أعد موقع "ميدل إيست مونيتور" البريطاني، تقريرا جاء فيه أن السلطات
المصرية بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، تعمل على
اعتقال واختطاف الأطفال وتعذيبهم بعيدا عن العيون، موردا بعض الحالات التي تخص أطفالا تحت السن القانونية.
وفي التقرير الذي ترجمه "نون بوست" وجاء بعنوان "وراء الشمس" رصد الموقع رحلة الاعتقال والانتهاكات بحقق عدد من الأطفال المصريين.
وبدأ التقرير بمشهد من مشاهد اعتقال أحد الأطفال: داخل شاحنة شرطة قذرة بالقرب من جامعة الأزهر، أشار ضابط إلى بقعة من الضوء الساطع المنبعث من خلال فتحة صغيرة، ومن ثم قال: "هل ترون هذه البقعة الصغيرة من الشمس؟"، سائلاً أمينة ياسر و16 شابا وشابة آخرين داخل الشاحنة، وأردف بعدها قائلا: "سوف نضعكم وراءها وسنرى إذا رأيتم ضوء الشمس مرة أخرى خلال ما تبقى من حياتكم"، ووفقا للتعبير العامي المصري، عندما تضع شخصا ما "وراء الشمس" فهذا يعني أنه سوف يختفي.
وتابع: "إنه يوم 24 ديسمبر 2014، وأمينة البالغة من العمر 17 عاما، كانت تحتج على الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي أمام أقدم جامعة في مصر، ولكن بعد هنيهات فقط من بداية المظاهرة، اقتحمت قوات الدولة الحرم الجامعي، وهاجمت المتظاهرين بالذخيرة الحية والرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع، وتم القبض على أمينة من قِبل أحد البلطجية".
"أمسك بعصا خشبية مليئة بالمسامير وضربني بقوة على ساقي"، قالت أمينة لـ"ميدل إيست مونيتور"، وتابعت: "سقطت إثر ذلك، وحينها أمسك بيدي، وبدأ هو وأصدقائي يسحبونني إلى الأمام والخلف لبضع دقائق، حتى قلت له: توقف عن ضربنا، خذني وتوقف عن الضرب".
حينها قام عنصر شرطة بحشر أمينة ضمن تجمع المعتقلين في الشاحنة، وتم نقلها إلى مركز شرطة مدينة نصر حيث واجهت قائمة طويلة من التهم: مهاجمة ضابط وسرقة مبلغ 36 دولارا، وإضرام النار في الجامعة، والاحتجاج غير القانوني، والانتماء لجماعة محظورة، وإرهاب الطلاب، وحرق الأشجار، ومنع الطلاب من تقديم امتحاناتهم، وحيازة واستخدام الأسلحة.
ولكن أمينة تعتقد بأن السبب الحقيقي خلف اعتقالها يكمن في أنها تدافع عن مبادئها: "أنا أدافع عن الحقيقة، وأواجه الاستبداد، هؤلاء كلاب، ويريدون من الناس أن يكونوا مطيعين، صامتين، يأكلون وينامون، ولا يفعلون أي شيء آخر".
على الرغم من إطلاق سراح أمينة، بيد أنه لا يزال هناك الآلاف من الشباب المصريين الآخرين الذين يقبعون خلف القضبان، ومن الصعب معرفة عددهم الدقيق، لأن الحكومة، سلطات السجون، ومكتب النائب العام، جميعهم لا يوفرون للعلن أية إحصائيات عن عدد السجناء، ولكن منظمة الكرامة لحقوق الإنسان تقدر وجود حوالي 3200 طفلاً معتقلاً على الأقل منذ الإطاحة بمحمد مرسي، وذلك كجزء من الجهود الحكومية المركزة والساعية لإخراس الأصوات المتعالية المعارضة للانقلاب.
وكجزء من هذه الحملة الشاملة، أصدر قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح
السيسي في العام الماضي مرسوما يسمح بمحاكمة الأفراد المتهمين بتخريب البنية التحتية العامة أمام المحاكم العسكرية، والتي تتميز بهدرها لحقوق وإجراءات التقاضي السليمة والأساسية، وعدم تمتعها بالاستقلال والحياد، بشكل أسوأ من المحاكم التي تديرها السلطات القضائية المدنية.
