محافظة الأنبار، ووضع أحدهم فيديو مصورا على الإنترنت، يظهر فيه محطة للشرطة
العراقية، وأظهر صندوقا بعد الآخر من صناديق الذخيرة الأمريكية، وعددا من سيارات الهمفي، وكلها تبدو جديدة، وعلق باللغة العربية قائلا: "هكذا نحصل على أسلحتنا، يستجدي المسؤولون العراقيون أمريكا لتمدهم بالأسلحة، ثم يتركوها هنا لنا".
ويعلق الكاتب قائلا إن "هذا محبط، أليس كذلك؟ فلا يمثل سقوط الرمادي هزيمة للحكومة العراقية فقط، بل لحلفائها بمن فيهم الولايات المتحدة. فخلال حوالي عشر سنوات من قتال القوات الأمريكية في العراق، كانت محافظة الأنبار الأكثر فتكا بالمارينز، حيث قتل حوالي 1300 منهم هناك، ولكن وفي عام 2008 عندما سلم الجيش الأمريكي الرمادي للجيش العراقي، لم يكن كثير من المارينز يحملون سلاحهم، حيث كانت المدينة من أكثر المدن أمنا في العراق".
ويبين فيلكينز أن هذا كله ذهب الآن ومعه النصف الغربي من الموصل، التي سيطر عليها تنظيم الدولة الصيف الماضي، وتعد الرمادي العمود الثاني بالنسبة للتنظيم في العراق. وتمتد سيطرة التنظيم من نهر الفرات وعبر الحدود السورية إلى ضواحي دمشق. وسقوط الرمادي يعكس مدى ورطة الحملة التي تدعمها أمريكا ضد التنظيم.
وتشير المجلة إلى أنه خلال الأشهر القليلة الماضية كان هناك تفاؤل، ففي شهر آذار/ مارس استعاد الجيش العراق تكريت، وهي عاصمة محلية مهمة، وأعانه في ذلك حملة جوية أمريكية. والأسبوع الماضي يبدو أن غارة جوية قتلت أبا علاء العفري، الذي تسلم مسؤوليات كبيرة في التنظيم بعد إصابة مؤسس التنظيم أبي بكر البغدادي.
ويتابع الكاتب بأنه خلال عطلة نهاية الأسبوع، وبناء على أوامر من الرئيس أوباما دخل فريق من الكوماندوز الأمريكيين سوريا، وقتلوا أبا سياف، وهو أحد قيادات التنظيم، وكان يدير عملية تهريب النفظ، التي يعتمد عليها التنظيم في تمويل أنشطته.
وتوضح المجلة أن هذه الأحداث ظهرت وكأنها تعد حملة لاستعادة غرب الموصل، التي قال المسؤولون العراقيون والأمريكيون إنها ستبدأ هذا الصيف. وعندما زار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي البيت الأبيض الشهر الماضي كان المسؤولون الأمريكيون مسرورين بالتقدم الذي تم تحقيقه، فأغدقوا بمئتي مليون دولار أمريكي أخرى على الحكومة العراقية، و"وصل مجمل نفقات أمريكا في عملياتها الأخيرة في العراق وسوريا على العمليات والمعدات 1.9 مليار دولار".
ويجد فيلكينز أن ما حصل في الرمادي خلال عطلة نهاية الأسبوع يشير إلى مدى الخطأ في وضع الثقة في الحكومة العراقية. ويلفت إلى أن معظم سكان المدينة من الأقلية السنية في العراق، وكان يسيطر عليها الجيش العراقي، الذي أثبت أنه مؤسسة متصدعة وغير مؤهلة. ففي شهر حزيران الماضي عندما زحف تنظيم الدولة من سوريا إلى شمال العراق تفكك الجيش العراقي بشكل كبير، ومنذ ذلك الوقت كان التركيز الأمريكي على إعادة بناء الجيش وتحويله إلى قوة قتالية فعالة، وحتى في التقديرات الأمريكية فإن هذه مهمة طويلة الأمد، والهزيمة في الرمادي تثبت صعوبة هذا التحدي.
