أثار الإعلان عن إجراء تعديلات على اللائحة الداخلية الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين في
مصر من جانب طرف واحد، وهو اللجنة الإدارية العليا، خلافات جديدة داخل الجماعة.
وقال المتحدث الإعلامي للإخوان، محمد منتصر، المعبر عن اللجنة الإدارية، في بيان له الأربعاء الماضي: "استجابة لمبادرات المخلصين من أبناء الحركة الإسلامية وفي مقدمتهم فضيلة العلامة الدكتور يوسف
القرضاوي، وتنفيذا للمهمة التي أوكلتها الجمعية العمومية للإخوان إلى اللجنة الإدارية العليا بإجراء تعديل لائحي، ومن ثم تقديمه لمجلس الشورى العام، نبدأ هذا الجهد، ونسأل الله القبول والتوفيق ووحدة الجماعة ونهضتها وخلاص أمتنا وحريتها".
واختتم "منتصر" بيانه بهاشتاغ:"#
لائحة_جديدة_بداية_جديدة".
وأشارت مصادر متطابقة بالإخوان (رفضت الإفصاح عن هويتها) إلى أن أزمة الجماعة لاتزال معقدة حتى الآن، ولا يبدو أن هناك حلا يلوح في الأفق، رغم كل المبادرات التي تم تقديمها، وعلى رأسها مبادرة رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي، رغم الجهود الحثيثة التي بذلها كثيرون في هذا الصدد.
وحول نتائج مبادرة "القرضاوي"، قالت المصادر في تصريحات خاصة لـ"
عربي21": "لابد من موافقة الطرفين معا، لأن موافقة طرف واحد فقط وتقديمه لتنازلات لن يكون له أي قيمة أو جدوى دون موافقة الطرف الآخر"، لافتة إلى أن "كل مؤسسات ومجالس الجماعة بما فيها المرشد العام، ومكتب الإرشاد، ومجلس الشورى العام، وغيرها، صلاحيتها منتهية وغير مكتملة النصاب، ويجب أن يتم تجديدها".
وتابعت بأن "الأزمة ازدادت تعقيدا، خاصة بعد الخطوة الكبيرة التي أظهرت الخلافات فعليا بتعيين متحدثين موازين (طلعت فهمي وآخرون، ومحمد منتصر) وموقع إلكتروني مواز (إخوان أون لاين، وإخوان سايت)، وبالتالي هناك من حسموا أمرهم واتخذوا قراراتهم بالحل والإيقاف وتجميد العضوية، والعمل من أجل فرض واقع جديد، وهذه أزمة يصعب حلها ما لم تظهر أفكار خلاقة وتصدق النوايا، وهذا ليس سهلا واحتمالاته ممكنة، لكنها ضعيفة حاليا".
ورأت المصادر أن تعديل اللائحة يستوجب موافقة وتوافق كل الأطراف، خاصة أن كل طرف سيحاول فرض فلسفته ورؤيته في اللائحة، مضيفة: "من سيعتمد على شرعية الصف (أفراد الجماعة) سيظهر ويتضح للجميع، ومن سيعتمد على تثبيت مرجعيات عليا فوق هذا الصف ويعتبرها شخصيات لا تمس سيتضح للجميع أيضا".
من جهته، قال أمين لجنة العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة، المهندس محمد سودان، (المؤيد لجبهة القائم بأعمال مرشد الإخوان الدكتور
محمود عزت) إن الانفراد بهذا القرار وبهذه الطريقة هو خروج جديد عن الشرعية ومحاولة أخرى لشق الصف.
وأضاف في تصريح لـ"
عربي21": "شخصيا أرفض الإعلان بهذا الأسلوب، فتعديل اللائحة بشكل غير مؤسسي يضفي على العمل عدم الشرعية، ويسهل الطعن على أي إجراء يتخذ بهذه الطريقة"، مؤكدا أن "الجماعة لها جسد واحد، ورأس واحدة، وأن من يحاول أن يعدد الأجساد أو الرؤوس، يخطئ في حق هذه الجماعة ذات التاريخ الطويل".
وأشار إلى أن الطرفين المتنازعين داخل الجماعة عندما اجتمعا عند الدكتور يوسف القرضاوي منذ بضعة أسابيع اتفقا على تعديل اللائحة من خلال إنشاء لجنة متخصصة مُعينة من قبل مجلس الشورى العام وبتوافق من أعضاء مكتب الإرشاد، ثم يتم التشاور بشأن آلية تنفيذ الانتخابات لاحقا، بعد حل معضلة أصوات المغيبين بالسجون والمطاردين والهاربين داخل البلاد".
