سجلت حرب أمريكا ضد تنظيم
القاعدة ازدهارا ملحوظا مع انهيار المنظومة الأمنية في
اليمن، وخاصة أجهزة الاستخبارات، بعد سيطرة جماعة "أنصار الله" (
الحوثي) على مؤسسات الحكم في البلاد.
ويأتي ذلك بالتوازي مع العمليات التي يشنها التحالف العربي بقيادة السعودية، ضد مسلحي الجماعة وقوات الجيش المتحالف معهم منذ نهاية آذار/ مارس الماضي.
ويتساءل عدد من المتابعين للشأن اليمني، عن الكيفية التي يجري عبرها رسم خارطة الأهداف لضربات الطيران الأمريكي على تنظيم القاعدة، التي كانت مثمرة باغتيال قيادات من الصف الأول في التنظيم.
لكن محللين وباحثين من اليمن، اعتبروا أن ما تقوم به واشنطن من عمليات سرية في اليمن، عبر طائرات "الدرونز"، في هذا التوقيت بالذات، "جزء من مخطط أمريكي لتمهيد الطريق للحوثيين؛ للتقدم والسيطرة على أكثر من مدينة في البلاد".
ارتفاع عمليات واشنطن السرية في اليمن
ورصدت "
عربي21" ارتفاعا للعمليات السرية التي تشنها طائرات أمريكية دون طيار داخل اليمن، على أهداف مفترضة لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وكانت الأشهر الثلاثة الماضية من العام الجاري هي الأكثر خسارة للقاعدة، نتيجة اغتيال كبار قادة التنظيم.
ففي الثالث من تموز/ يوليو الجاري، قتل أربعة عناصر يشتبه بانتمائهم لتنظيم القاعدة، بينهم سعودي وكويتي، في غارة لطائرة دون طيار في مدينة المكلا في محافظة حضرموت (شرقي اليمن).
وفي الحادي عشر من الشهر ذاته، قتل عشرة من تنظيم القاعدة في اليمن بضربة أمريكية، في المدينة ذاتها الخاضعة لسيطرة التنظيم منذ أوائل نيسان/ أبريل الماضي.
وفي 15 من حزيران/ يونيو الماضي، أكد مصدر خاص لـ"
عربي21" مقتل أمير القاعدة في الجزيرة العرب، ناصر الوحيشي، المعروف بـ" أبي بصير"، في غارة شنتها طائرة أمريكية دون طيار في مدينة المكلا"، التي تخضع لسيطرة جماعة "أنصار الشريعة" جناح القاعدة في اليمن، ليأتي عقب ذلك تأكيد التنظيم في شريط مصور.
وفي 25 من حزيران/ يونيو، قتل خمسة عناصر من تنظيم القاعدة في محافظة حضرموت، إثر غارة جوية نفّذتها طائرة أمريكية دون طيار على مدينة المكلا.
وقتل سبعة مسلحين يعتقد انتماؤهم لجماعة "أنصار الشريعة" جناح قاعدة اليمن، في 12 من نيسان/ أبريل الماضي، بغارة جوية استهدفت تجمع لهم غرب مدينة المكلا في حضرموت.
ونعى تنظيم القاعدة مسؤولة الشرعي العام في اليمن "إبراهيم الربيش" الذي قتل بقصف أمريكي الذي قتل في 13 من نيسان/ أبريل من العام الجاري في حضرموت.
وفي 8 أيار/ مايو الماضي، لقي القيادي في جماعة "أنصار الشريعة" التابعة لتنظيم القاعدة، في جزيرة العرب نصر الإنسي، مصرعه في غارة لطائرة من طيار استهدفته في محافظة حضرموت.
وفي الحادي عشر من الشهر ذاته، قصفت طائرات دون طيار -يعتقد أنها أمريكية- منطقة المصينعة، بعد يوم من تحريرها من قبضة الحوثيين على أيدي المقاومة الشعبية، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص يشتبه في صلتهم لتنظيم القاعدة.
وقتل كذلك في اليوم ذاته القيادي في جماعة "أنصار الشريعة" مأمون حاتم مع ثلاثة آخرين، في غارة أمريكية في مدينة المكلا.
وفي 28 من أيار/ مايو، استهدف الطيران الأمريكي بطائرة دون طيار إحدى جبهات القتال مع الحوثيين في منطقة الصعيد في مدينة شبوة (جنوب شرق البلاد)، ما أدى إلى سقوط عدد من العناصر المشتبه بانتمائهم للقاعدة.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2014، قتلت غارات أمريكية أثناء الحرب الدائرة حنيها بين قبائل قيفة في رداع (وسط اليمن) مع مسلحي الحوثي المدعومين بوحدات عسكرية موالية لعلي عبد الله صالح، قيادات بارزة في القاعدة، أبرزهم "نبيل الذهب، وأبو خولان الصنعاني، وأبو علي الصنعاني ومحمد جارالله الملقب بأبي صالح والصنبجي الملقب بالخبزي".
وخلال السنوات الماضية تم اغتيال عدد من قيادات القاعدة في اليمن، منهم: الشيخ أنور العولقي، والشيخ غازي الرويلي، والشيخان أبو هاجر وأبو خالد العولقي، وسعود الدغاري، وعلي بالكرع، ومشعل الشدوخ، وأبو حبّة أمير أبين، وأبو حذيفة اليمني فهد القصع، وبسام الحضرمي، وحسين باداس، وأبو عمر الأزدي، ونبيل الذهب وخولان الصنعاني، ونايف الأسد الصنعاني، وعادل حردبة، وصولا إلى الأشهر الأخيرة التي انتهت باغتيال الشيخ إبراهيم الربيش، والأنسي، وحارث النظاري، ومأمون حاتم، وتوجت بمقتل زعيم قاعدة اليمن أبو بصير ناصر الوحيشي.