وتذكر المجلة أن احتلال الرمادي يأتي بعد أن كانت معظم المناطق الآهلة في الأنبار وقعت في أيدي التنظيم، "الفلوجة كانت في يد التنظيم منذ العام الماضي"، وقاعدة الأسد، التي كانت مركزا لعمليات الجيش العراقي والأمريكي، أصبحت الآن مقطوعة في الصحراء.
وينقل المقال، الذي ترجمته "
عربي21"، عن مديرة الأبحاث في معهد دراسات الحرب، جاسيكا لويس ماكفاتي، قولها في تقرير صدر قبيل سقوط الرمادي: "سقوط الرمادي سيغير اللعبة، فغالبا ما ينهار ما تبقى من ثقة في قوات الأمن العراقية".
ويلفت الكاتب إلى أنه في بغداد يواجه رئيس الوزراء الخيار الصعب، وهو إما أن يخسر الأنبار لصالح تنظيم الدولة، أو يطلق يد
المليشيات الشيعية لغزو المنطقة، ما سينفر بشكل دائم المواطنين السنة.
وتنوه المجلة إلى أن هذه المليشيات، التي كانت مسؤولة عن جرائم كثيرة خلال الحرب الأهلية ما بين 2005 و 2008، هي بشكل عام أكثر فعالية من الجيش العراقي.
ويستدرك فيلكينز بأنه بالرغم من نجاح المليشيات، إلا أن المسؤولين الأمريكيين يخشون احتمال سيطرة عصابات المقاتلين الشيعة على قوات الأمن العراقية، وأن ضغطوا على رئيس الوزراء العبادي أن يبقي تلك المليشيات خارج الرمادي. فتلك المليشيات دربتها وتدعمها
إيران، التي لا ترغب أمريكا أن يزيد نفوذها في العراق. وكانت تلك المليشيات قتلت مئات الجنود الأمريكيين بناء على توجيهات إيرانية.
وتورد المجلة أن السبب الأهم لمعارضة أمريكا استخدام المليشيات الشيعية للمساعدة في استعادة السيطرة على محافظة الأنبار، هو أنهم لا يريدون أن تتحول الحملة ضد تنظيم الدولة إلى حرب طائفية.
ويفيد الكاتب بأن هذه المسألة تشكل اللغز المركزي في الحملة ضد تنظيم الدولة، فالصراع في العراق وسوريا تحدده تقريبا حدود طائفية، ففي العراق الصراع سنة ضد شيعة ضد أكراد، "ومعظم الأكراد هم من السنة، ولذلك هناك عنصر إثني في الصراع". وفي سوريا تقف المعارضة ذات الغالبية السنية، ويبرز فيها تنظيم الدولة وجبهة النصرة، يقفون ضد الحكومة التي في غالبيتها من الأقلية العلوية. وفي كل من العراق وسوريا فإن القوات الفعالة الوحيدة على الجانبين هي تلك القائمة على الطائفة أو الإثنية.
ويتساءل فيلكينز: ماذا يحصل الآن؟ يبدو أن العبادي وتحت الضغط من السياسيين الشيعة ومن الإيرانيين يحضر لإرسال المليشيات. ولن تكون النتائج جميلة.
وتختم "نيويوركر" تقريرها بالإشارة إلى أنه منذ نهاية الحرب العالمية الأولى كانت العراق وسوريا دولا صناعية تمت إقامتها على انقاض الإمبراطورية العثمانية المهزومة، دون انتباه للإثنية أو العشيرة او الطائفة. وهذه الدول الصناعية يمكنها أن تأمل أن يضع الناس ولاءاتهم الضيقة جانبا، لصالح الإحساس بالوطن. واليوم، بينما تغرق البلدان في الصراعات الطائفية فإن الإحساس بالوطن في هذه البلدان قد يبدو بعيد المنال.