وذكر "سودان" أن الطرف الآخر في الجماعة لم يلتزم بالبند الخاص باللائحة، الذي اتفق الجميع بشأنه مع الشيخ القرضاوي، فقد تجاوزه بعد أن أعلن منفردا عن البدء في تعديل اللائحة الداخلية للإخوان، دون الرجوع لهم.
واستطرد قائلا: "بالطبع شراكة المهاجرين خارج مصر من خلال الحصول على أصواتهم أمر ميسور، لكن المعضلة في الداخل، ولذلك لابد من التمهل في اتخاذ آلية تنفيذ الانتخابات والحصول على أصوات الداخل، حتى لا تكون نتيجة الانتخابات عُرضة للطعن في أي وقت".
وحول موقفهم من مبادرة "القرضاوي"، قال: "أولا هي ليست مبادرة، ولكنها نصيحة من والد لأبنائه، ونصيحة من قائد وعالم جليل له باع في الدعوة وحريص عليها، إلى أحبائه، وقد رحب بها القائم بأعمال المرشد عزت ونائب المرشد العام إبراهيم منير، فلم الشمل شيء مطلوب ومرحب به".
وأردف قائلا: "رأب الصدع هو ما نسعى إليه، لكن مع مراعاة ما ذكرت سلفا من الظروف الحالية التي يعيشها الإخوان في الداخل، وكذلك حالة التضييق الأمني ومراعاة مصالح الناس، مع الأخذ في الاعتبار أن وحدة صف الجماعة لابد من الحفاظ عليها بكل الوسائل، وكذلك التمسك بمنهج الجماعة".
وبسؤاله عما إذا كان ترحيبهم بما وصفه بنصيحة "القرضاوي" يعني قبولهم بها، أجاب القيادي الإخواني المقيم في العاصمة البريطانية لندن: "لا، لم أقل ذلك، فقد قلت إنه تم الترحيب بهذه النصيحة من جانب القائم بأعمال المرشد ونائب المرشد العام، مع التحفظ على سرعة التنفيذ، وذلك لاختيار الآلية المناسبة لتنفيذ الانتخابات، خاصة بالداخل، لكن الجميع يود تنفيذ ما بها من توصيات وحل ما بها من معضلات، وهو ما يحتاج إلى مثابرة واتفاق على آلية التنفيذ بالداخل وبالخارج، فالتسرع في التنفيذ دون الاتفاق على الآلية لن يحل المعضلة".
بدوره، أوضح عضو البرلمان المصري المنعقد في الخارج د. محمد عماد الدين، وهو أحد المساهمين في مبادرة "برلمانيو حزب الحرية والعدالة لحل أزمة الجماعة"، أن تعديل اللائحة أمر حتمي، وضروري ويلزم البدء فيه فورا، لأنه تأخر عن أوانه، إعلاء للمؤسسية وإعمالا لقواعد الشورى، وتطبيقا لسنة التداول، ومسايرة للمتغيرات، وتصحيحا للأخطاء، واستفادة من كل الطاقات، ونهوضا بالجماعة في مواجهة التحديات".
وقال في تصريح لـ"
عربي21" إن "الاستناد إلى مبادرة الدكتور القرضاوي يجعلنا نتساءل: هل المبادرة اكتفت بتعديل اللائحة؟ ولماذا لم يتم تنفيذ بقية بنود المبادرة؟ فهذه الانتقائية في تناول المبادرة تجعلنا نتحفظ على أي جهد يبذل، فلا ينبغي بأي حال الانتقائية في التناول، لأنه تفريغ لها من محتواها والإيهام بقبولها مع الإمعان في الانقضاض عليها".
وتابع: "عموما، اللائحة الجديدة والانتخابات الشاملة هي قرارت مجلس الشورى العام قبل أن تكون مبادرة من المخلصين، لذلك فدعمها واجب، حفاظا على لحمة الصف وتجاوز الأزمة، وهي مطلب تفرضه الظروف والمتغيرات التي تمر بها الجماعة بعد الانقلاب، لذلك على الجميع الاستجابة لهذا الأمر".
وأضاف: "نسعى جاهدين لأن نكون حراسا على تنفيذ بيان الشيخ القرضاوي كاملا مع تحديد مدى زمني للتنفيذ، خاصة أن بيان الشيخ بينه وبين مبادرة البرلمانيين قواسم مشتركة عديدة، أبرزها العودة إلى الجمعية العمومية صاحبة الحق الأصيل في هذه المؤسسة للخروج من هذه الأزمة بآلية الانتخابات في الداخل والخارج، وهذا ما يشغل النواب في الفترة القادمة: كيف ندفع ونضغط ونهيئ الظروف للمضي قدما وبقوة في هذا الاتجاه".