يرى المراقبون أن هذا المرسوم هو عبارة عن حيلة لاستهداف الاحتجاجات السلمية المعارضة للسيسي، والتي ما زالت مستمرة منذ عام 2013، لأن المرسوم ينص على أن التظاهر يقوض النظام العام ويخرب البنية التحتية العامة، ويقول الباحث في مركز الكرامة أحمد مفرح "إن الأطفال هم جزء من المجتمع، ووحدها الأنظمة المستبدة هي التي تبذل كل جهد ممكن لإحباط أي حركة احتجاج، حتى لو شارك بها الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما".
سيف الإسلام أسامة شوشة البالغ من العمر 16 عاما، هو أصغر مصري ستتم محاكمته أمام محكمة عسكرية، يقول مفرح، حيث تم اعتقال سيف في 8 آذار/ مارس من العام الماضي من مدينة دمياط الساحلية، وتعرض للضرب المبرح، وأصيب في رأسه، ونزف بشدة إثر ذلك، وبهذه الإصابات أمضى كامل الليلة في مركز الشرطة دون مساعدة طبية، ودون مشورة قانونية، ولم يُسمح له بالاتصال بوالديه، ومنذ ذلك الحين تم تجديد اعتقاله أكثر من 10 مرات.
يشير مفرح إلى أنه في بعض الحالات يختفي الأطفال فجأة، ليتم بعد ذلك عرضهم على الجمهور على أنهم إرهابيين، فمثلاً تم اختطاف عبادة جمعة، البالغ من العمر 15 عاما، من مدينة نصر في يوم 17 تموز/ يوليو من هذا العام، وهو يصادف اليوم الأول من عيد الفطر، وذلك أثناء لعبه لكرة القدم مع أصدقائه، وحين تم القبض عليه تعرض للضرب المبرح على أيدي رجال الشرطة.
ومنذ اختفائه، لم تسمع عنه عائلته أي خبر، حتى أدركوا ما حصل بعد بضعة أيام، عندما نشرت الشرطة صورة عبادة وهو معصوب العينين ومكبل اليدين ويقف أمام طاولة مليئة بالسلاح، الذي اعترف بحيازته، وقد استخدمت السلطات الصورة للزعم بأن عبادة هو مجرم خطير وأُلقي عليه القبض بتهمة صنع وإنتاج الأسلحة النارية. ومن جهته أخبر عبادة عائلته خلال زيارتهم له مؤخرا، بأنه تعرض للتعذيب بالصدمات الكهربائية حتى اعترف بالتهم الملفقة له، علما بأن هذه هي المرة الثانية التي يتم فيها اعتقال عبادة.
وفقا للقانون المحلي المصري، فإن التوقيف الاحتياطي للأطفال الذين تقل أعمارهم عن سن الـ15 عاما هو ممارسة غير قانونية، كما أن قانون الطفل والدستور المصري يحظران
التعذيب والاحتجاز دون سند قانوني، وعلاوة على ذلك، مصر هي من أوائل الدول الموقعة على اتفاقية حقوق الطفل (CRC)، وهو اتفاق معترف به دوليا يدعو إلى التحرر من العنف والإساءة والاستغلال وتوفير الرعاية الصحية الكافية للأطفال.
التجاهل الذي تمارسه مصر لهذه المعاهدات يقع على مستوى مذهل، حيث يقول مفرح "مصر لا تفشل فقط بتنفيذ أو بتطبيق بنود هذا الاتفاق، بل إنها تتجاهل مواده تماما، لا بل إنها أيضا لا تطبق مواد قانون الطفل المصري المحلي"، ونظرة متمعنة إلى الظروف التي يُحتجز بها هؤلاء السجناء الشباب، كافية لتأكيد ذلك.
بعد فترة وجيزة من استجوابها الأولي في مركز شرطة مدينة نصر، تم وضع أمينة مع معتقلة أخرى في زنزانة مليئة بالحشرات والصراصير لا تتجاوز أبعادها الـ 1.5 × 1.5 متر، ومرت ست ساعات قبل أن يأتي عنصر من الشرطة ليسألهما عما إذا كانتا بحاجة إلى أي شيء.