تنسيق بين CIA والحوثيين
رأى الباحث في شؤون القاعدة، حسين الصوفي، أن "هناك تناغما تاما بين الإدارة الأمريكية والحوثيين، بل ارتقى ليكون تنسيقا كاملا بين المخابرات المركزية الأمريكية والانقلاب الحوثي، ويظهر في كل تفاصيل الانقلاب وخطابه الإعلاني والدعائي والتحريضي، وهو ما تريده إدارة أوباما".
وقال في حديث خاص لـ"
عربي21" إن "ما يعزز ذلك، وهو ما اعترف به مسؤولون أمريكيون، أن "أمريكا لا يهمها من يتعاون معها، بقدر اهتمامها باستمرار ذلك على الجغرافيا اليمنية".
وهذا ما نشرته "فورين بوليسي" العام الماضي، على لسان مسؤول أمني أمريكي.
وزاد المسؤول الأمني باعترافه أن "الحوثيين حققوا في حربهم ضد القاعدة في مدينة رداع ما عجزت عنه السلطات الحكومية خلال عشر سنوات، في خطاب صريح بأنهم شركاء حقيقيون لأمريكا، بغض النظر عن طبيعة الشراكة ونتائجها"، وفقا للصوفي، نقلا عن المجلة الأمريكية.
وأوضح الصوفي أن "التنسيق بين الجانب الأمريكي والحوثيين لم يعد سرا، بل تكلل بزيارة فريق من الـ CIA لمدينة صعدة (معقل الحوثي) مرات عدة في العام الماضي".
واستدل أيضا باعتراف عضو المجلس السياسي لجماعة الحوثي، محمد العماد، على شاشة الجزيرة في كانون الثاني/ يناير الماضي بأن "مصالح الأمريكيين تلتقي مع الحوثيين في حربهم على القاعدة"، وأن شعار "الموت لأمريكا"، الذي ترفعه جماعة الحوثي، مجرد "خطاب سياسي لا أكثر".
ويعتقد الباحث الصوفي أن "الأمريكيين يعملون بشكل مكثف مع حلفائهم على تشتيت الشعوب العربية، لضرب هويتها، عبر دعم ورعاية هويات جانبية صغيرة ممزقة طائفية (سنة وشيعة، حشد شعبي ، داعش) أو جغرافية (شمال، جنوب) أو عرقية (هاشمي، عربي، كردي تركماني).
وبحسب المتحدث ذاته، فإن "الدعم الأمريكي للحركة الحوثية في اليمن بناء على هذه المساعي، كما حدث في العراق منذ احتلالها له عام 2003 حتى اليوم".
جواسيس على الأرض
من جهته، قال الصحفي والباحث المتخصص في شؤون القاعدة، أمجد خشافة، إنه "كان من المتوقع، أن تتخذ إدارة باراك أوباما قرارا بإيقاف ضرباتها في اليمن"، عقب انهيار القوات الحكومية ومغادرة العشرات من جنوده من قاعدة العند في مدينة لحج (جنوب اليمن) في آذار/ مارس الماضي.
لكن الذي حدث هو العكس، "تواصل غارات الطائرات من دون طيار"، على حد قوله.
وعزا الصحفي خشافة استمرار الضربات ضد عناصر القاعدة لسببين، الأول أن "هذه الحرب تعتمد بشكل أساسي على الجواسيس المنتشرين في مسرح العمليات، وربما يقلل هذا الأمر من مسألة الحاجة للجانب الأمني الذي يحتوي على وحدات "مكافحة الإرهاب"، وهذا ما يؤكده، كتاب "حروب أوباما"، الذي تحدث عن حرب الطائرات "الدرونز" في أفغانستان ضد طالبان والقاعدة.
والسبب الأخر أن "هناك غرف عمليات مشتركة سرية داخل البلاد، يتم عبرها إدارة العمليات ضد تنظيم القاعدة، بتنسيق أمريكي حوثي"، مستبعدا أن "تفرط واشنطن في حربها ضد التنظيم في اليمن، باعتباره أخطر التنظيمات على مصالحها في المنطقة"، بحسب تصريحات مسؤوليها.
وبيّن الصحفي المتخصص في شؤون القاعدة أن ما يثير الغرابة لدى الكثير أن العمليات التي تشنها الطائرات دون طيار لم تعد محل انتقاد الحوثيين، مثلما كان يحدث قبل سيطرتهم على القرار السياسي.
معللا ذلك بأن "مصالح الجانبين تقاطعت في سياق الحرب على القاعدة"، الأمر الذي تجسد في مدينة البيضاء (وسط البلاد)، حينما عجز الحوثيون عن اقتحام معقل القاعدة في "جبل الثعالب"، قبل أن يتدخل الطيران الأمريكي، الذي أمطر المدينة بعشرات الصواريخ، ما سهل دخول سيطرة الطرف الآخر عليها نهاية العام الماضي.
وبين الفينة والأخرى، تشن طائرات أمريكية دون طيار غارات على عناصر يعتقد أنها تابعة للقاعدة في جزيرة العرب، في إطار الاتفاقية الأمنية (مكافحة الإرهاب) الموقعة بين الحكومة اليمنية والإدارة الأمريكية في واشنطن.
وأقر البرلماني اليمني، في نيسان/ أبريل من العام 2014، إيقاف ضربات الطائرات الأمريكية دون طيار، بعد تقارير تؤكد استهدافها للمدنيين في مدينة رداع في محافظة البيضاء، إلا أن الرئاسة اليمنية لم تستجب لطلب مجلس النواب حتى اللحظة.