وشدّد "عماد" على أن من يقدر مبادرة "القرضاوي" ونخبة العلماء المحترمين معه وفريق العمل الذي عاونه هو الذي لا ينتقص ولا يلتف ولا يسوف تحت أي دعوة من الدعوات أو أي ظرف من الظروف، حتى ولو كانت شعارات براقة، مثل المؤسسية أو الشفافية أو تهيئة الظروف إلى آخره.
واختتم بقوله: "نرجو أن يرى كل فريق أن إخلاصه في سلامة طريقه وصحة فكره لحماية الدين والدعوة والجماعة، والمشروع الإسلامي، يحمله على مخالفة ما تم التوافق عليه، وإن رآه خاطئا، ولنتذكر أن الفتنة الكبرى بين سيدنا علي ومعاوية لم تنحل بالحرب أو التحكيم، إنما بالتنازل، والكبار هم من يقبلون النصيحة وينزلون على الحق".
وأكد عضو جماعة الإخوان المسلمين ياسر فتحي أن هناك حاجة ملحة لمواكبة المتغيرات ولإنجاح الثورة ومبادئها وأهدافها، بما يوجب عليهم الإسراع بجدية لحوار حقيقي حول الرؤى والأفكار وتحديث اللوائح وإجراء انتخابات شاملة بما يتوافق مع اللحظة الحالية، وما يتوافق عليه جمهور الإخوان، مشدّدا على أن أي تأخير أو تعطيل لذلك هو أمر يضعف الجماعة ويضعف مؤسساتها وقادتها وتأثيرها.
وظهرت أزمة جماعة الإخوان الداخلية للعلن بوضوح في شهر أيار/ مايو الماضي، وذلك على خلفية تباين وجهات النظر بشأن مسار مواجهة سلطة الانقلاب، وشرعية القيادة في الظرف الجديد.
واشتعلت تلك الخلافات، في شهركانون الأول/ديسمبر الماضي، حينما أعلن مكتب الإخوان المسلمين في لندن إقالة محمد منتصر (اسم حركي مقيم داخل مصر) من مهمته متحدثا إعلاميا باسم الجماعة، وتعيين متحدث جديد بدلا منه، هو طلعت فهمي، وذلك في أعقاب خروج مشرف للجنة إدارة الدكتور محمد عبد الرحمن بعدد من القرارات الموقعة منه، التي قال إنها باعتماد من القائم بأعمال المرشد العام للإخوان عزت، التي تقضي بإعفاء وتجميد عضوية بعض حاملي الملفات المهمة، وأبرزهم المتحدث الإعلامي محمد منتصر.
وأعلن 11 مكتبا إداريا تابعا لجماعة الإخوان، بالإضافة إلى اللجنة الإدارية العليا (باستثناء رئيسها وعضوين بها)، ومكتب الجماعة بالخارج، رفضهم لقرار إعفاء المتحدث الإعلامي محمد منتصر، أو تجميد عضويته.
واللائحة الداخلية التنظيمية للإخوان المسلمين هي قانون النظام الأساسي للجماعة، وأقرت الجمعية العمومية للإخوان أول لائحة للجماعة في 24 أيلول/ سبتمبر 1930، وتم إقرار أول لائحة خاصة بقسم الأخوات المسلمات في 22 تموز/ يوليو 1933، وتمت الموافقة على أول لائحة رسمية للجماعة، وأصبحت نافذة في 8 أيلول/ سبتمبر 1945م.
وأمام تطورات "الإخوان"، رأى المرشد العام الأول والمؤسس للجماعة الإمام حسن البنا حينها، أن يقترح على الهيئة التأسيسية المنعقدة في 1948 إدخال بعض التعديلات، فوافقت الهيئة على ذلك، وأصبح التعديل الأول ساريا منذ 21 أيار/ مايو سنة 1948.
وأقر مجلس الشورى العام للإخوان النظام العام للجماعة في 29 تموز/ يوليو 1982، وكذلك تم إدخال تعديلات عدة أخرى على لائحة الجماعة التي تمثل أكبر حركة إسلامية، أبرزها في أعوام 1948، و1951، و1982، و1994، و2009، وذلك كي تواكب اللائحة "تطورات الدعوة واتساع ميادينها وإنشاء التنظيم العالمي للجماعة".
ووفقا للمادة (31) من اللائحة المعدلة في 2009، يجوز تعديل أحكام هذا النظام بناء على اقتراح المرشد العام أو أغلبية أعضاء مكتب الإرشاد المقيمين بمصر، أو 20 عضوا من أعضاء مجلس الشورى العام، ويُنظر اقتراح التعديل في جلسة خاصة للمجلس يُدعى إليها قبل 30 يوما على الأقل، مع إخطار الأعضاء بموضوع التعديل المقترح، ويعدّ مقبولا بأغلبية أكثر من نصف عدد أعضاء المجلس.