"قلنا له بأننا بحاجة لاستخدام المرحاض، ولكنه رفض، حدث هذا ثلاث مرات وذلك في محاولة لاستفزازنا، أسماء ماضي كانت شريكتي في الزنزانة، وهي لا تزال مسجونة حتى الآن"، تقول أمينة وهي طالبة في السنة الثالثة في كلية طب الأسنان، وتتابع: "ازداد الوضع سوءا، ولم يسمحوا لنا بالخروج لاستخدام الحمام، لذا وجدنا أكياسا كانت تحتوي على طعام قديم، وقمنا بإفراغ محتواها على الأرض، وأرحنا أنفسنا ضمنها نتيجة لليأس الذي وصلنا له".
في وقت لاحق، تم وضع أمينة مع معتقلات كبيرات بالسن، وهو الأمر الذي تحظره على وجه التحديد اتفاقية حقوق الطفل، وتصف أمينة تجربتها هناك بقولها: "إحدى السجينات هددتني باستمرار بأنها ستقوم باغتصابي أثناء نومي، وكانت تصف ما الذي يمكن أن يحدث لي أثناء النوم، لذلك لم يغمض لي جفن طوال الليل، واستمروا بزج السجينات في الزنزانة حتى وصل العدد إلى حوالي 49 سجينة في زنزانة بالكاد تتسع لـ10 أشخاص، لذا كنا ننام بالتناوب، بعضنا ينام، بينما يظل البعض الآخر واقفا".
في أحد الأيام كانت عائلة أمينة تنتظرها خارج السجن لرؤيتها عندما يتم تكبيل يديها ونقلها إلى المستشفى لتخضع لاختبار حمل إجباري، وتقول أمينة "عندما حان دوري لإجراء اختبار الدم، فقدت الوعي تماما ولم أستطع الكلام".
يصف والد سيف أيضا المعاملة السيئة التي يتلقاها نجله على أيدي مسؤولي الشرطة في مركز احتجازه في قسم شرطة فارسكور، حيث يشير إلى قيامهم برمي ممتلكات السجناء خارج زنزاناتهم، وحلق رؤوسهم يوميا، وتقتصر الزيارات للسجناء هناك على لقاء يستمر لدقيقة واحدة فقط، يجلس خلاله جنديان بين سيف وعائلته.
بالنسبة للسجناء الشباب، فإن الإيذاء النفسي، ولاعتداء الجنسي، والتعذيب داخل السجون، هي أمور منتشرة على نطاق واسع. فكما يقول مفرح: "إن مراكز الاحتجاز في مصر، وخاصة بالنسبة للأطفال، لا تتوافق مع المعايير الدنيا، وهي مجرد غرف لتعذيب الأطفال، لقد وثقنا 52 حالة اعتداء جنسي وسوء معاملة واغتصاب في سجن كوم الدكة بالإسكندرية"، وهو السجن الذي يُطلق عليه اسم "المسلخ". ويردف مفرح موضحا أن هذه الممارسات تعكس آثارا ضارة على الأطفال على المدى البعيد، أو تؤدي إلى "اغتيال مستقبلهم"، وفقا لتعبير مفرح.
لقد مر الآن عام كامل منذ إطلاق سراحها، ولكن أمينة ما زالت تعاني من كوابيس مرعبة: "أستيقظ خائفة، وأجهش بالبكاء حتى تأتي والدتي وتواسيني". ولفترة من الوقت بعد إطلاق سراحها، كانت أمينة تنام على الأرض، وتتجنب السير وحيدة في الشارع، أو استقلال وسائل النقل العامة أو سيارات الأجرة، كما أنها كانت تتجنب المرور بجانب عناصر الشرطة والجنود والمؤسسات العسكرية.
أمينة تعيش حاليا مع والدتها في تركيا، لكنها تقول إنها تنفق كل لحظة واعية في حياتها متمنية أن تتمكن من العودة إلى الوطن لرؤية والدها وأشقائها وأقاربها: "أتمنى أن أراهم للحظة واحدة فقط وأعانقهم" تقول أمينة.. وتردف: "يجب علينا جميعا العودة إلى وطننا لأنه أصلنا، جذورنا، وقضيتنا، ومن واجبنا تحريره من أيدي الطغاة الظالمين، من السيسي وأولئك الذين يساعدونه".